الجيش يتقدم لكسر حصار شرق دير الزور، و«التحالف الأميركي» يعجّل معركته في الريف الشمالي
ساعات قليلة فصلت بين وصول الجيش إلى القسم الغربي من دير الزور، وانطلاق معاركه لكسر حصار القسم الشرقي من المدينة ومطارها العسكري. التحرك المستعجل بدت نتائجه الإيجابية أمس على أكثر من محور. وتشي طبيعة العمليات بأن ساعة الوصول إلى تلك الأحياء ليست ببعيدة. في الأثناء، تسارعت وتيرة التحضيرات لعملية يطلقها «التحالف الدولي» من الحسكة نحو دير الزور، اعتماداً على ذراعه البريّة «قسد»
لا مكان لـ«التقاط الأنفاس» في معارك دير الزور. الوتيرة المتسارعة في عمليّات الجيش وحلفائه لإنهاء وجود تنظيم «داعش» في أحياء مدينة دير الزور ومحيطها المحسوب على «غرب الفرات» تزامنت مع بدء تحضيرات «جديّة» لفتح القوى المدعومة أميركيّاً جبهات الريف الشمالي. وعلى الرغم ممّا قد يعنيه فتح هذا المسار من عرقلة محتملة لتحرّك الجيش السوري نحو شرق الفرات، غير أنّ مصادر ميدانيّة سوريّة جدّدت تأكيدها أنّ «شيئاً لن يوقف الجيش عن مواصلة عملياته لتحرير كامل محافظة دير الزور من الإرهاب، وصولاً إلى الحدود العراقيّة».
وفي خضم انهماك الجيش وحلفائه في عمليات فك حصار القسم الشرقي المحاصر من أحياء دير الزور ومطارها العسكري التي أطلقت من دون انتظار، حرص «التحالف الدولي» على الإشارة إلى أنه يعدّ لتحرك عسكري باتجاه ريف دير الزور الشمالي. وأكد المتحدث باسم قوات «التحالف» ريان ديلون، خلال ردّه على عدد من الأسئلة عبر «تويتر»، أن «شركاءنا المجربين في المعارك «قوات سوريا الديموقراطية» مع قوات العشائر من (أبناء) محافظة دير الزور، يتحضرون لاستعادة السيطرة على قراهم وبلداتهم هناك من يد «داعش»». كلام المتحدث جاء فيما كانت الاجتماعات العسكريّة مستمرّة لوضع اللمسات الأخيرة على خطّة الهجوم البرّي «المعارض» نحو مناطق سيطرة «داعش» في ريف دير الزور الشمالي. وعلمنا أنّ الساعة الصفر لم تُحسم بعد، لكنّها ستدق على الأرجح مطلع الأسبوع القادم (الاثنين أو الثلاثاء).
ووفقاً للمعلومات، فإن العمل العسكري سينطلق من مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» في الحسكة، متّخذاً شكل قوس على محورين: الريف الشمالي الغربي، والريف الشمالي الشرقي. مصادر مواكبة للتحضيرات أكّدت لـ«الأخبار» أنّ العملية ستنطلق «تحت راية «مجلس دير الزور العسكري»، وسيكون الاعتماد على قوّات العشائر المنضوية في «قسد» بالدرجة الأولى». وكشفت المصادر عن نيّات لـ«تهميش دور وحدات حماية الشعب الكرديّة إعلاميّاً، وعدم التطرّق إليه، رغم أنّ المهمات الدقيقة التي تتطلب خبرة عسكريّة ستكون من نصيب الوحدات». وشدّدت المصادر على أنّ «خطة الهجوم تلحظ ضرورة عدم حدوث أي احتكاك مع الجيش السوري إذا ما تقاربت مسارح عمليات الطرفين مستقبلاً»، وينسجم هذا الكلام مع حديث الناطق باسم «التحالف» في شأن احتمال وقوع تصادم مع قوات الجيش السوري ضمن هذه العمليات، حيث شدد على أن ««التحالف» سوف يكمل العمل على «منع التصادم» مع الجانب الروسي، وذلك لحماية قواتنا في الجو وعلى الأرض، والتركيز على هزيمة «داعش»». وأكد مصدر كرديّ سوري أنّ «تسارع العمليات العسكرية في الشرق يأتي خدمةً للعملية السياسية التي تتطلب الإسراع في معركة طرد «داعش» من سوريا. المصدر أشار إلى أنّ «العمل من محور جنوب الحسكة شمال دير الزور يأتي بهدف إغلاق الحدود السورية ــ العراقية ومنع دخول وانتقال عناصر داعش من العراق إلى سوريا». وفي الوقت ذاته، استبعد المصدر الكردي انطلاق معارك من هذا النوع «من دون تنسيق بين موسكو وواشنطن»، مستنداً في كلامه إلى «التداخل الكبير بين عمليات الجيش السوري و»قسد» في كامل المنطقة الشرقيّة، علاوة على التداخل الجغرافي بين الرقة ودير الزور وصولاً إلى الموصل، ما يجعل مستحيلاً غياب التنسيق بين القوى الموجودة على الأرض في طرفي الحدود، وطبعاً بمظلة روسية أميركية».
ميدانيّاً، وبعد استكمال فتح الطريق نحو «الفوج 137» وتثبيت النقاط على أطرافه الغربية والشرقية، عمد الجيش السوري إلى التحرك بشكل منسّق على محورين رئيسين، انطلاقاً من محيط بلدة الشولا نحو المالحة وأطراف حقلي الشولا والتيم، ومن منطقة المقابر باتجاه محيط المطار الغربي. العمليات على المحور الأول بدأت بعد تثبيت الجيش نقاطه داخل الشولا، التي سيطر عليها أمس بعد انسحابه منها قبل أيام تحت ضغط هجمات «داعش». ومكّنت السيطرة على البلدة من الوصول إلى مشارف حقلها النفطي في الجهة الشرقية، ومنطقة المالحة ومدخل حقل التيم في الجهة الشمالية الشرقية على امتداد الطريق الرئيس نحو البانوراما. ويحرص الجيش على التقدم بثبات وبطء في الوقت نفسه على محور طريق الشولا ــ دير الزور، لتفادي وقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوفه، نظراً إلى طبيعة تحصينات «داعش» المقامة هناك، وكثافة الألغام التي تعيق التقدم السريع.
وفي سلوك مكرر في مناطق أخرى من سوريا، نقلت مصادر متابعة للمعارك أن «داعش» قام بإشعال النيران في حقل الشولا النفطي، تحسّباً لتقدم محتمل للجيش يفضي إلى السيطرة عليه. وعلى المحور الآخر، يبدو فك الحصار عن حيّي هرابش والطحطوح والمطار أقرب إلى التحقيق. فالمسافة الفاصلة بين القوات في غربي منطقة المقابر وتلك المتمركزة غربي المطار، لا تزيد على كيلومترين. غير أن التقدم في المنطقة الفاصة بينهما أكثر صعوبة من باقي محاور القتال، نظراً إلى طبيعة المنطقة الجغرافية وكثافة الأنفاق والخنادق التي أنشأها التنظيم، إلى جانب الألغام المزروعة. ورغم صعوبة المعارك، تمكن الجيش أمس من السيطرة على نقطتي جليل وميلاد، وتلة علوش المشرفة على القسم الأكبر من منطقة المقابر جنوب المدينة. وهو ما سوف يتيح مجالاً أوسع لاستهداف تحركات «داعش» في تلك المنطقة، وعلى الطريق الذي يربطها بأطراف الثردة والبانوراما جنوباً. وفي موازاة عمليات فكّ الحصار عن القسم الشرقي، لم تهدأ جبهة مدخل الدير الشمالي الغربي بدورها، مع تكثيف الجيش لعملياته باتجاه بلدتي البغيلية وعيّاش ومحيطهما، انطلاقاً من أطراف «اللواء 137» وأطراف الأحياء الغربية. وشارك سلاحا الجو السوري والروسي بكثافة في تغطية معارك أمس على كافة المحاور. وخلال تلك الاستهدافات، تمكنت القوات الجوية الروسية من تدمير مراكز مهمة لتنظيم «داعش» وقتل عدد من كبار قادته، وفق بيان لوزارة الدفاع. وأوضح البيان أنه «نتيجة لغارة جوية دقيقة قامت بها الطائرات الحربية الروسية بالقرب من مدينة دير الزور، تم تدمير مركز قيادة ومركز اتصالات، وقتل نحو 40 مسلحاً من التنظيم الإرهابي»، مضيفاً أنه «تأكد مقتل أربعة قادة ميدانيين مهمين، بينهم «أمير دير الزور» أبو محمد الشمالي، الذي كان مسؤولاً عن الشؤون المالية والمجندين ومعسكرات التدريب مع التنظيم، إلى جانب «وزير حرب» التنظيم جولمورود حليموف، الذي توفي متأثراً بجراحه القاتلة». ولفتت الوزارة إلى أن «حليموف كان قائداً سابقاً للقوات الخاصة في وزارة الداخلية الطاجيكية، وانضم في أيار 2015 إلى تنظيم «داعش»، ليعمل بعد مقتل عمر الشيشاني بصفة «وزير الحرب» مكانه».
على وقع تسارع معارك تصفية «داعش» في سوريا، يبدو أن موسكو تسعى إلى تهيئة مناخ ينتج محادثات «مفيدة» بين دمشق وكيانين كرديين بارزين هما «حركة المجتمع الديمقراطي» و«المجلس الوطني الكردي». وفي سبيل ذلك، كثّفت موسكو مساعيها لتكريس «توافق» بين الكتلتين الكرديتين اللتين تقفان (حتى الآن) على طرفي نقيض؛ فـ«الحركة» هي مظلة تضم عدة أحزاب كردية أبرزها pyd، أما «المجلس» فمدعوم من أنقرة، وهو جزء من «الائتلاف». المساعي دخلت حيّز الخطوات العملية بعد أن مهّدت لها موسكو (على الأرجح) مع اللاعب التركي.
ووفقاً للسياسي الكردي ريزان حدو، فإنّ لقاء نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، مع وفد من «المجلس الوطني الكردي في سوريا» أمس يأتي في هذا الإطار، واستكمالًا للمساعي الروسية. ويؤكد حدو أن «الطرح الروسي يبدو ممكن التحقيق في ظل المتغيرات التي طاولت المشهد السوري بأكمله». وتبدو موسكو حريصة على تشكيل وفد كردي واحد يمثل الطرفين الكرديين في سوريا، مع ما يعنيه هذا من تأثير «سلبي» على «الائتلاف المعارض» الذي سيخسر الورقة الكرديّة في حال مشاركة «المجلس الوطني الكردي» في وفد كردي مستقل يضمّه و«حركة المجتمع الديمقراطي».
صهيب عنجريني - الأخبار
إضافة تعليق جديد