"اسرائيل" تحترق مجدداً !
الحرائق تشتعل في كل مكان من الكيان الاسرائيلي لكن الحريق الجديد هو الذي لم يتوقع قادة تل ابيب ان يشتعل من الداخل الاسرائيلي ويتسبب بتفكك الواقع الاجتماعي والسياسي الذي كان الاحتلال يصوره بانه وحدة متراصة فتبيّن انه بناء هش.
الحريق الجديد الذي اشتعل في الاراضي المحتلة مؤخرا هو الذي اندلع من داخل المناطق اليهودية حيث تشعر هناك فئة كبيرة من اليهود الافارقة بالتمييز الذي يمارس ضدهم.
فقد خرج آلاف اليهود الاثيوبيين والذين يعرفون باسم "الفلاشا" الى الشوارع في كافة المناطق والبلدات اليهودية التي يعيشون فيها للمطالبة بحقوقهم الانسانية التي كفلها القانون الدولي.
الانتفاضة الجديدة التي اطلق عليها ايضا اسم "انتفاضة الفلاشا" اندلعت بعد ان قام شرطي صهيوني باطلاق النار على شاب من اليهود الفلاشا ويدعى سلومون تاكا (18 سنة) وارداه قتيلا من دون أي ذنب ارتكبه، سوى أن بشرته سوداء ومن أصل إثيوبي.
انتفاضة الفلاشاتستلهم من الثورة الفلسطينية
تظاهرات وصفت بانها الاكثر اتساعا حيث قام المتظاهرون باغلاق مفارق مركزية شلت الحياة في معظم البلدات، من الشمال وحتى الجنوب، كما تسببت تلك التظاهرات بتعليق حركة عشرات آلاف الإسرائيليين لساعات طويلة.
المثير ان انتفاضة الفلاشا استلهمت الكثير من الانتفاضات الفلسطينية المتتالية وفي خطوات لم يستخدمها متظاهرون يهود من قبل، أشعل المتظاهرون كميات كبيرة من الإطارات، واعتدوا على رجال الشرطة وسياراتهم، وقذفوا الحجارة على مراكز الشرطة، ورفضوا الرضوخ لكل الوسائل التي استخدمها عناصر الشرطة لتفريقهم، ما أدى إلى اعتقال وإصابة العشرات منهم في مراكز الشرطة.
ويبدو ان كل الوسائل التي استخدمتها القوات الصهيونية لمواجهة انتفاضة الفلاشا باتت فاشلة ومن هنا حذر وزير الامن الداخلي "جلعاد اردان" بتصعيد وسائل تفريق التظاهرات وقال بعد اصابة اكثر من 60 رجل امن "لقد تصرفت الشرطة بضبط النفس وحاولت تجنب المواجهات العنيفة، التي من شأنها أن تؤدي إلى المزيد من سفك الدماء"
وحتى هذا الخيار الذي يهدد الوزير الاسرائيلي باستخدامه هو خيار صعب وينتهي الى نتائج وخيمة تخشى من حدوثها حكومة العدو الصهيوني، فمن غير المؤكد ان قوات الامن الصهيونية لو استخدمت الخيار الاكثر عنفا لمواجهة المتنظاهرين بانها ستنجح في تفريقهم وتهدئتهم.
فالافارقة ينبض في عرقهم الدم الحار الذي سيغلي عندما تواجههم السلطات بالمزيد من القهر والعنف غير المبرر، ولاشك ان القوات الصهيونية ستخسر المزيد من افرادها مع تصاعد موجة المواجهات بين الطريفين.
سقوط نظرية ارض الميعاد
الشعارات التي رفعها المتظاهرون من اليهود الفلاشا تكشف عن حقيقة مأساتهم والازمة التي يعيشونها في ظل حكم عنصري يتحكم بالامور في تل ابيب، ومن بين تلك الشعارات: "نحن بشر" و "أوقفوا القتل، أوقفوا العنصرية"، "لن نقبل بهذه السياسة".
وتضامنا مع هذه الشعارات انضمت جماعات اخرى من اليهود الافارقة الذين ينتمون لعرقيات اخرى غير الفلاشا الى تلك الاحتجاجات وليكثفوا الموقف الرافض للعنصرية المتفشية في واقع الكيان الاحتلالي.
ومن عمق المأساة تبرز اصواتا لتعبر عن الواقع ففي تصريح لشاب إثيوبي شارك في التظاهرات قال "العنف ضد أبناء طائفتنا يتصاعد. ومجتمع "إسرائيل" يخطط لإجازات ونحن لجنازات، أفراد الشرطة يقتلوننا، ويطلقون الرصاص على الرأس ولكن العنصرية موجودة في كل مكان، بالنسبة لكم هذه بلاد السمن والعسل، لكن بالنسبة لنا هذه بلاد الموت.
ونقلت صحيفة "هآرتس" عن إحدى المتظاهرات قولها إنه ""يجب عدم السماح بعودة سريعة إلى الحياة العادية وإلى الإنستغرام وفيسبوك. الناس هنا معزولون عن الواقع، ولا يدركون أن ولدا مات لأنه أسود".
فالصورة الوردية التي رسمتها "الحكومات الاسرائيلية" المتعاقبة عن الوضع المزدهر وحياة الرخاء التي يعيشها اليهود في المدن المحتلة بدأت بالذبول، وبدأت تظهر للعلن صورة مغايرة لما ينشر في الاعلام، وبدأ اليهود يعبرون عن حقيقة شعورهم وعيشتهم الصعبة في الكيان الاسرائيلي.
فاليهود الفلاشا الذين ظنوا من خلال رحلتهم الطويلة والبعيدة من اثيوبيا الى الاراضي المحتلة انهم سيعبرون كل الصحاري للوصول الى ارض الاحلام اكتشفوا ان احلامهم كانت مجرد اضغاث وانها لم تتحول الى واقع ملموس.
على الاقل كانوا في بلادهم يعيشون الكرامة الانسانية ولم يتخذ احد منهم عبيدا ، لكن الوضع مختلف في الكيان الاسرائيلي المحتل لانهم لقوا معاملة سيئة اعادت الى اذهانهم صورة السيد الابيض المالك الذي يامر وينهي؛ وبقية السود كلهم عبيد تحت قدميه.
وكان رئيس حكومة العدو الصهيوني بينيامين نتنياهو دعا قياديين في طائفة الفلاشا إلى اجتماع سريع، لكن هؤلاء رفضوا الدعوة وطالبوا نتنياهو بأن يحضر هو إليهم.
اعتراضات الفلاشا لم تكن الاولى من نوعها
الاعتراضات الحالية لم تكن هي الاولى من جانب اليهود الفلاشا لكنها الاضخم والاكثر اتساعا، وكانت قد شهدت الاراضي المحتلة في اوقات سابقة احتجاجات من قبل هؤلاء اليهود السود على اثر الكشف عن التجارة بأطفال الإثيوبيين وكذلك عن رفض المستشفيات الإسرائيلية الحصول على شرائح دم لأصول إثيوبية.
فقد وصلت سياسة التمييز العنصرية ذروتها في التعامل مع الإثيوبيين مع الكشف عن رمي عشرات وحدات الدم إلى القمامة، تبرع بها إثيوبيون من أجل الحصول على تأمين صحي.
وقد استخدمت الحكومة في وقتها مختلف المبررات والحجج للتخلص من الدم الذي تبرع به اليهود الاثيوبيون وقال المسؤولون في مؤسسة داوود الحمراء، التي أجرت الفحوصات، أن نسبة الذين يحملون فيروس الإيدز من مهاجري إثيوبيا أعلى من بقية المهاجرين، أما نائبة المدير العام لبنك الدم فقالت إن "الأوامر وصلتنا من وزارة الصحة، تخوفاً من الملاريا وجنون البقر، ويوجد دول أخرى تتصرف هكذا".
وفي آخر معطيات نشرتها الشرطة الإسرائيلية قبل أكثر من سنتين، تبين أن نسبة اليهود الإثيوبيين الذين يعانون من العنصرية تجاوز 65 في المئة، وفي الوقت نفسه نشرت وزارة الاستيعاب الإسرائيلية، أن النسبة لا تتجاوز 37 في المئة ما يظهر محاولات التستر على حقيقة العنصرية من قبل المؤسسة الرسمية في "إسرائيل".
التقارير الاسرائيلية هي الاخرى تتحدث عن اهمال كبير من قبل المؤسسات الرسمية في دمج الإثيوبيين في مؤسسات الدولة، خصوصاً الجيش ومؤسسات التعليم، وعدم المساعدة في حل مشاكلهم
وجاء في أحد التقارير "على الرغم من أن أبناء الطائفة الإثيوبية يتجندون للجيش أكثر من المتوسط العام (86 في المئة مقابل 75 في المئة) فإنهم يتعرضون للاعتقال الانضباطي أكثر من المتوسط (53 في المئة مقابل 25 في المئة)، وعلى الرغم من أنهم يلتحقون بالجامعات أكثر من غيرهم إلا أن نسبة الخريجين منهم أقل من المتوسط (41.1 في المئة مقابل 54.4 في المئة)،
وتقول تلك التقارير ان الافارقة يتركون مقاعد الدراسة بسبب عدم إيجاد برامج مشجعة، وشعور الطلبة من أصل إثيوبي بالدونية أمام أقرانهم من أصول أخرى، عدا عن شعورهم باحتمالية عدم تشغيلهم بسبب لون بشرتهم ولأسباب اقتصادية واجتماعية أخرى.
* سيد طاهر قزويني - العالم
إضافة تعليق جديد