مرسي والسمكات الثلاث
..كانت هناك ثلاث سمكات تعيش في بركة ماء متصلة بالنهر، وذات يوم استمعت السمكات الثلاث الى صياد يتحدث الى زميل له مؤكداً أنه سيأتي في اليوم التالي بشبكته ليصطاد السمك من البركة.. تشاورت السمكات في الأمر فلم تجتمع على رأي واحد. احدى السمكات، عقدت العزم، فسبحت وخرجت الى النهر ونجت بنفسها، أما السمكتان الأخريان فقد ظلتا في حالة من التردد وانتابتهما حيرة بالغة، وفي اليوم التالي حضر الصياد حاملا شبكته، وما أن رأته السمكة الثانية، حتى قفزت الى النهر ونجت بأعجوبة، أما السمكة الثالثة فقد ظلت على ترددها حتى ألقى الصياد بشبكته واصطادها فهلكت.
هذه الحكاية وردت في كتاب كليلة ودمنة، وهي تحمل درساً مهماً في السلوك الإنساني.. فالسمكة الأولى ما أن عرفت بنية الصياد حتى قررت أن تنجو بنفسها ولم تنتظر لحظة واحدة، وهي هنا نموذج للإنسان الحازم الذي يتخذ قراره وينفذه بسرعة. والسمكة الثانية ترمز الى إنسان متردد بطيء الاستجابة للخطر، لكنه في اللحظة الاخيرة يتخذ القرار الصحيح، أما السمكة الثالثة فهي إشارة الى الإنسان المتردد العاجز عن فهم الواقع الذي تحجب عنه أوهامه أو أمانيه الحقيقة، وبالتالي يخسر كل شيء في النهاية.
ما علاقة هذه الحكاية بما يحدث في مصر؟ من المفيد هنا أن نتذكر بضع حقائق:
1 ـ كان محمد مرسي أول رئيس منتخب مدني في تاريخ مصر، وكانت لديه فرصة تاريخية ذهبية ليجمع المصريين حوله ويحقق أهداف الثورة التي استشهد وأصيب من أجلها آلاف المصريين... لقد عجز «الإخوان المسلمون» وحدهم عن إنجاح مرسي في الدورة الأولى من الانتخابات والفضل في نجاحه يعود الى ملايين المصريين الذين صوتوا له في جولة الإعادة، مع أنه لم يكن مرشحهم في الدورة الأولى.. وسواء انتخب هؤلاء مرسي وهم يحسنون الظن بـ«الإخوان» أو انتخبوه مضطرين ليمنعوا عودة النظام القديم ممثلا في رجل مبارك (أحمد شفيق) فإن «الإخوان» يكذبون ـ كعادتهم ـ عندما يقولون إن خصوم مرسي يكرهون مشروعه الإسلامي، لأن مرسي ليس لديه أي مشروع إسلامي أو غير إسلامي. مشروعه الوحيد تمكين «الإخوان» من السيطرة على الدولة، بالاضافة الى أن مرسي نجح في جولة الاعادة بأصوات ملايين الناخبين الذين لا ينتمون الى الاسلام السياسي، لكنهم سرعان ما تحولوا الى معارضته عندما تبين لهم انه ليس رئيساً حقيقياً مستقل الارادة، وإنما مجرد أداة لتنفيذ قرارات مكتب الارشاد، واتضح أن هناك مخططاً محدداً ينفذه مرسي من أجل تفكيك الدولة المصرية وإعادة تركيبها بحيث تخضع لسيطرة «الاخوان» تماماً. هنا لا يجوز أن نخلط بين الحكومة والدولة... أية سلطة منتخبة من حقها أن تبسط سيطرتها على الحكومة ولكن ليس من حقها إخضاع الدولة لنفوذها. الرئيس المنتخب اذا كان اشتراكياً مثلا من حقه تعيين مستشارين ووزراء اشتراكيين حتى يساعدوه في تنفيذ برنامجه السياسي، لكن ليس من حقه السيطرة على القضاء والشرطة والنيابة العامة. جهاز الدولة في النظام الديموقراطي يجب ان يبقى بعيداً عن سيطرة أي تيار سياسي، لأنه يعمل كسلطة محورية مستقلة تكون دائماً بمثابة الحكم القانوني بين التيارات السياسية المختلفة.
2 ـ في سبيل تمكين «الإخوان» من السيطرة على الدولة أصدر مرسي إعلانه الدستوري الذي عطل القانون وانتهك الدستور ووضع إرادته فوق القضاء، ثم أتبع ذلك بعدة قرارت باطلة، فعين «نائب عام» متعاوناً معه بالمخالفة للقانون، وحصن اللجنة الدستورية الباطلة، أما مجلس الشورى الباطل بحكم القانون الذي انتخبه 7 في المئة فقط من المصريين باعتباره مجلساً شكلياً بلا وظيفة محددة، فقد حصنه مرسي ضد أحكام القضاء وأحاله الى مجلس تشريعي تابع لـ«الإخوان» ليخرج القوانين التي يحتاجون اليها من أجل التمكين. منذ الاعلان الدستوري فقد مرسي شرعيته كرئيس، ولو أن أي رئيس منتخب في فرنسا أو أميركا أو أي دولة ديموقراطية أصدر إعلاناً دستورياً يضع إرادته فوق كل القوانين، فإن الشعب سيسحب ثقته منه فوراً لأنه تحول من رئيس منتخب الى حاكم مستبد فاشي. لقد كان الاعلان الدستوري بمثابة إنهاء للتعاقد الشرعي بين مرسي والمصريين، أما بعد سقوط مئة شهيد برصاص الشرطة، فإن المطلوب الآن ليس فقط إقالة مرسي وإنما محاكمته ووزير داخليته بتهمة تسهيل قتل المتظاهرين. وهي نفس التهمة التي حوكم بها مبارك ووزير داخليته.
3 ـ استمر «الإخوان» في تنفيذ مخططهم واحتفظوا بالنائب العام غير الشرعي في منصبه واستطاعوا التحالف مع قيادات الشرطة القديمة فعادت الى ممارسة جرائمها: قتل مئة مواطن مصري، وتم اعتقال مئات المصريين وتعذيبهم بطريقة أبشع من أيام مبارك، ولأول مرة تخرج تقارير عن اغتصاب المعتقلين الرجال بواسطة الشرطة..كل هذه الجرائم تمت برعاية رئيس يزعم أنه إسلامي. أتم «الإخوان» سيطرتهم على النيابة العامة والشرطة حتى يكونا من الأدوات الأساسية في دعم الاستبداد، ثم بدأ «الإخوان» حرباً شعواء ضد حرية التعبير، فانهمرت البلاغات ضد الاعلاميين المعارضين وحاصر أتباع «الإخوان» مدينة الانتاج الاعلامي مرتين. كان الغرض ارهاب الاعلام الذي يكشف جرائم «الاخوان». بعد ذلك انتقل «الاخوان» الى تلفيق القضايا واعتقال شباب الثورة مثل حسن مصطفى في الاسكندرية وأحمد دومة وشباب «6 ابريل» وغيرهم. هنا يعمل النائب العام بتعاون كامل مع الشرطة للتنكيل بمعارضي «الاخوان». «الاخوان» يسعون الى كسر ارادة شباب الثورة لأنهم يعرفون أنهم مخلصون وأصحاب مبادئ لا يمكن شراؤهم بمناصب او مقاعد في البرلمان كما يحدث مع معارضين آخرين. هؤلاء الشبان الشجعان النبلاء هم أصحاب الثورة الحقيقيون الذين عارضوا مبارك في عز جبروته وثاروا ضده وخلعوه، بينما كان مرشد الاخوان يعتبر مبارك والد المصريين ورمز الوطن ويبايعه ويتمنى لقاءه. في خطوة تالية تحرك «الاخوان» للسيطرة على القضاء فقدم مجلس الشورى قانونا جديدا للسلطة القضائية سيؤدي الى عزل آلاف القضاة الذين يقفون حائلا دون تمكين «الاخوان» من الدولة المصرية. في الوقت نفسه انخرط «الاخوان» في مفاوضات سرية مع رموز النظام القديم أدت الى الافراج عنهم مقابل تسويات مالية لا نعرف عنها شيئا وقد سافر بعض قيادات «الاخوان» من أجل لقاء رجال الأعمال الهاربين لإغرائهم بالعودة مقابل اتفاقات مالية لا نعرف في مصلحة من ستصب في النهاية. «الاخوان» هنا يعولون على حقيقة أن الرأسماليين لا يفهمون الا مصالحهم فرجال الأعمال الذين عملوا مع مبارك سوف يعملون قطعاً مع «الاخوان» اذا ضمنوا استمرار تدفق أرباحهم. أكبر دليل على خيانة «الاخوان» للثورة أن يكون أحمد دومة وحسن مصطفى ورفاقهم في السجون بينما فتحي سرور وصفوت الشريف وزكريا عومي ينعمون بالحرية.
4 ـ نلاحظ هنا ان الخطوة التي يتخذها «الاخوان» نحو التمكين لا يتراجعون عنها أبداً مهما أدت الى مشكلات وكوارث. وقد كان انقسام القوى الوطنية وعجزها عن اتخاذ موقف موحد بمثابة فرصة ذهبية لـ«الاخوان» استطاعوا من خلالها المناورة من أجل كسب الوقت والتقدم خطوات في مخطط التمكين. ان ما يحدث في مصر ليس سجالا سياسيا عاديا بين حكومة ومعارضة وانما هو مقاومة شعبية مشروعة وواجبة ضد جماعة فاشية وصلت الى الحكم عن طريق الانتخابات، ثم قررت إخضاع الدولة لارادتها بالقمع والقتل والاعتداء على حقوق الناس ... لا جدوى من التفاوض مع «الاخوان» ولا أمل في مصالحة وطنية معهم. في أي شيء صدق «الاخوان» ومتى نفذوا وعودهم حتى نصدق تعهداتهم الجديدة؟! كل من يشترك مع «الاخوان» في الانتخابات سيتحول الى «كومبارس» ناطق في مسرحية تمكين «الاخوان» التي سندفع ثمنها جميعا.. واجبنا الآن أن نتوحد حول هدف واحد. يجب اتخاذ إجراءات فورية من أجل سحب الثقة عن مرسي لأنه رئيس فاقد للشرعية ومسؤول عن جرائم يجب أن يحاكم عليها. في الدول الديموقراطية اذا اعتدى الرئيس المنتخب على القانون وتسبب في قتل عشرات المواطنين فإن البرلمان يسحب الثقة عنه فورا ويتم إجراء انتخابات رئاسية مبكرة ..في مصر الآن لا يوجد برلمان منتخب وبالتالي يجب العودة الى الشعب .البرلمان وكيل الشعب فاذا غاب الوكيل (البرلمان) يحب العودة الى ارادة الموكل (الشعب) ان جمع توقيعات المصريين من أجل سحب الثقة عن مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة هو في رأيي الطريق الصحيح الوحيد لإنقاذ بلادنا من هذه الجماعة الفاشية. لقد بدأت حركة «كفاية» في جمع التوقيعات من أجل سحب الثقة من محمد مرسي. أتمنى أن ننضم جميعا الى حملة «كفاية». لو استطعنا جمع عدد من التوقيعات أكثر من عدد الذين انتخبوا مرسي فإننا نسقط شرعيته القانونية والسياسية داخل مصر وخارجها ولا يحق له عندئذ أن يبقى يوما واحدا في قصر الرئاسة. بعد ذلك طبقاً لأبسط قواعد الديموقراطية سوف يتوجب اجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن تتولى القوات المسلحة الاشراف عليها مع مراقبة جدية من منظمات مصرية ودولية توفر ضمانات حقيقية ضد التزوير الذي لن يتورع «الاخوان» عن ارتكابه.. إن الحملة التي تقودها حركة «كفاية» هي فرصتنا الحقيقية لإنقاذ مصر واستعادة الثورة من «الاخوان» الذين سرقوها وخانوها.. علينا أن ننتهز الفرصة الأخيرة كما فعلت السمكة الثانية في الحكاية ولا فإننا سنلاقي مصير السمكة الثالثة...
علاء الأسواني
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد