الرب لايستريح بعد اليوم السابع
ـ وفي اليوم السابع لم يسترح الرب لأن أنين عباده السوريين يملأ بيوت عبادته، ولأن السوريين رغم خبرتهم في العمل التطوعي والإغاثي خلال سنوات الحرب تصرفوا بشكل ارتجالي كفزعة عرب فهدرت الفوضى وعدم وجود غرفة تنسيق عليا للإغاثة جزءا من جهدهم وعطائهم، غير أن الحالة الإغاثية في سورية كانت أفضل من تركيا، يؤكد ذلك ماسمعناه عن ضعف استجابة الدولة التركية في نجدة مدن لواء اسكندرون المنكوبة والتعامل مع المنكوبين السوريين كمواطنين من الدرجة العاشرة، بينما الدولة السورية فتحت معابرها وأرسلت مساعداتها إلى مناطق سيطرة الميليشيات باعتبار أن واجبها يقتضي مساعدة جميع السورين المنكوبين دون تفريق.
ـ التراحم : هذا ماكان يحتاجه السوريون بعد 12 عاما من أحقاد الحرب. جاء الزلزال فوحد الألم ونيّم الخصومات وأظهر غنى وأصالة شيفرة السوريين في الأرض، وإنها لشيفرة جبارين .. الجميع يمد يده للجميع احتراما لقدسية حياة كل فرد، حيث مؤسسات الدولة تعيد المعنى الحقيقي لكلمة نظام، بينما بقيت الفوضى سمة الأراضي التي تحكمها الميلشيات التي تفتقر للنظام.. ففي الكوارث يدرك الناس أهمية أن تكون لهم دولة، ويتأكدون أن أي فساد في مؤسساتها سيشكل خطرا على حياتهم وهم داخل جدران بيوتهم، إذ ساهم الفساد الهندسي بمقتل أغلب ضحايا الزلزال السوري، وهذا يحيلنا إلى ضعف وزارة الإسكان وتقصير نقابة المهندسين ولجان السلامة تجاه مواطنيهم ..
ـ بعد الكارثة انقسم السوريون إلى قسمين: قسم الفعالية الإفتراضية، وقسم الفعالية الميدانية التي لم نر صور متطوعيها على صفحات التواصل، وعندما استفسرت من أولادي وابنتي وأصدقائهم من المتطوعين في اللاذقية وجبلة قالوا بأنه لاوقت للمتطوعين لإستعراض عملهم، كما أن غالبية المنكوبين فقدوا وسائل اتصالهم وعلاقتهم محصورة بالمتطوعين والمسعفين والمؤسسات والجمعيات وأهل الخير الذين يوزعون مساعداتهم ويقدمون جهدهم وخبراتهم ض على الأرض المنكوبة..
بالطبع للسوشال ميديا دور إيجابي في الحروب والكوارث غير أنه محصور على الصحفيين المحترفين، بينما إعلانات غير الإعلاميين، رغم نواياها الحسنة، لاتتجاوز في مساعداتها على الأغلب لوحات الإرشاد في أروقة الفنادق التي تدل النزلاء على اتجاه المطعم والمشرب وصالة الرياضة ومنافذ الحريق أثناء الطوارئ وأرقام الخدمات عند الحاجة، وقد يغدو الأمر مبالغا فيه عندما تجد عشرة لافتات متتالية لتدلك على إحدى الخدمات !
ـ استعادت المؤسسات الحكومية والحزبية دورها الإجتماعي ونسي الناس بسرعة مافعلته بهم سابقا، ذلك أن تجربة الموت المشترك توصل الناس إلى الغفران، وهذه بداية جيدة للسلطات فيما لو أرادت التخلص من ماضيها السيء، وإشراك الناس في إدارة حياتهم بحيث يكون النجاح والإخفاق مشتركا بينهما، وهذا ماندعوه بالديمقراطية الواقعية ، وهي جيدة لاستقطاب المعارضة العقلانية غير المأجورة، وتحسين سمعتنا في الخارج، وسحب ذرائع أمريكا التي تحولت إلى سلطة ديكتاتورية تسعى للسيطرة على باقي البلدان باسم الديمقراطية، غير أن استمرار خطاب الكراهية لأمريكا والغرب عموما غير مفيد ويبدو كمثل جريح أعزل يشتم عدوه فيحرضه على المزيد من العدوان عليه.. إضافة إلى أن مهاجمة دول الغرب لايساعد جالياتنا فيها في خطابهم لسلطاتهم بغية إيصال مساعداتهم، ومن خلال تواصلي مع بعضهم كنت أفكر بعقلهم كمغتربين عندما كتبت لهم بيانات خطاب لحكوماتهم ومنظماتهم الإنسانية لتسهيل مساعدتهم للشعب السوري بوصفهم حاملي الشيفرة السورية الذين أعطوا لأوطانهم الجديدة جهدهم وعمرهم وخبرتم، وأن لوطنهم الذي أنبتهم ديناً عليهم..
فلطالما كانت سورية عبر تاريخها مصدر نزاع بين الإمبراطوريات البائدة، ولطالما عمل سياسيوها منذ معاوية بمنطق السوق : عندما يفتح أبوابه للجميع فيعم الرخاء والسلام فيه، وعندما يدخلون سياسة التحالفات والعداوات يفقد السوق سلامه ورخاءه، لهذا يفترض بالسياسات السورية بعد الزلزال أن تمثل نهج عدم الإنحياز فتفتح أبوابها للجميع، وسيكون تنافسهم وصراعهم اقتصاديا واستخباريا لاعسكريا ولادينيا أو قوميا، ذلك أننا اليوم نعيش في سوق كبير هو العالم تديره الشركات لاالحكومات، وهي متعددة الجنسيات بلا دين أو قومية أو آيديولوجية، وسيكون المواطن السوري عندها في مقدمة الرابحين حيث نراه ناجحا ومتفوقا في كل البلدان سوى بلاده! وقد فصلت ذلك في كتابي " تحرير العقل العربي والعبور إلى المستقبل" في 420 صفحة، ومازال عالقا في رقابة وزارة الإعلام منذ عدة أشهر لأسباب غير منطقية !
ـ قال الإمام علي ابن أبي طالب : " الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" .. فبعد ثاني هزة استيقظ السوريون جميعا ماعدا المغفلين منهم، وبات الشعب اليوم في أقصى حالات يقظته، وأرى أن الفرصة سانحة للتغيير والتجديد على الصعيد الرسمي والشعبي، ويلزمنا خطة وطنية استراتيجية يشرف عليها أصحاب الخبرة والعفة والشرف والإخلاص الذين أظهرت الحرب ثم الزلزال معدنهم الثمين.. ونكمل الحديث لاحقا عن الخطة وسوريي مابعد الزلزال..
نبيل صالح
إضافة تعليق جديد