حمم القصير.. تبلغ طرابلس: قتيل و20 جريحاً
لم يكد يُختتم ماراتون «الركض نحو السلام» في طرابلس، أمس، حتى انطلق ماراتون العبث بأمن المدينة وسلامة أهلها وضرب استقرارها مجدداً من جبهته الساخنة في التبانة والقبة وجبل محسن، حاصداً معه عدداً من القتلى والجرحى والدمار.
انقسم يوم طرابلس بين نصفين، أوله، فرح جاهدت من خلاله المدينة في إظهار صورتها الحضارية، وآخره، رعب مما قد تحمله المغامرات الأمنية من ويلات إليها.
وإذا كانت هذه الجبهة التقليدية قد تحرّكت هذه المرة على وقع قرار الجيش السوري باقتحام مدينة القصير والحديث عن مقتل عدد من الطرابلسيين في هذه المعركة المفصلية، فإنها جاءت كنتيجة طبيعية لحالة الفلتان الأمني المستمر في المدينة خلال الأسابيع الماضية، من دون أن تتمكن القوى الأمنية من وضع حد لها.
وثمة سؤال كبير يطرح نفسه في طرابلس: إذا كانت القوى الأمنية لم تستطع إخماد جبهات داخلية اشتعلت مؤخراً بين أبناء النسيج الطرابلسي الواحد بسبب خلافات فردية وعائلية، كيف ستتصرّف مع جبهة فتحت بعنوان سياسي ـ مذهبي من العيار الثقيل؟
وإذا كانت جبهة التبانة ـ جبل محسن قد اندلعت في الشكل على خلفية ما يجري في القصير، فإنها في المضمون جاءت لتضرب خطة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزراء المدينة ونوابها والذين كانوا اتفقوا على تنفيذها قبل 24 ساعة، وتتضمن تعهداً بزيادة عديد القوى الأمنية في طرابلس، وووقف مفعول رخص حمل السلاح وحماية المواكب المنتشرة بكثرة في أيدي المواطنين، وإزالة المخالفات، وهي قرارات كان يجب أن تؤدي الى تعامل مختلف مع ملف أمن المدينة.
ومن بين الأسئلة التي طرحت أمس: هل ثمة خطة استباقية من المجموعات المسلحة لنسف الخطة السياسية ـ الأمنية التي كان من المفترض تنفيذها في طرابلس اعتباراً من اليوم؟ أم أن الاحتقان الذي بلغ مداه سياسياً وأمنياً بات يحتاج الى تنفيسة على المحاور المعتادة؟ أم أن تزايد الإشكالات المسلحة بين الأشقاء بات يحتاج الى فتح الجبهة التي من شأنها أن توحد الجميع؟..
ثم بعد ذلك، ماذا تستطيع طرابلس أن تفعل في المعادلة السورية؟ وهل يمكن حماية القصير من بوابة جبل محسن؟ ومن المستفيد اليوم من الربط بين طرابلس وبين القصير؟ وهل تحتمل المدينة هذا الاستيراد المباشر للأزمة السورية الى شوارعها؟ وهل يمكن حماية من لبّى الدعوة الى الجهاد بإشعال خطوط التماس التقليدية؟ وكيف سيكون الرد السياسي على هذا التطور الأمني البارز؟ وكيف ستتعاطى القوى العسكرية والأمنية معه؟ وكيف يمكن تنفيذ قرار وقف رخص حمل السلاح والقذائف الصاروخية يتردّد صداها في كل أرجاء المدينة؟
هذا الواقع، يظهر بوضوح أن الثغرات الأمنية في العاصمة الثانية باتت لا تعد ولا تحصى، وكلما بذلت الجهود لإغلاق إحداها فتحت أخرى، ما بات يحتاج الى اعتماد آخر الدواء، لكيّ هذا الجرح، ووضع حد للفلتان الأمني غير المسبوق.
معطيات ميدانية
وكانت الاشتباكات اندلعت عند الرابعة من بعد ظهر امس، من دون أي إشارات إنذار مسبقة، حيث تطورت خلافات حصلت بين عدد من الشبان بين «فوق» (جبل محسن) و«تحت» (التبانة) الى رشق بالحجارة والزجاجات الفارغة، ليخرج السلاح سريعاً، وتشتعل أكثرية المحاور دفعة واحدة لاسيما في طلعة العمري، ستاركو، الشعراني، الحارة البرانية، البقار والريفا.
وسرعان ما تدخل الجيش اللبناني وعمل على تسيير دوريات مؤللة واستقدم تعزيزات إضافية ورد على مصادر النيران بكثافة، في محاولة منه لإسكاتها وإعادة الوضع الى طبيعته، لكن توسع رقعة الاشتباكات حالت دون ذلك حيث استخدمت الأسلحة الرشاشة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية والقذائف الصاروخية، وقد أدى ذلك الى حركة نزوح للمواطنين من بعض المناطق الساخنة.
كذلك، دفع الوضع المستجد الجيش للدخول الى بعض المحاور لفرض الهدوء، لكن محور سوق الخضار ـ طلعة العمري بقي مشتعلاً حتى ساعة متأخرة من الليل، فيما شهدت المحاور الأخرى اشتباكات متقطعة.
وأسفرت الاشتباكات عن مقتل شخص من جبل محسن يدعى محمد يوسف، وإصابة 20 شخصاً هم: طارق قاسم، سمير غية، خديجة خالد، فضل الله المصري، بسام الكعكة، عبد الوهاب بقار، علي عواد، عماد فياض، دنيا محفوض، ليليان مصطفى، طالب حبابة، علي مصطفى، خديجة محمد، ياسمين طرطوسي، ريما الحسين، آلاء مرعي، محمود العلي، طه حسين، جمعة ياسين (سوري) والملازم أول في الجيش اللبناني حسين عواضة، وعسكريين آخرين.
الجيش: إصابة عسكريين
وليلاً، أصدرت قيادة الجيش ـ مديرية التوجيه بياناً، أكدت فيه «حصول تبادل إطلاق نار بالأسلحة الحربية الخفيفة والمتوسطة بين مسلحين في منطقة جبل محسن ــ باب التبانة، وعلى أثر ذلك تدخلت قوى الجيش المنتشرة في المنطقة واتخذت التدابير الأمنية اللازمة بما في ذلك الردّ على مصادر النيران بدقة وتسيير دوريات مؤللة وراجلة وإقامة حواجز في الأحياء المتوترة».
وأشارت إلى أن «عدداً من المراكز العسكرية تعرّضت لإطلاق نار ما أدى إلى إصابة عسكريين بجروح أحدهما ضابط، بالإضافة إلى حصول بعض الأضرار المادية»، مشددةً على أن «وحدات الجيش تستمرّ بتكثيف إجراءاتها وتعزيز انتشارها لإعادة الوضع إلى طبيعته».
غسان ريفي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد