قراءة في مـشهد الدراما السورية حتى محنة «باب الحارة»
بعيدا عن المقدمات وعبارات النقد الغوغائي الذي بات مشكلة من نوع جديد تنهمر على الدراما بشكل مكثف غير بناء لأنه يحمل التجريح لا السعي النظيف غلى التصويب لتعود درامانا الى مسارها الجليل.
المشكلة في درامانا أنها قبيل أن تتسارع الى الحاضنة الدرامية لبعض الشركات الخاصة، و ثقافتنا تعبر من منافذ هذه الدراما السورية، كما هو مؤكد ومعلوم، التي ارتبطت تمويلياً ببعض دول الجوار وجاءنا وحش الدبلجة للعديد من مسلسلات الغباء والترويج لأفكار خرقاء لا تشبهنا ولا تسهم في تطوير عقولنا ولو قليلاً.
لكنهم في زحمة المحاكاة وسقوط أقلام الأدباء وابتعاد حروف المثقفين عن الساحة الدرامية أضاعوا مناهج درامانا وأفقدوها بريقها الأخاذ حين جال الكاتب (حنا مينه) بقارب أفكاره الفضية بين الأمواج العاتية والصخور القاسية ليرسم «نهاية رجل شجاع» مع مخرج الروائع نجدة أنزور.. ويوم اتفق أقطاب من عطاء على «منح قصص» سبقت الزمان في أمتلاك فكر تنويري لتهدينا أعمال دريد لحام فكان ورفاق نجوميته أبطال «صح النوم» و«حمام الهنا» مراكز إشعاع لدراما تفوق كل الدراما العربية، ومازال لها حضور ومقولة وتأثيرات خفيفة نافعة حتى اليوم، من هنا سارت الدراما على طريق الإبداع حتى كانت ولادة مسلسلات مثل «أيام شامية وليالي الصالحية» مخترقة كل ابتعاد عن توصيف حكايا دمشق الخالدة لتنقلها الى دراما ذهبية الحضور كان لها تأثير ومفعول.. فشوارب محمود الفوال لخصت مواقف الرجال وغطت تلك المعجزتان شاشات العالم العربي وهي تنتقل في حكاياها من فكرة جميلة الى أجمل وتتهادى في مقولاتها على أثير هواء مفعم بعطور أهل الشام.وهنا بدأت شركات الإنتاج تسعى من أجل تكرار النمطية نفسها واستخدام قالب الأعمال البيئية للشهرة والربح والغنيمة لا أكثر ولكن بتمويلات خليجية واشتراطات مرفوضة لا تقبلها دمشق، وبزغ الجزء الأول من «باب الحارة» يحمل فيضاً من فانتازيا دمشقية ووجوها جميلة وحكايا مسلية معقولة وأليفة.. وتتضخم داخل المنتج والمنتج المنفذ حمى الغرور وألف ألف غاية لها مقولة تجول في صدورهم ونحن عن ذلك غافلون. وأصبح رمضان موسماً لتلك السلسلة الفخمة التي خرجت حتى عن ناموس الفانتازيا والحكايا النبيلة وراحت إلى تقسيم دمشقنا إلى حارات (أبي النار وحارة الضبع) وتألقت الداية التي تلف وتدور مثل صحون الدش لتنقل الأخبار بين نساء دمشقيات تم توظيفهن فقط للثرثرة والزعيق وشد الشعر وتبادل أكثر المسبات فظاظة وبعداً عن تهذيب اشتهرت به نساء دمشق، وهو عدم ارتفاع صوتهن ولاسيما أنه كان هناك طقس اجتماعي أنيق معروف بالاستقبال حيث تجتمع فيه سيدات الحارة الواحدة فيرتدين الثياب الفاخرة وتجود فنون العزف على العود وتتجلى حكاية الكرم في الضيافة كأبهى ما يكون في تلك الاستقبالات، وكل ضيفة فيه تمثل زوجها المحترم وليس متسولاً على الرصيف فكيف راحت الصورة والمشهد الدرامي إلى منعطف خطير !! ويكبر داخلي سؤال مرعب وهو ألا يقف خلف ذلك كاتب غريب عن دمشق وعظمة أهلها، أو أنه ضحل الثقافة أو مطيع إلى حدِّ الذهول لتنفيذ تعليمات المنتج وما يريد؟!
الحقيقة هنا لا يختلف عليها اثنان.. محاولة إسقاط دمشق عاصمة سورية اسقاطاً متعمداً من خلال دراما سوداء وإغراقها في التشويه لغايات في نفس يعقوب حتى وصلنا إلى استجرار كوميديا تهريجية للتمويه والتغطية عن بقايا شاحبة من دراما بيئية باتت متخبطة فاستجمعت زلاتها في وصلة «النمس» المتابعة على مدار عدة حلقات وهي «وينك وينك ياناموسة..» والصواب والأمانة يقتضيان القول إنَّ إحضار عباس النوري ليؤدي دور الحلاق والعطار والشهم والأخلاقي والقبضاي جاء ليرمم الخلل الفج في «باب حارة» تم فتحه منذ عشر سنوات ولم يغلق بعد.. وحين أدركوا تعلق الناس به حاولوا زعزعة شخصيته وأخذها إلى الوهن من خلال ابنه عصام وحماته فريال (وفاء موصللي ) والتي كانت توغر صدر ابنتها ليليا الأطرش لتخالف مسيرة عائلة الزوج ومن ثم كانت مفاجأة فجة أحضرت عمدا لاستعادة بعض الاعتبار لمسلسل سقط في الإسهاب والنمطية وتغييب تاريخ مدينة من كبريات المدائن وكان ذلك من خلال طلاقه أم عصام رفيقة الدرب والكفاح ونومه في الدكان ثم وتخلصاً قسرياً من كل ترهل وخوفاً من النقاد أرسلوه ليموت ولا يعود لكنه عاد تحت إصرار الجمهور…أما بث ظاهرة العنتريات فكان كبيراً وتجلى في شخصيات كثيرة ومعلومة، المهم أن الحكاية لم تنته هنا بل في استمرار التهافت على المحاكاة والتقليد ومسارعة بعض الشركات الممولة من الخارج الى أعمال بيئية فيها تشويه واضح وكان بعدها خاتون بأجزائه وعطر الشام بأجزائه العديدة وصولاً إلى مسلسلات من طبعات جديدة مثل سلاسل ذهب ستتصدر شاشاتنا هذا العام ونحن مازلنا غارقين في تداعيات حرب تنفصم لها الشغاف عن القلوب، والأقلام يجب أن تكون حاضرة لا للكتابة عن عنف الحرب من دون تحديد الأسباب أو التلميح إلى مخطط استعماري سوداوي عنيد، لا بل عن جوانب من تداعيات الحرب التي ما خاضت في العمق وبقيت عائمة على أكتاف نساء سقطن ولا نجاة لهن.. والحكايا هنا كثيرة يجب تمثلها وتمثيلها بدراية وخبرة أهل الفكر والسياسة والتاريخ
نحن الى هنا، تحدثنا عن أعمال بيئية شوهت تاريخ مدينة لها وجودها الحضاري منذ آلاف السنين ولم نذهب إلى صرخات ذبحتنا من أقلام هشة سخرت للكتابة عن أخلاق نسائنا السوريات وبيوت دعارة زرعت علانية وسط الحارات تمهيداً لما سيحدث بعد حرب تجاوزت سبع سنوات، لو كانت على دولة من كبريات الدول لسقطت وانتهى أمرها وغابت في ثنايا الزوال.
د.عفاف الشب
إضافة تعليق جديد