الإلحاد نتج من القمع الديني والمطلوب تحالف حضارات
حسين نصر الله : اذا كانت الثغرة التي نفذ منها الالحاد قد نجمت عن مقاومة الدين اكثر من ضعفه, فما هي الثغرة التي نفذ منها التطرف الديني.
لقد سبق ان وجد الالحاد بشكل واسع في العالم القديم الاغريقي الروماني, ولم يتوقف مذ ذاك مطلقاً عن مرافقة الفكر الاوروبي كأساس للبناء.
العلاّمة الفرنسي الكبير جورج مينوا يحب النصوص اكثر من التعليلات الافتراضية. ولذلك يضع الكثير من الثقة في الاستشهادات التي يستخدمها لتأكيد وجهة نظره. لكن السؤال: عندما دان الاكليروس تقدم الالحاد في القرن الخامس عشر والسابع عشر, هل نجم الامر عن ملاحظة الواقع أم عن هواجس الرقابة الاكليروسية؟
لقد بيَّن البحاثة جيداً دخول الالحاد الى النقاش العلني العام عند انعطافة القرن الثامن عشر, بعد ان كان هذا الفكر مموهاً الى ذلك الحين. لكن فيروس الالحاد الدائم الانتشار مند أمد طويل, انتهى به الامر الى انتزاع الحواجز المناعية التي كان يضعها الوعي الديني. والحال ان الثغرة التي نفذ منها الالحاد في القرن الثامن عشر نتجت من تعزيز القمع الديني اكثر بكثير من ضعفه, لنرى فيما بعد انتصار العلمانية المناضلة وانكفاء السياسية الدينية الى داخل الكنائس.
لكن كيف نفهم اليوم على نحو افضل مفارقة هذا الاضطراب الديني الذي انتج التطرف في العديد من البلدان الاسلامية والعربية. ربما نحتاج الى المغامرة في خبايا الضمائر كي نحلل صدى العنف الناتج من هذا التطرف. ففي حين انه بامكاننا الوقوف بوضوح على اسباب التآكل التدريجي للارضية الدينية في اوروبا, نرى ان اجتياح التيارات الدينية للمجتمعات العربية والاسلامية, عصي على التدقيق والملاحظة. إذ لا يكفي ان نرد اسباب انتشار التيارات الاصولية الى الاقتصاد او السياسة او الاستعمار فقط. إذ توجد اسباب كامنة في البنية الذهنية والاجتماعية لهذه الشعوب تحتاج الى التدقيق والملاحظة.
ويدعم هذا الرأي الخلاصة التي توصل اليها «تحالف الحضارات», وهذه الاخيرة مبادرة اطلقها رئيس وزراء اسبانيا ثاباتيرو في ايلول €سبتمبر€ 2004 في الامم المتحدة وتبناها الامين العام للأمم المتحدة كوفي انان, وتهدف الى تقريب المؤسسات والمجتمعات المدنية لتخطي الاحكام المسبقة وسوء التفاهم بين الشعوب من مختلف الحضارات والاديان. واخذت مجموعة العمل المكلفة بهذا المشروع في التوسع لتشمل 20 شخصية مشهورة من مختلف دول العالم ومن مختلف الديانات مثل الرئيس الايراني الاسبق محمد خاتمي, وقدمت مجموعة العمل تقريرها الاول وجاء فيه بأن مشكلات العالم ليست نتيجة «صراع ثقافات», ولا تكمن جذورها في الدين, وانما ترجع لاسباب اقتصادية وسياسية بالدرجة الاولى. وهناك أمثلة كثيرة على التعايش بين الاديان والثقافات سواء في الماضي او الآن. من دون ان ننسى ان هناك استخداماً سيئاً للأديان, وهذا ايضاً ليس بجديد إذ حاول مثلاً القيصر الروماني قسطنطين ان يوحّد مملكته باستخدام العامل الديني.
في هذا السياق المطلوب احترام معتقدات الآخرين وان لا نسمح لأنفسنا بتحقير الاديان الاخرى او السخرية منها. هذا السلوك يعتبر اساسياً لحل مشكلات العالم الاخرى, وهذه المشكلات لا تتمثل بأي حال من الاحوال فقط في النزاع بين الغرب والعالم الاسلامي, الموضوع لا يتعلق فقط بالغرب والعالم العربي, إذ هناك الكثير من الناس غير المسلمين في مختلف انحاء العالم يشعرون ايضاً بأنهم مهمشون. أهل الجنوب يشاركون المسلمين مشاعرهم بالاذلال والاحساس بالعجز, وعلينا عرباً ومسلمين التوجه اليهم والتحالف معهم, حينها يصبح بالامكان الحديث عن صراع انساني ضد سياسة الهيمنة التي تحاول ان تجعل من الدول النامية بغض النظر عن هويتها وديانتها مجرد تابع ممنوع عليه النهوض.
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد