الجولاني يصعّد ميدانياً… والفصائل تنتظر كلمة السر
علاء حلبي:
لم تتلقَّ الفصائل التابعة لتركيا حتى الآن أي توضيحات حول مضمون «خريطة الطريق» الروسية للتطبيع بين دمشق وأنقرة، والتي أعلنت موسكو وطهران عن توافق سوري ـــ تركي عليها على هامش اللقاء العشرين لمسار «أستانا»، قبل يومين. وتزامن هذا الإعلان مع حشد الجيش السوري مزيداً من القطع العسكرية على محاور عدة في محيط حلب، الأمر الذي قوبل بتصعيد عسكري لـ«هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) طاول مواقع كانت هادئة نسبياً، في ريفي اللاذقية وحماة، ما وضع منطقة «خفض التصعيد» على محك اختبار حقيقي لأولى خطوات طريق التطبيع الطويلة
بينما أكّدت كل من موسكو وطهران توصّل دمشق وأنقرة إلى توافق مبدئي على خريطة الطريق الروسية لفتح الأبواب المغلقة بين الجارتين، التي تتضمن خطوطاً توافقية عديدة، على رأسها مسألتا «محاربة الإرهاب» و«عودة اللاجئين»، إضافة إلى رفض الوجود الأميركي في سوريا، بدأت «هيئة تحرير الشام» محاولة إشعال منطقة «خفض التصعيد»، عبر شنّ هجمات صاروخية وعن طريق المسيرات، طاولَت ريفي حماة واللاذقية، وأدّت وفق الإحصاءات المبدئية إلى مقتل مواطن وإصابة عدد آخر، جميعهم مدنيون. ومن جانبه، ردّ الجيش السوري على مواقع إطلاق القذائف، بحسب مصادر ميدانية مشيرة إلى أنه أسقط إحدى المسيرات، في وقت شنّت فيه طائرات روسية غارات عديدة على مواقع في محيط طريق حلب – اللاذقية (M4)، بالإضافة إلى استهداف مخازن أسلحة وخطوط إمداد خلفية جميعها تقع تحت سيطرة «الهيئة» في ريف إدلب. وجاء التصعيد الميداني الجديد، والذي يمكن اعتباره استكمالاً لمحاولات سابقة قادتها «الهيئة» لتصدّر المشهد الميداني، عن طريق شنّ هجمات مباغتة على مواقع للجيش السوري، مختلفاً نوعاً ما، إذ هاجم الفصيل، الذي يحاول قضم مناطق في ريف حلب لتكون بديلاً من إدلب التي ينتظر أن تشهد عملية سياسية وعسكرية طويلة، مواقع مدنية بعيدة نسبياً عن خطوط التماس. ومن هنا، رأت المصادر أن التصعيد يأتي في إطار «محاولات استعراضية للاستهلاك الإعلامي» من قبل «الهيئة»، في ظل عجزها عن شن أي هجمات حقيقية نتيجة انتشار الجيش السوري، بينما كان متوقّعاً حدوث مثل هذا التصعيد، مع اقتراب حل مسألة الطرق الدولية، بما فيها طريق حلب – اللاذقية.
إلى ذلك، تعيش الفصائل المنتشرة في ريف حلب الشمالي حالة شك متزايدة، في ظل عدم تلقيها أيّ توضيحات حول مضمون خريطة الطريق التي يجري الحديث عنها، والخطوات التي قد تشملها هذه الخريطة، في ظل إصرار الحكومة السورية على أن يكون الانسحاب التركي من سوريا هو النتيجة الحتمية لهذا المسار. وفي السياق، قال مصدر سوري معارض، إن الفصائل المنتشرة قرب منبج وتل رفعت راقبت على مدار الأيام الماضية وصول تعزيزات للجيش السوري، وعندما استفسرت عن الموقف المطلوب اتخاذه لم تتلقّ أي تعليمات تركية جديدة، حيث اقتصرت التعليمات على ضرورة ضبط الأمن الداخلي في مناطق انتشار الفصائل، ومنع أي محاولات لزعزعة الاستقرار. وفي ضوء ذلك، تراقب الفصائل المنتشرة في ريف حلب عمليات التصعيد المتواصلة من «هيئة تحرير الشام» لتتعرف أكثر إلى الموقف التركي، في حين تُعتبر «الهيئة» إحدى أبرز الفصائل التي تعتمد عليها تركيا في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة. ومن بين السيناريوات التي تنظر فيها الفصائل، يبرز احتمال تخلي أنقرة عن «حليفتها»، ما يعني ضمنياً الاعتماد على الفصائل على حساب «الهيئة»، أو إنهاء الحالة الفصائلية أيضاً عن طريق قضم المناطق تباعاً، وفق جدول زمني محدد. وبينما تسود حالة الصراع حول النفوذ، يأتي الإعلان عن استكمال العملية السياسية ضمن المسار الأممي (اللجنة الدستورية)، والتي يتوقع أن تعاود اشتغالها خلال الشهرين المقبلين بعد الاتفاق على المدينة الجديدة التي ستستضيف أعمال اللجنة بدلاً من جنيف، لتعيد التذكير بحالة الانفصال شبه التام بين تلك الفصائل والواجهة السياسية للمعارضة المنخرطة في المسار السياسي، الأمر الذي يزيد من تعقيدات الموقف.
وبالرغم من إعلان موسكو وطهران التوصل إلى اتفاقات مبدئية على خريطة الطريق، يكشف الصمت التركي والسوري عن وجود تفاصيل عديدة لا تزال خلافية. وفي حين يجري العمل على حل ملفات عدة، من بينها أولويات العمل الميداني، وتحديد الفصائل «الإرهابية» بدقة، بالإضافة إلى مسألة التعافي المبكر وعودة اللاجئين، كانت أنقرة خطت فعلاً نحو النقطة الأخيرة، عن طريق إعادة فتح معبر الترنبة وإدخال دفعة جديدة من المساعدات الإنسانية عبر الحدود (عن طريق دمشق). وهذا من شأنه أن يمهّد لفتح المعبر بشكل دائم، ضمن تسهيلات متوقّعة لفتح الطرق أمام العائلات التي تود العودة إلى منازلها في مناطق سيطرة الحكومة السورية، وهو إجراء تقول مصادر سورية إن «هيئة تحرير الشام تحاول منع حدوثه خوفاً من خسارتها النازحين الذين تعتمد عليهم في تحصين بقائها، وضمان استمرار تدفق المساعدات التي تتحكّم بها».
من جهتها، بدأت «الإدارة الذاتية» التي تقودها «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) تلتمس اقتراب الخطر في سياق التوافق بين دمشق وأنقرة، خصوصاً أن بيان «أستانا» ركّز بشكل واضح على رفض «الذاتية». ويضع الموقف الحالي «قسد» أمام خيارين اثنين: إما الانخراط في عملية سياسية مع دمشق بعيداً عن المراوغة، أو استمرار الانسياق وراء واشنطن والاحتماء بها. وبينما أعلن الرئيس المشارك لمكتب العلاقات العامة في «حزب الاتحاد الديمقراطي» الذي يقود «قسد»، سيهانوك ديبو، عدم تلقّي «الإدارة الذاتية» أي رد من دمشق على مبادرة سابقة أطلقتها الأولى، لا تزال الأخيرة ترفض خوض أي حوار بشروط مسبقة، أو على أساس استمرار «الذاتية»، البعيدة عن جميع مسارات الحل السياسي وعلى رأسها «أستانا»، وغير الممثلة في «اللجنة الدستورية». ولعلّ ما قد يدفع «قسد» إلى تفضيل الخيار الأول، هو أن الولايات المتحدة التي باتت تستشعر زيادة المخاطر على وجودها في سوريا، لجأت إلى زيادة تحصيناتها ومحاولة توسيع دائرة الفصائل التي تقودها على الأرض، عن طريق بناء تشكيلات جديدة بعيدة عن الأكراد، سواء في الرقة أو قرب الحدود مع الأردن والعراق.
الاخبار
إضافة تعليق جديد