نفير في طرابلس يدعو لحرب طائفية في سوريا
يمكن اللبنانيين أن يؤرخوا يوم أمس في روزنامة أيامهم «المجيدة». يوم 22 نيسان 2013، أعلن لبنان دخوله رسمياً في الحرب الدائرة في سوريا. عبارات النأي بالنفس لم تكن كافية لتخفي التورط اللبناني في ما يجري خلف الحدود الشمالية والشرقية. منذ بداية الأزمة في بلاد الشام، لم يستطع أي من طرفَي الانقسام السياسي لجم نفسه عن التورط فيها. كان ذلك يتم في الخفاء. وعندما ينكشف بعض هذا التورط، كان يتم التعامل معه على قاعدة «... استتروا»، أو بالصراخ. يوم أمس، بات هذا التورط علنياً. بعد كل ما قيل عن تدخل حزب الله في سوريا دعماً للنظام، وخاصة في ريف القصير، قرر خصومه إعلان تدخلهم هناك. ببساطة، قرر اللبنانيون التقاتل، لكن على الأراضي السورية. أما الدولة، فلا وجود لها، لا من قريب ولا من بعيد. حتى شبحها غاب تماماً. لا يوجد مسؤول يجرؤ على مساءلة حزب الله عمّا يفعله داخل الأراضي السورية، ولا وجود لـ«رجل دولة» يفرض الصمت على المفتين الجدد. البلاد متروكة لمن يريد إعدادها لحرب أهلية، تكون سوريا ساحة تمرينها.
يوم أمس بدأ من طرابلس، حيث لا مكان لسلطة الدولة. طرابلس أكبر من ذلك. الإمرة هنا لـ«سلاح العصابات» الخارج عن أي سلطة. رجال الدين أعجز من أن يُمسكوا بزمام الأرض. وقلّةٌ من الغوغائيين يرسمون مصير المدينة، في ظل صمت الأغلبية. غوغائيون يُرغمون زعماء المدينة وعلماءها على مجاراتهم في الشارع، «كي لا يُقال إنّ شارعنا أفلت من أيدينا». الضخّ المذهبي والحقن الطائفي بلغا حدّاً لا يُمكن تصوّره. هكذا، على هذا الإيقاع، تغلي الفيحاء وتتحرّك. يُستحضر تقدّم الجيش السوري في ريف حمص، وتُنكأ العصبية الدينية: «وا معتصماه». غرفة عمليات صغيرة تنشط على «الواتسآب»، لا وزن لها، تستنهض «غيرة الغيارى على إخوان الدين في مواجهة الشيعة».
لم يختلف يوم طرابلس أمس عن سابقه. خبزه اليومي تحريضٌ وحقنٌ طائفي. بدأ باعتداء بعض الشبّان على باص ينقل تلاميذ مدرسة إلى جبل محسن، ما استدعى ردّ فعل تمثّل في إطلاق رشقات نارية من الجبل باتجاه محلة الريفا. أعقب ذلك حملة دهم نفذتها عناصر الجيش لتوقيف المعتدين على التلاميذ. لم تكد تمر ساعة على هذا الاستفزاز حتى استُتبع بآخر: اعتداء جديد على السوري ي. ب. في التل، وتعريته والكتابة على ظهره شبّيح الأسد وربطه بحبل وجرّه في الساحة مع ضربه على مرأى من الناس. لم يطل انتظار الحدث التالي طويلاً، كانت الذروة مساءً عقب صلاة العشاء. قادها هذه المرة رجال الدين. تحرّك الشيخان سالم الرافعي وأحمد الأسير. وتحت ضغط الشارع، أعلن أحدهما «التعبئة العامة»، فيما أفتى الآخر بـ«وجوب الجهاد في القصير». والتعبئة هنا تعني «تهيئة جيش المسلمين للجهاد»، والتي تقترب من مصطلح «إعلان النفير العام»، أي «قيام عامة الناس لقتال العدو». بداية صدر بيانٌ تحت اسم «هيئة علماء المسلمين ومشايخ لبنان والفعاليات اللبنانية» يُعلن «التعبئة التامة من سلاح وشباب وأموال». وجاء فيه: «كما حزب الله يرسل الشباب بحجة الدفاع عن القرى الشيعية، نحن سنرسل شبابنا بحجة الدفاع عن القرى السنيّة». ودعا الشباب إلى «الجهوزية التامة والاتصال مباشرة مع مسجد التقوى تحسّباً لأي طارئ قد يحصل»، تلاه اجتماعٌ في مكتب إمام مسجد التقوى الشيخ سالم الرافعي حضره مشايخ من كافة المناطق اللبنانية، ثم كانت صلاة العشاء التي أعقبها «ﺇﻋﻼﻥ ﺍﻟﺘﻌﺒﺌﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻨﺼﺮﺓ ﺍﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﻴﻦ ﺍﻟﺴﻨّﺔ الذين ﻳﺘﻌﺮﺿﻮﻥ للاعتداء ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮ وريفها»، وﺫﻟﻚ ﻋﺒﺮ ﺗﻘﺪﻳﻢ «ﻛﺎﻓﺔ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺪﻋﻢ ﻟﻠﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭﺗﺜﺒﻴﺖ ﻭﺟﻮﺩﻫﻢ ﻭﺻﻤﻮﺩﻫﻢ». كذلك توجّه المجتمعون برسالة ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺅﺳﺎﺀ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ مفادها «أﻧّﻜﻢ ﺑﺴﻜﻮﺗﻜﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺴﺎﻓﺮ ﻭﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ﻟـ«حزب ﺍﻟﻠﻪ» ﻓﻲ ﺍﻻﻋﺘﺪﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﺴﻮﺭﻳﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮ ﺗﺸﺮﻋون ﺃﺑﻮﺍﺏ ﻟﺒﻨﺎﻥ ﻟﻔﺘﻨﺔ ﻃﺎﺋﻔﻴﺔ ﺗﻬﺪﺩ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺍﻷﻫﻠﻲ ﻭﺍﻟﻌﻴﺶ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻙ». وقد لاقى هذه الدعوة الشيخ أحمد الأسير الذي أفتى بدوره بـ«وجوب الجهاد في القصير ضد حرب إيران». وفي تصريح صحافي، برّر الشيخ سالم الرافعي «إعلان فتوى التعبئة العامة في صفوف شباب أهل السنّة» بأنها لـ«نصرة إخوتنا من اللبنانيين السنّة الذين يتعرضون لمذابح في القصير». ورأى الرافعي أن «حزب الله هو البادئ في خرق سياسة النأي بالنفس، والدولة اللبنانية والجيش لم يحرّكا ساكناً»، معتبراً أن «دعوة الجهاد من شأنها أن تردع حزب الله عن مساندة القتلة».
خطوة الشيخين أثارت موجة من ردود فعل مرحّبة في الشارع الطرابلسي. فقد تلاها تبادل رسائل من قبيل «نداء لكل رجل سنّي في لبنان لأن يحمل السلاح ويهاجم ويقتل أي عنصر من حزب الله». ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل جرى نشر بيانات نُسبت إلى «اﻟﻤﻜﺘﺐ ﺍلإﻋﻼﻣﻲ ﻟﺠﺒﻬﺔ ﺍﻟﻨﺼﺮﺓ»، علماً بأنها لم تُنشَر على «المنارة البيضاء»، الموقع الإعلامي المعتمد للتنظيم القاعدي. وتضمنت البيانات تهديداً للدولة اللبنانية، بشخص رئيس الجمهورية، في حال لم يُمنع حزب الله، خلال 24 ساعة، من التدخل في سوريا. كذلك تضمنت البيانات تحريضاً ضد «قرى النصيرية والشيعة» الموجودة في عكار والتي تمدّ النظام بالمقاتلين من عقر دارهم. ثم أعلنت أن «أي شيعي أو نصيري أو قومي أو بعثي أو عسكري، أيّاً كانت رتبته، أو سنّي موال للنظام السوري (مرتد) هم أهداف مشروعة لنا أينما وجدوا».
أمام كل ذلك، اختلفت المواقف الطرابلسية حيال تحقّق الغاية المرجوّة من إعلان الجهاد، أي ردع «حزب الله». وفيما رأى البعض أن هذه الخطوة تزيد من إصرار «حزب الله»، ذهب آخرون إلى القول إن كل هذه التعبئة ستنفجر معركة جديدة ضد جبل محسن، علماً بأن معلومات المعارضة السورية تؤكد أن «معظم الممرات البرية التي كان يعتمدها المسلّحون في التسلل إلى سوريا، إن لم يكن جميعها، أُغلقت منذ بدء العملية العسكرية في ريف حمص».
وفيما التزم حزب الله وحلفاؤه الصمت، لم يغيّر تيار المستقبل عاداته. يرفض دعوات المشايخ، ويحمّل حزب الله المسؤولية. مصدر نيابي بارز من كتلة المستقبل قال لـ«الأخبار» إن «التيار ضد أي تدخل عسكري لبناني في سوريا، من أي طرف، وأوّلهم حزب الله الذي يتفاخر بأنه يضحّي بحياة شباب لبنانيين في معركة فارغة». ورأت المصادر أن «أفعال حزب الله هي التي خلقت ردود الفعل عند الأطراف المقابلة، والتي بتنا نسمعها على لسان الأسير والرافعي».
رضوان مرتضى
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد