جامعة أميركية تجري محاكاة لتدخل عسكري في سوريا
يُعدّ أسلوب المحاكاة (Simulation) أكثر الأساليب العملية لتحفيز الإبداع الذهني واستشراف النتائج لأي حدث يُراد دراسته، من خلال إعادة ابتكار واقع وظروف مشابهة لتلك الطبيعية المحيطة بموضوع البحث.
وإن كانت المحاكاة تأخذ مداها في علوم الرياضيات والفيزياء، فإن اللافت ازدياد استخدامها كأسلوب في العلوم السياسية أيضا وفي معالجة المعلومات.
من الطبيعي أن تلجأ المؤسسات العسكرية والجيوش إلى أسلوب المحاكاة، غير أن الإدارة الأميركية طورت في السنوات الأخيرة آليات خلّاقة، بعدما استثمرت مئات ملايين الدولارات في أبحاث وبرامج حاسوبية (ساهم إسرائيليون مرات عديدة تقنيا فيها)، أثناء دراستها وتحليلها للقضايا الدولية على اختلاف طبيعتها؛ فمولّت وكالة الأمن القومي على سبيل المثال محاكاة على الكومبيوتر أجرتها جامعة «ماريلاند» بهدف استشراف أنماط سلوك «حزب الله» في ظروف مختلفة، وذلك قبل اغتيال القائد العسكري للحزب الحاج عماد مغنية بأشهر قليلة (كان من ضمن الأسئلة التي عالجها برنامج الحاسوب الذي تم استخدامه في المحاكاة «متى ينفذ حزب الله عمليات عابرة للحدود؟» وعشرات الأسئلة الأخرى المرتبطة بهذا الموضوع).
إسرائيل بدورها، باتت تفرد مساحة اكبر لأسلوب المحاكاة في أجهزتها الاستخبارية. الثورة المصرية الأخيرة كانت المحطة الفصل في هذا الإطار، بعدما فشلت الاستخبارات الإسرائيلية في توقعها، ما فتح الباب على وسعه أمام إجراء تغييرات في أساليب جمع المعلومات ومعالجتها والتحول بشكل كبير إلى رصد الشبكات الاجتماعية على حساب المصادر العلنية، في قرار اتخذ عقب نجاح طالب إسرائيلي ناشط على «تويتر» و«فايسبوك» في «التنبؤ» بسقوط نظام حسني مبارك قبل ثلاثة أسابيع من وقوعه من خلال تحليل المضمون Content Analysis لعينة من التغريدات والتدوينات القصيرة والدردشات وبالاعتماد على رسوم بيانية وإحصاءات وأدوات برمجية بسيطة، مع الإشارة إلى أن الأدوات التي باتت تُستخدم في الولايات المتحدة جد متطورة وتعتمد في بُنيتها على جهود علماء يتعاملون مع «أنماط السلوك» للحالات موضوع البحث؛ كلٌ بحسب اختصاصه.
احتمال شن ضربة وقائية ضد النظام السوري أحد المواضيع التي تمت معالجتها من خلال أسلوب المحاكاة في صف «أخلاقيات وقانون الحرب» في جامعة ستانفورد الأميركية.
هذه المحــاكاة ثمرة عامين من المحاضرات شــارك فيها مــؤرخون وسياسيون وفلاسفة وصحافيون وعلماء اجتماع. وقد استرعت سلسلة المحاضرات اهتمام الدوائر الدبلوماسية والأمنية والعسكرية في واشنطن.
سكوت ساغان، الخبير في السياسة النووية والمستشار السابق في البنتاغون، افتتح الجلسة بالإعلان إن «سلسلة المحاضرات أغنت تجربة طلابه عبر إجبارهم على الانتباه والتشكيك في الأسس الأخلاقية والقانونية لحربي العراق وأفغانستان».
أما زميله الأستاذ في جامعة ستانفورد أيضا آلان واينر، المستشار القانوني السابق في الخارجية الأميركية، فقد اعتبر أن «المحاكاة تُشجّع الطلاب على تطبيق ما تعلموه على مشاكل حقيقية عوضاً من أن يتعلموا ببساطة نظريات حرب مجرّدة أو قانون الحرب الدولي، ما يؤمّن وعيًا أعمق بكثير للمسألة وملاحظة أدق للتفاصيل الصغيرة والأمور المعقدّة».
تفاصيل المحاكاة
في غرفة اجتماعات داخل مركز التعاون والأمن الدولي (CISAC) في جامعة ستانفورد الأميركية، أجرى 20 طالبا محاكاة لضربة عسكرية ضد سوريا، بإشراف خبراء في العلوم السياسية والحقوقية والعسكرية.
تسلّح الطلاب بأجهزة الكومبيوتر ومذكرات «مفترضة» لوكالات الاستخبارات المركزية ومجلس الأمن القومي ومعطيات حقيقية مُستقاة من مراجعة مواقف وأحداث سابقة كموقف الرئيس الأميركي باراك اوباما من استخدام السلاح النووي.
على مدار ثلاث ساعات، لعب الخبير في السياسة النووية وأستاذ العلوم السياسية والباحث الرفيع في مركز التعاون والأمن الدولي سكوت ساغان دور الرئيس الأميركي محاطا بأعضاء كبار في إدارته.
يبدو الرئيس الأميركي متشائما خلال المحاكاة. استهل كلامه بالقول إن «هذه حتماً أكبر أزمة أواجهها بصفتي رئيساً «.
لقد أمر أوباما (ساغان) بنشر ستة آلاف جندي أميركي على الأراضي السورية بهدف إنشاء مناطق عازلة و«حماية المدنيين»، وهو قد وجد نفسه مطالبا باتخاذ قرار حاسم ردا على معلومات وصلته من وكالة الاستخبارات المركزية «سي أي إيه» مفادها أن النظام السوري «مستعد لاستخدام أسلحة كيميائية وبيولوجية مخزنّة في تحصينات تحت الأرض شرقي دمشق».
تلا مذكرة الـ«سي أي إيه» جو بايدن نائب الرئيس الأميركي الذي يلعب دوره آلان واينر، مدير مركز النزاعات الدولية في جامعة «ستانفورد». أبلغ بايدن (واينر) المجتمعين أن حياة الجنود الأميركيين «عرضة للخطر»ـ خاصة أنه «تم رصد شاحنات تنقل أسلحة الدمار الشامل السورية من مواقعها»، قبل أن يغمز من قناة الرئيس عبر التذكير بأنه « كوننا نتجه نحو دورة انتخابية، فإن صعوبات القرارات التي نتخذها اليوم سيتم وضعها تحت تدقيق كبير للغاية».
يتدخل قائد القيادة المركزية الوسطى جنرال جيمس ماتيس، الذي يلعب دوره قائــد سابق للواء أميركي في أفغانستان هو العقيد فييت لو وونغ، محذرا الرئيس وأعضاء فريــقه في مذكرة سرية: «تذكروا، فإن التاريخ سيحاكمنا، وجزء من هذه المحاكمة يتوقف على مدى تعمقنا بمناقشة جميع الخيارات المتاحة اليوم».
حدد القيمون على المحاكاة 3 خيارات أمام الرئيس الأميركي:
[ إعطاء الأوامر إلى الجيش الأميركي بسحب القوات من سوريا وتجنب المواجهة العسكرية، مع المخاطرة بالتسبب بموت المزيد من المدنيين والتعرض للإدانة من قبل الحلفاء في «الربيع العربي».
[ إعطاء الأوامر الى الجيش الأميركي بشن ضربات جوية تقليدية ضد القوات السورية، ما قد يؤدي الى «سقوط آلاف الخسائر غير المتعمدة».
[ اللجوء الى خيار «غير تقليدي»، أي استخدام السلاح النووي لتدمير تحصينات تخزين أسلحة الدمار الشامل السورية تحت الأرض. هذا الحل سيُلغي على الأرجح فرص القوات السورية لاستخدام الاسلحة الكيميائية، لكنه «سيفتح أبواب الجحيم بوجه الرئيس الحائز على جائزة نوبل للسلام والذي تعهد بالعمل للوصول إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية».
يكاد أعضاء الإدارة الأميركية (الطلاب) يُجمعون على أن الشعب الأميركي «تعب من الحرب»، خاصة بعد تجربتي العراق وأفغانستان.
المجموعة الحقوقية في البيت الأبيض تناقش في «كون الضربة الاستباقية غير قانونية في ظل بعض المعاهدات». في هذا السياق، يقول المستشار القانوني في مجلس الأمن القومي افريل هاينز، الذي يلعب دوره الطالب أليكس ويبير، إنه «اذا ما استخدمت الأسلحة النووية، وبغض النظر عن قيام السوريين باستخدام الاسلحة الكيميائية ضد جنودنا من عدمه، فإنك كما قال كولن باول في حرب الخليج في العام 1991، تفتح أبواب الجحيم، خاصة وأن سوريا لا تمتلك أسلحة نووية».
ويُضيف ويبير «أنت الرئيس الذي حمل شعار منع انتشار الاسلحة النووية. هنالك زر نفسي تقوم بالضغط عليه لتعطي إشارة إلى وسائل الإعلام لأخذ النقاش الأخلاقي إلى مستويات جديدة».
تزداد المعارضة بين اركان الفريق الأميركي لاستخدام السلاح النووي.
يقدّم الجنرال ماتيس (لو وونغ) تقريرا عسكريا يُظهر فيه المخاطر واحتمالات الخسائر في ظل كل السيناريوهات، من دون أن يخفي عدم حماسته للقرار العسكري. «أنا رجل عسكري، أميل نحو النجاح و آخذ بالحسبان الخسائر البشرية. لكنني أيضاً قلق للغاية حيال تعريض جنودي للخطر»، يقول الجنرال الأميركي.
هيلاري كلينتون، التي تؤدي دورها طالبة السياسات الدولية ميكايلا هيلمان ـ تينشر، توافق رأي المؤسسة العسكرية قلقها من شن أي هجوم. «تخيلوا الاتجاهات الدولية عند دخولنا في الصراع». كذلك، تعارض المستشارة في مجلس الأمن القومي سامانتا باور، التي تلعب دورها طالبة اخرى، أي خطوة عسكرية، طالبة «مهلة 24 ساعة للتمكن من العمل على هذه الحلول الدبلوماسية والدبلوماسية المتعددة الأطراف».
اللافت ان الحلول الدبلوماسية التي تلقى شبه إجماع في المحاكاة تعني البحث عن مبعوث أممي او الإتصال بموسكو للتوسط في حل الأزمة!
في ختام المحاكاة، يتوجه رئيس الأركان في الجيش الأميركي الى الرئيس اوباما: «لا يمكنك أن تتهرب من المسؤولية سيدي الرئيس».
يقف الجميع. يشكر أوباما أعضاء الفريق، ويغادر غرفة الحرب.
علي شهاب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد