الطفل كائن يعشق الكتب والمطالعة...
لا يحتاج المرء إلى عناء كبير لشرح أهمية المطالعة، وصار من المعروف أن أبناء الجيل الجديد لا يكنّون محبة كبيرة للكتاب. البعض يعتقدون أن الكتاب منفّر، وأن قلة يتصالحون معه في مراحل مختلفة من حيواتهم. لكن التربويين والمحللين النفسيين يؤكدون أن المرء يحب الكتاب منذ سنّ صغيرة، وما على الأهل سوى تشجيعه بطريقة ذكية على تنمية هذا الاهتمام، وعملية التشجيع تبدأ قبل أن يبلغ الطفل عامه الأول
المطالعة هواية تكاد تنقرض، إذا ما نظرنا إلى اهتمامات الجيل الجديد، بل الجيل الآباء والأمهات الشبان. الشكوى تكثر، الكتاب لم يعد صديقاً للصغار، المعنيون يبدون كأنهم يطلقون صرخات في واد معزول تماماً عن الوسائط التي لا يستمع إليها اللبنانيون فقط، بل أبناء معظم الدول على الكرة الأرضية. كيف نجعل المطالعة واحدة من اهتمامات أولادنا وأولوياتهم؟ إنها عملية تبدأ في سن مبكرة جداً... عندما يبلغ الطفل 8 أشهر تقريباً.
مجلة «Psychoenfants» الفرنسية خصصت ملفاً لهذه القضية.ولفت التربويون المستطلعون في الملف إلى أن الطفل يُبدي حساسية أو اهتماماً ما تجاه الكتب عندما يصير عمره 8 أو 9 أشهر، تبهره ألوان الصور، قد يعشق ملامس الورق والغلاف، قد يشم الكتاب أو يلاعب الورق...
يذكّر معدّو الملف بمقولة المفكر بول ريكور، ويمكن ترجمتها بأن الإنسان هو كائن يمثّل التاريخ جزءاً مهماً من سيرته (l être humain est d abord et avant tout un être d histoire)، فهو ينشأ في إطار تاريخ عائلي واجتماعي وثقافي. والحكايات أو التواريخ التي نرويها له تساعده على النمو في إطار التفاعل مع علاقات مؤرّخة في ذاكرته، تنقل إليه الأفكار والمعايير.
تُجمع الدراسات التربوية على أن التواريخ (العائلية والاجتماعية و...) تسهم في بناء شخصية الطفل في مراحل نموه، الصور التي تنتمي إلى الحياة اليومية، تساعد الطفل على بناء قدرته على التواصل اللفظي، تساعده على تسمية الأشياء التي تحيط به، وعلى التفاعل مع ذويه. يولي الصغير في مرحلة الطفولة الأولى انتباهاً كبيراً لهذه الصور إدراكاً منه لأهميتها في قدرته على التواصل والكلام في المستقبل. في هذا الإطار يلحظ المحلل النفسي وطبيب الأطفال برنار غولس، في كتابه «les livres c est bon pour les bébés» أن الكتاب يثير توق الطفل إلى بناء لغته أو قدرته على التكلم.
أية كتب يحبها الأطفال؟ سؤال مهم، وفي الملف إجابة مطولة، يمكن اختصارها بالعنوان الآتي: «القصص مرآة المعيش»، فالقصص التي يحبها الصغار هي تلك التي تروي لهم ما يعيشونه في يومياتهم. إنها مصدر طمأنينة بالنسبة إليهم، يحبون أن يعرفوا إن كان البطل يأكل، أو لا يحب الأكل، يذهب للنوم باكراً أو لا، هل يصطحبه أهله إلى الحديقة أو دار الملاهي، هل يأخذ حماماً كل مساء... يحب الطفل أن يسمع بأن البطل يقوم بما يواجهه هو في حياته اليومية، أن تروى له قصص تتضمن الممنوعات نفسها التي تفرض عليه، أو أن يلعب البطل الألعاب نفسها التي يمارسها الصغير، الكتب التي تتضمن قصصاً مماثلة تحدث الطفل (بطريقة غير مباشرة) عن أمور تثير مخاوفه وقلقه، وتساعده على تخطيها.
يجزم الباحثون والتربويون المستجوبون ضمن هذا الملف بأن كل الأطفال يحبون القراءة، إنه أمر طبيعي، فالكتب تتحدث عنهم، وهي تمثّل وسيلة لتعلم تواصل لغوي راقٍ مع الأهل. إنه فرصة للتشارك والتعلم، لكنها عملية تجري من خلال الكتب بأسلوب ناعم وبنّاء. فمن خلال صوت أحد الأبوين ـــــ وهو يقرأ القصة للطفل ـــــ يشعر الطفل بحنان هذا الصوت، كذلك يُشرَك بنوع من التواطؤ مع من يقرأ له.
تشدد المعالجة النفسية ماري بونافيه على أنّ الاتصال المبكر بين الطفل والكتاب (أو القصص) هو اتصال مفيد جداً بالنسبة إلى الصغير، وهو ما سيساعده على «تذّوق» القراءة في ما بعد.
عندما يتعلم الطفل القراءة، فهل يجب على أهله أن يتوقفوا عن رواية القصص له؟ يجيب المختصون بالنفي عن هذا السؤال، فعندما يتابع الأهل عملية قراءة ورواية القصص مع الأطفال، فإن ذلك سيساعدهم على ترشيد خيارات الطفل، وتحفيزه على المطالعة، وسيمكنهم من الحد من ديكتاتورية التلفزيون، أي إنهم سيتمكنون أكثر من تحديد الأوقات التي يسمح فيها للطفل بمشاهدته، كذلك سيحدون من أوقات اللعب على الإنترنت أو التسلي بألعاب الفيديو. أوقات «القراءة المشتركة» _ إذا صحت التسمية_ هي أوقات تبادل غنية بين الأهل والطفل، عملية تجري بهدوء وتتركز على النص الموجود بصوره أمام أيدي الأهل والابن الذي سيشعر بأنه يريد إعادة رواية القصة لآخرين ربما، أو تكرار تصرف أهله عندما يكبر.
أخيراً، يجدر التذكير بأن الكتب والقصص المطبوعة ستسمح للطفل بأن يثري ثقافته ومعارفه بمعلومات جديدة، وتسمح له كذلك ببناء شخصيته وخياله.
- ماذا لو رفض الطفل المطالعة؟ المحلل النفسي الفرنسي ديديه بلو يدعو الأهل إلى عدم الاستسلام، فهذا الرفض قد يكون ناتجاً من المخاوف أو التثبيط الذي يعاني منه الطفل والذي يكون مرتبطاً أحياناً بالهدوء المصاحب لعملية القراءة. أما الباحثة آن لونشون، فهي تجيب بالعبارة الآتية: «لا تجبروا الطفل على القراءة رغماً عنه»، وترى أن رفض الصغير للمطالعة أمر مقلق حقاً، لكنه لا يمثّل مشكلة خطيرة، وتقول: «دعوه يعش مع كتب أو بدونها». كلام لونشون نابع من متابعتها للمارسات التي يقوم بها بعض الأهل بغية إجبار ابنهم، أو ابنتهم، على القراءة، وهي ممارسات تنفّر الطفل من عملية المطالعة، فإذا لم يدرك الأهل كيف يجعلون هذه الممارسة أمراً محبباً، فعليهم أن يدركوا أن الطفل قادر على التعلم مما يشاهده في حياته اليومية.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد