بكتيريا معدّلة وراثياً تعطي حبراً سرياً
باستخدام تقنيات الجينات والهندسة الوراثية، تمكّن باحثون من تطوير حبر سريّ من نوع خاص. وعمدوا الى زرع صفائح تشبه الأوراق، مزودة بأنماط مشفّرة من البكتيريا المعدّلة جينياً، التي تتوهّج في ظروف محددة. وبقول آخر، فإن حبر الكتابة السريّ هو البكتيريا نفسها فعلياً، التي أدخلت على تركيبتها الجينية تعديلات تجعلها تتوهج عند تسليط ضوء خاص عليها. ولأن البكتيريا كائنات متناهية الصغر، لا ترى بالعين المجردة، لا تظهر «الكلمات» المكتوبة بهذه البكتيريا. ولكن، عندما يُسلّط ضوء خاص على البكتيريا، تتوهج، مثل علامات الفوسفور على الطرقات، فتظهر الكتابة وكلماتها!
لا تزال الاستخدامات المحتملة لهذا الحبر سريّة، ومن بينها صنع شفرات جرثوميّة تقاوم التزوير واستخدامها في أوراق النقد. وفي المقابل، ثمة من يبحث عن استخدامات مسليّة لهذا النوع من البكتيريا.
أشار عالم الكيمياء ديفيد والت من جامعة «تافتس» الذي إبتكر هذا «الحبر» مع مانويل بالاسيوس، وهو زميله الجامعة المذكورة متخصص في الكيمياء أيضاً، أنه من البديهي اللّجوء الى هذا النوع من التطبيقات السريّة في البداية، بالنظر الى فعاليته. وشبه أمر الحبر السريّ بشخص موجود في بيئة محددة، مع وجود حاجة لانتزاع رسالة منه، لكن من دون القبض عليه.
وقد جرى التحدّث عن هذا النظام الذي أطلق عليه والت وبالاسيوس إسم «إنفو بيولوجي» Info Biology في مجلة «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم» العلمية أخيراً. وأشار العالمان إلى الرسائل التي «تكتب» بهذه الطريقة بمصطلح «سبام» SPAM، وهي لفظة تشير الى البريد الإلكتروني المتطفّل، وقصدا به أن الرسائل المكتوبة بحبر الجراثيم المُعدّلة جينياً، تتضمّن إخفاء معلومات عبر مصفوفات من الجراثيم. جرى إعداد هذا النظام بناءً على مبادئ وضعها والت خلال عمله السابق على صمامات إلكترونية تنقل المعلومات عندما تحترق، فتنتج شكلاً بسيطاً من التواصل المرتكز على عمليات كيمياوية.
«كنا نجلس بالقرب من المختبر، نفكّر في كيفية تطبيق تجربة الصمّامات في الكائنات الحيّة الصغيرة. كنّا ملمين بالعمل الذي جرى إنجازه في وقتٍ سابقٍ، بمعنى تمكّن بعض العلماء من إدخال رموز مُحدّدة الى الحمض الوراثي النووي. فكّرنا بأنه من الممكن توليف الحمض النووي في رموز تتوافق الحروف، وتالياً كتابة كلمات ونصوص بهذه الطريقة. لكننا وجدنا أن هذا الأمر يتطلّب أجهزة متطوّرة للغاية. فكّرنا بالقيام بالأمر عينه بواسطة طريقة بسيطة لإبراز المعلومات: اللون. حصل ذلك عندما خطرت ببالنا فكرة استعمال بروتينات محدّدة يدخل في تركيبتها عنصر الفلور. نعلم جيداً أن بروتينات الفلور حاضرة في معظم بحوث الجينات، وهي تُستخدم للتحكم بنشاط الجين. وتلتمع هذه البروتينات عندما تُسلّط عليها أشعة فوق البنفسجيّة».
إنطلاقاً من هذه الأفكار، صمّم فريق والت سبعة سلالات من بكتيريا «إي كولاي»، لكل منها لون مختلف. ثم وضع الفريق شيفرة بسيطة لهذه المصفوفة الجرثومية المتألفة من سبعة حروف. ومثلاً، يمكن أن يعني اللون الأخضر حرف «راء» والأحمر «جيم» والاصفر «سين» وهكذا دواليك.
زرع الباحثون جرثومتهم في أنماط مرمزة على سطح طبق مختبر من النوع المستعمل لإستضافة البكتيريا. عندما نمت الجراثيم، أضيفت إليها مادة «نيترو سيلولوز» لتنشيطها.
وأوضح والت أن ضغط الجرثومة على الـ «نيترو سيلولوز» التي تشبه الورقة الى حدٍ بعيد، يؤدي إلى الحصول على «كتابة» ثابتة، لا ترى بالعين.
عندما يُضغط سطح الـ «نيترو سيلولوز» المُشفّر على سطح طبق مختبر جديد، تنتقل الجراثيم إلى السطح الأخير. ويستطيع من يعرف شفرة العلاقة بين الألوان والحروف، أن يقرأ الرسالة الجرثومية السريّة، بمجرد تسليط أشعة تحت الحمراء عليها.
وتوخّياً لثبات الرسالة المُشفّرة بالبكتيريا، أضاف فريق والت جينياً لا يشعّ إلا تحت تأثير أدوية مضادة للإلتهابات، مثل الأمبيسلين. وأشار والت إلى إمكان إدخال التعديل الجيني المطلوب على أي جين له القدرة على التأثّر بالمؤثّرات الخارجية المباشرة، مثل البرد القارس والحر الشديد والمغذيات والمركّبات، بالطريقة عينها، بمعنى أن يصبح مُشعّاً تحت تأثير هذه المؤثّرات. ومن المستطاع أيضاً، استخدام بكتيريا «إي كولاي» المُعدّلة جيينياً، في المختبرات طبعاً، لأنها تخسر خاصيتها المُشعّة مع مرور الزمن.
وأفاد فريق والت أنه يسعى لإضافة تعديلات جينية تؤدي الى زيادة أمان هذه «الرسائل» البكتيرية، مثل إدخال تراكيب جينية تعمل على إفناء البكتيريا عقب إنتهاء عملية «شعشتها» بأثر من الأشعة تحت الحمراء، ما يجعل منها شبيهة برسائل «مهمة مستحيلة»، بمعنى أنها تدمر نفسها بنفسها.
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد