يوميات اوروبية على شاشات دمشق
في دورته الثانية قدّم مهرجان الأفلام الأوروبية لجمهوره السوري باقة منوعة من الموضوعات الإشكالية، جمعت بين الخصوصية المحلية والبعد الإنساني العام. وقد أُقيم المهرجان بجهود السفارات والمراكز الثقافية الأوروبية في سوريا وبالاشتراك مع المؤسسة العامة للسينما ما بين 9 و18 أيار (مايو) الحالي في صالة الكندي بدمشق، وللمرة الأولى سوف تنتقل بعض العروض إلى مدينتي اللاذقية وحمص خلال أيلول (سبتمبر) المقبل.
افتُتحت عروض المهرجان بالفيلم الإسباني “المرحّلون 9061” للمخرج ماغيل لوبيز لوركا. الفيلم تسجيلي روائي أُنتج العام الماضي في ذكرى مرور أربعة قرون على مأساة طرد الموريسكيين أو مسلمي الأندلس من إسبانيا. وخلال 48 دقيقة اعتمد المخرج على الوثيقة التاريخية والمشاهد التمثيلية وتقنية «الفلاش باك» لطرح قضايا حرية المعتقد والتسامح الديني من منظور معاصر يقوم على مبادئ حقوق الإنسان.
بدأت القصة في العام 9002 عندما عثر مدرّس التاريخ الشاب جوان على مخطوط قديم مكتوب بالأحرف العربية في خزانة مخفية في منزله الكائن في قرية ألموناسيد دي لاسيرا الإسبانية. وبعد عرض المخطوط على الجهات المختصة، اتضح له أنه عبارة عن مذكرات عائلة موريسكية مسلمة عاشت في تلك القرية لعدة قرون، وعانت من نير التعصب الديني والتهجير. قرر جوان التقصي عن حقيقة هذه القصة، ومنذ تلك اللحظة يذهب الفيلم في خطين متوازيين: خط الزمن الماضي، وهو خط روائي يعتمد الممثل والمشاهد التمثيلية لتجسيد المذكرات الواردة في المخطوط، وخط الزمن الحاضر، وهو خط تسجيلي يعتمد شهادات المختصين الأكاديميين في موضوع الفيلم. وبالتناوب ما بين الخطين يتبين كيف تم إجبار مسلمي الأندلس (الموريسكيين) على اعتناق الديانة المسيحية، ومنعهم من التخاطب باللغة العربية، ونبذهم اجتماعيا، والتشكيك في أخلاقياتهم، ومن ثمة طردهم من إسبانيا إثر توقيع الملك فيليبي الثالث على مرسوم الترحيل التعسفي بحق ثلاثمئة ألف موريسكي في العام 9061، حيث تشتتوا في دول حوض البحر الأبيض المتوسط ووصلوا إلى المغرب العربي.
اليوميات
بعد فيلم الافتتاح شهدت يوميات المهرجان خمسة عشر فيلما، أُنتجت خلال الأعوام التسعة الماضية، وتوزعت ما بين الكوميديا بأنواعها والدراما الاجتماعية والتاريخية والأفلام التسجيلية. وفي السياق اياه يمكن ملاحظة التناقص في كم عروض الدورة الثانية بحوالى ستة أفلام عن الدورة السابقة، كما يمكن ملاحظة أن معظم المواضيع تمحورت حول فكرة العلاقة الإشكالية في ثنائية الأنا والآخر، على المستوى الفردي الخاص، كما على المستوى المجتمعي العام.
تصدّرت الأفلام الكوميدية قائمة العروض بما يقارب النصف، حيث قُدّمت سبعة أفلام، منها: الفيلم الإنكليزي “البحث عن إيريك” للمخرج كين لوتش، ويروي قصة ساعي بريد مهووس بكرة القدم، هجرته زوجته، وتركت له الأولاد لتربيتهم، كذلك الفيلم الإيطالي “لنفعلها” للمخرج غيليو مانفريودومنيا، ويتمحور حول موضوع العلاقة بين الأسوياء والمختلين عقليا من خلال نيليو الذي أٌرسل للعناية بمجموعة من المصابين بالأمراض العقلية، أُطلق سراحهم للتو من المستشفى بعد إغلاقه، حيث يقوم بإعادة تأهيلهم اجتماعيا، ومساعدتهم على تأسيس محل لبيع المفروشات. كذلك الفيلم الهنغاري “حب إس أو إس” للمخرج تاماس ساس، وهو يدور حول شركة للتعارف بين الجنسين، تساعد عملاءها الأثرياء على حل أزماتهم العاطفية، بينما يقع مدير الشركة توماس في هوى المعلمة الشابة فيرونكا، ولا يستطيع لا هو ولا شركته أن يتغلب على هذا الحب المعذّب الوحيد الجانب.
الموضوعات الوثائقية شغلت بدورها ركنا مهماً من يوميات المهرجان، فإلى جانب فيلم الافتتاح تم عرض الفيلم التسجيلي اليوناني “أجراس-خيوط” للمخرجة ماريانا إيكونومو، ويطرح قضية الغيبيات والإيمان بحدوث المعجزات في أوروبا الحداثة والنزعة العلمانية من خلال دير القديس جورج في القسطنطينية الذي يؤمه المسلمون والمسيحيون في آن للتبرك وطلب المعجزات، كما عُرض الفيلم التسجيلي النمسوي “دعنا نصنع المال” للمخرجة إيروين مايرهوفر، ويتناول دورة المال وأسباب الأزمة الاقتصادية في جميع أنحاء العالم.
شملت العروض طيفا آخر من الألوان بعضها تاريخي كالفيلم الفنلندي “الحدود” للمخرج يوري تورهونين، ويدور حول قصة حب عاصفة نشأت بين مواطنة وجندي تم إرساله لإقامة الحدود الشرقية بين روسيا وفنلندا إبان انتهاء الحرب بين الدولتين. وبعض الأفلام ذات موضوع إنساني عام كالفيلم البلجيكي “الأوحد” للمخرج جيوفري إنتهوفن، ويتطرق من خلال شخصية الرجل الثمانيني لوسيان إلى معاناة الإحساس بالعزلة النفسية لدى المسنين بعد فقد شريك الحياة.
وكانت هناك محطة للدراما الغنائية الرومانسية ذات المضمون الاجتماعي الانتقادي مع الفيلم الفرنسي “نها فالا” للمخرجة فلورا غوم، الذي عالج مسألة الازدواجية في علاقة الإنسان المعاصر بالتقاليد والحداثة من خلال قصة الشابة «فيتا» التي تنحدر من منطقة الرأس الأخضر في فرنسا، حيث كل شيء يتم التعبير عنه بالأغاني، لكنها لا تستطيع أن تغني لأنها تنتمي إلى أسرة تؤمن بأن لعنة الموت سوف تطاولها، إذا قام أحد أفرادها بالغناء. وحين تذهب «فيتا» للدراسة في باريس، وتلتقي بحبيب عمرها الموسيقي بيير، تتغلب على مخاوفها، وتتحدى الخرافة بتسجيل أسطوانة بصوتها، لتكشف زيف المعتقدات الغيبية.
في الختام ربما تكون الإشكالات التي رصدتها الأفلام الأوروبية قد تقاطعت إلى حد كبير مع الإشكالات التي تعانيها بعض المجتمعات العربية، لكن حرية التعبير عن المضامين المطروقة عمّق من الوعي بأبعادها المختلفة، وجعل من أسلوب تناولها أكثر جاذبية وشفافية.
تهامة الجندي
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد