مؤتمر هرتسيليا يناقش التحديات المستقبلية لإسرائيل
عقد أخيراً في هرتسليا (إسرائيل) المؤتمر السنوي السادس حول «حرب لبنان الثانية - استخلاصات ومعان معمقة في مكافحة الإرهاب وحرب العصابات»، وقد ضم المؤتمر ثلاث ورش ركزت على دروس الحرب ومعاني الصراع المستقبلي مع «حزب الله».
الورشة الأولى إضاءة على استعداد إسرائيل للحرب ودور الجيش والاستخبارات والجبهة الداخلية والاهتمام الخاص في جمع المعلومات وتقويمها وسبل بناء قوة الجيش وتدريباته وقدراته على توفير المعدات اللازمة للحرب.
اما الورشة الثانية فركزت على سير المعارك في حرب لبنان واثر ذلك على ما سمي «الجولة المقبلة» مع التركيز على عمليات سلاح الجو والمدفعية وقدرات القوات البرية وحشدها وزجها في المعارك، والتركيز على صورة الزعماء السياسيين في الحرب وفي مقدمهم ايهود اولمرت والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
لكن الورشة الثالثة عمدت الى التعاطي مع أثر الحرب على الجوانب العسكرية الميدانية والاستخبارات والجوانب السياسية، وأثرها على مفهوم الردع الاسرائيلي في ضوء الصراع مع الفلسطينيين. وشارك في المؤتمر الرئيس السابق للموساد شبتاي شافيت، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية اوري ساغي، ورئيس وحدة الابحاث العميد يوسي كوبرفيسر، ورئيس مجلس الأمن القومي غيورا ايلاند، ويشكل المؤتمر مناسبة سنوية تطلق فيها النخبة السياسة والأمنية والأكاديمية في الدولة العبرية تنظيرات تتناول مواقف صنّاع القرار، فضلاً عن مساهمات ضيوف أجانب في القضايا المنضوية تحت عنوان ميزان المناعة والحصانة القومية في إسرائيل.
ويؤكد «معهد السياسة والاستراتيجية» الذي ينظّم المؤتمر، أن أعماله تتناول عدداً من مواضيع التفكير الآني والاستراتيجي التي تشغل وتعبر عن اتجاهات التفكير السائد لدى النخب الاسرائيلية، إزاء معضلات وتحديات مركزية تواجهها إسرائيل في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد والاجتماع والثقافة وغيرها.
ويأتي انعقاد المؤتمر بعد المواجهة الاسرائيلية مع حزب الله وفي ظل تطورات جدية في الخريطة الحزبية، ابرزها التخبط في الائتلاف الحكومي والصراع بين الجنرالات والسياسيين.
ومن المؤكد أن الملف النووي الإيراني يفرض نفسه على المؤتمر, مع تصعيد إسرائيل معركتها الإعلامية ضد إيران لجهة إحالة الملف على مجلس الأمن. وكالعادة، سيبقى الهوس الديموغرافي في صلب الاهتمام الإسرائيلي.
ومن أوراق المؤتمر حل دائم في الحرم القدسي عبر وضعه تحت الإدارة الدولية. وفي هذا الخصوص أعدت وثيقة، نشرتها صحيفة «يديعوت أحرنوت»، إلى أن على إسرائيل والفلسطينيين الموافقة على أن تكون الأسرة الدولية شريكة في إدارة الأماكن المقدسة والتاريخية في القدس.
وانطلقت الوثيقة من ضرورة دراسة عدد من البدائل التي لديها فرصة ما للقبول لدى الطرفين والأسرة الدولية. ومع ذلك، لم تستبعد الوثيقة البدائل التي يريدها كل طرف على حدة. وتشير إلى أن التجديد الأساسي من جانب اسرائيل هو البحث في المشاركة الدولية. ويبدو أن مشاركة كهذه تنطوي على فرصة لتحقيق تسوية معينة، وإن لم يكن في المدى المباشر. ويرى «معهد القدس لأبحاث إسرائيل» في الوثيقة عملاً أولياً يضع أسساً لعمل أوسع لكل جانب من الجوانب المدرجة فيها، لجهة الافتراض أن القدس بأسرها ستوضع على طاولة التفاوض حول التسوية النهائية، مع التركيز على المنطقة الأكثر إشكالية وهي الحوض التاريخي للمدينة.
وتشير الوثيقة الى حصر النقاش بالبلدة القديمة كلها، لأنها منطقة محددة وواضحة داخل أسوار. إلا ان الوثيقة تشير إلى مقاربتين للحل: واحدة تتحدث عن التقسيم الجغرافي للمدينة وللحرم وأخرى تتحدث عن إقامة نظام خاص للمدينة أو الحرم وأحياناً بمشاركة طرف ثالث.
وتدرس الوثيقة الحلول الآتية:
- سيادة إسرائيلية كاملة في كل أرجاء الحوض التاريخي مع إمكان منح حكم ذاتي في مجالات معينة للعرب، ومنح مكانة خاصة للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية. لكن الوثيقة تشير إلى أن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لن يوافقا على هذا الاقتراح.
- سيادة فلسطينية كاملة في كل أنحاء الحوض التاريخي، مع إمكان منح حكم ذاتي في مجالات مختلفة للسكان اليهود ومكانة خاصة للأماكن المقدسة اليهودية والمسيحية. وتشير الوثيقة إلى أن إسرائيل لن توافق على المقترح.
- تقسيم جغرافي بين الجانبين ومراقبة دولية لطرف ثالث من أجل تسوية الخلافات.
- إدارة مشتركة وتقسيم الصلاحيات بين الجانبين ودعم دولي.
- إذا فشل الجانبان تنتقل السلطة إلى طرف دولي يساعد في حل الأزمة.
ويقدر المختصون أن الحل الأخير هو الأكثر واقعية بحسب الوثيقة. وفي هذه الحال يستطيع الطرفان أن يدعيا بأنهما لم يتنازلا عن سيادتهما على الأقصى والهيكل، ويستمران في إدارة الأماكن بحسب المفاهيم التي أعدت في العام 1967.
وكشفت صحيفة «معاريف» أن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي أعد مخططاً طرح في مؤتمر هرتسيليا يقضي بإخلاء 40 ألفاً من القرى العربية غير المعترف بها في النقب، من خلال دفع تعويضات ونقلهم إلى 7 بلدات ستتم إقامتها خصيصاً لهم خلال السنوات الخمس المقبلة.
وأوضحت «معاريف» أن المخطط أعده نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إيهود برافير وتبناه رئيس المجلس غيورا ايلاند على رغم وجود عراقيل كثيرة ومعارضة من البدو على خلفية ملكية أراض. ويقضي المخطط بإخطار المواطنين البدو قبل سنتين من التنفيذ، وهدم المباني التي أنشئت في القرى غير المعترف بها من دون مصادقة الدوائر الحكومية وتعتبر غير قانونية.
ويعتبر واضعو وثيقة هرتسيليا أن للخطر الديموغرافي دلالات أمنية واقتصادية وسياسية، ولمواجهته ينبغي إبطال مخصصات التمويل للعائلات الكثيرة الأولاد في مقابل تشجيع العائلات المؤلفة من 3-4 أولاد، والحيلولة دون حدوث تواصل إقليمي لأكثرية عربية في مناطق الجليل ومرج ابن عامر والنقب لأن هكذا تواصل يقطع اسرائيل، والبحث في إمكان تبادل مجموعات سكانية بين اسرائيل والدولة الفلسطينية الجديدة التي لا يعارض واضعو الوثيقة قيامها، على أن يشمل التبادل مجموعات استيطانية محاذية للخط الأخضر، ونقل مجموعات سكانية عربية من المثلث الصغير والقدس الشرقية وتجمعات بدوية في النقب الشمالي إلى السيادة الفلسطينية، ومنح الفلسطينيين داخل إسرائيل حرية الاختيار بين المواطنة في الدولة الفلسطينية أو حقوق مقيم دائم في إسرائيل. ولموازنة الوزن الانتخابي للفلسطينيين يدعو واضعو الوثيقة إلى العمل على منح الإسرائيليين في الخارج حق المشاركة في انتخابات الكنيست من دون الحاجة إلى قدومهم إلى إسرائيل. ومع ذلك فان النخبة الحاكمة والمتخصصة في حل المعضلات والتحديات أصيبت بصدمة نتائج الحرب على لبنان والهزيمة التي أصابت «الجيش الذي لا يقهر»، إذ دخل لبنان مذعوراً وخرج مهزوماً، وذلك الحدث فرض نفسه بقوة على المؤتمرين في هرتسيليا.
كمال مساعد
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد