أنسجة ذكية تتلوّن بالموسيقى
في «معهد ماساشوستس للتقنية»، ثمة مختبر يبدو غرائبياً تماماً، لكنها غرائبية من النوع الذي أعطى المختبر فرادة باتت ذائعة الصيت في أوساط المولعين بالتقنية الرقمية. إنه «مختبر الإلكترونيات» الذي يشرف عليه البروفسور يوول فينك، الذي في ظل مفهوم عريض علمياً هو «الحوسبة الشاملة» التي تعني إدخال المعلوماتية وتقنياتها إلى الأشياء العادية في الحياة اليومية، فتصبح جزءاً أصيلاً منها، فلا تظهر وكأنها إضافة عليها. وفي هذا المختبر، تتداول الألسن أسئلة ربما بدت خرافية لمن لا يعرف أن مهندسيه لا يضعون أمام أعينهم سوى الحدّ الأقصى للتكنولوجيا وإمكاناتها. بقول آخر، يبدو عادياً في المختبر طرح سؤال مثل «هل يستطيع القماش أن يستمتع بالموسيقى»؟
وقبل فترة ليست بالبعيدة، لم يعد هذا السؤال من دون إجابة. إذ استطاع فريق مختص في إلكترونيات الكومبيوتر أن يصنع نوعاً من خيوط النسيج التي تستطيع أن تتحرى وجود الصوت، ثم تنتج أصواتها الخاصة أيضاً.
وفي صورة أكثر جدية، من المستطاع نسج ملابس من تلك الخيوط، بطريقة تجعل من القميص مايكروفوناً حساساً يتفاعل مع الأصوات الطبيعية للجسد، مثل دقات القلب أو صوت تدفق الدم في الشعيرات الدقيقة لليد أو الدماغ.
بقول آخر، تعمل تلك الملابس كمجسّات ومايكروفونات، فتقدر على التقاط الأصوات والاهتزازات حولها، سواء كانت قوية أم ضئيلة. ويقف عنصران أساسيان في القلب من هذا الاختراع. يتمثّل أولهما بالتحكّم في هندسة الخيوط المُكوّنة للنسيج، وبطريقة ثابتة لا تتغيّر مع غسل الملابس وكيّها. ويتجسد العنصر الثاني في استعمال مواد تضمن ثبات التركيبة الهندسية للخيوط، خصوصاً مادتي البلاستيك والغرافيت المستعمل في صنع أقلام الرصاص! إذاً، امزج أكياس بلاستيك وأقلام رصاص وحاسوباً ونسيجاً قطنياً، تأتِ النتيجة أقمشة تعمل كمجسات «سينسورز» Sensors تتابع حال الجسم على مدار الساعة، كما تستطيع إصدار أصوات معيّنة (بمعنى أنها تعطي اهتزازات مُحدّدة) خصوصاً عند تمرير تيار كهرباء فيها!
واستطراداً، يعقد بعض الباحثين ممن يعملون مع البروفسور فينك العزم على الذهاب بهذا الاكتشاف خطوة أخرى إلى الأمام. إذ يرون أن من الممكن جعل الاهتزازات التي تصدر من هذا النسيج المبتكر، تؤثر في المزايا اللونية للقماش.
وعندها، يتغيّر لون القماش مع الانفعالات التي يعيشها مرتدو تلك الملابس. وإذا مرّت الحبيبة، وأمعن القلب في خفقانه، يتغيّر لون القميص، وينكشف الحب الخبيء، حتى من دون الحاجة إلى نظرة من عيني الحبيب! وبذا، لا يعود رهناً بلغة العيون ولا سحر الجفون، بل بتقلبات الإلكترونات في أنسجة قماش أبدعته عقول ربما يرى البعض أنها تقف على الحافة المتلاعبة للعقل الإنساني وفوراته.
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد