Google Latitude:العرب منعوها بحجّة... «مكافحة الإرهاب»

21-02-2009

Google Latitude:العرب منعوها بحجّة... «مكافحة الإرهاب»

في العالم المتقدّم، تعدّ كل طفرة تكنولوجيّة خبراً سعيداً لطوابير المستخدمين. وفي العالم العربي، تعدّ تلك الطفرة خبراً سيّئاً لأجهزة الأمن التي ستضطر إلى توسيع لائحة ممنوعاتها مرة جديدة. ربما لذلك اختصرت شركة «غوغل» الطريق ولم تُدرج أي دولة عربية ضمن نطاق برنامجها الجديد «غوغل لاتيتيود» (Google Latitude) الذي يتيح خاصيّة تتبّع مستخدمي الإنترنت لاسلكيّاً وفق إرادة المستخدم بالطبع. لم يغب العرب فقط عن 27 دولة بدأت الشركة بتطبيق برنامجها فيها، بل غابت العربية عن لائحة ضمّت 35 لغة يدعمها البرنامج، بينها الأستونية والفيتنامية!
خدمة «لاتيتيود» تتيح للمستخدم ـــــ عبر الكمبيوتر أو الخلوي ـــــ أن يُعلم أصدقاءه بمكان وجوده، أو يخدعهم بالإيحاء بوجوده في غير مكانه الحقيقي (ما قد يفرغ الخدمة من مضمونها؟). تعمل الخدمة عبر «خرائط غوغل»، وهي لا تفيد فقط في مجال العلاقات الاجتماعية، بل في حالات البحث عن تائهين أو ضحايا حوادث...
إطلاق هذه الخدمة أعاد إلى الأذهان ذكرى «مريرة» تتعلّق بخدمة GPS للهواتف الخلويّة، وهي شبيهة بخدمة «لاتيتيود»، لكنّها تعمل باستخدام الأقمار الصناعية من دون حاجة إلى الإنترنت. والأهم أنّه يمكن عبرها تتبّع أشخاص من غير علمهم، لكنّ ميزتها الأساسية هي إرشاد المستخدمين لا في حالات الحوادث فحسب، بل أيضاً في إرشادهم إلى المستشفيات والمطاعم وغيرها من مهمات خدماتيّة تصبّ خلالها التكنولوجيا في خدمة التجارة، والعكس صحيح. لكنّ خدمة مماثلة ـــــ كما هو متوقع ـــــ لم تلق ترحيباً من أجهزة الأمن العربية. ولئن مَنعها العراق قبل أيام من سقوط بغداد في قبضة الاحتلال، خوفاً من تتبّع قادته، فإنّ السلطات المصرية التي لا تواجه الظرف العراقي خاضت حرباً شرسة ضد خدمات التتبّع عبر الهاتف. وهي حرب «انتصر» فيها الأمن المصري حتى الآن. إذ لم يمنع دخول أجهزة هاتف «نوكيا» التي تحتوي على خدمة GPS فحسب، بل دفع شركة Apple إلى إلغاء تلك الخاصية من أجهزة «آي فون» التي تباع في مصر، واتخذ حذف الخدمة طابعاً «رسمياً»، مُعلناً على موقع الشركة على الإنترنت، التزاماً بالقوانين المصرية.
وعلى الرغم من أنّ خدمة «غوغل لاتيتيود» تتميز بزيادة خيارات الخصوصيّة عن «جي بي إس»، فإنّ جوهر الخدمتين واحد، وهو جوهر يتّسق مع عالم تخلّى عن ثقافة «ممنوع الاقتراب والتصوير»... تلك اللافتة التي تزدحم بها المدن العربية، فيما يمكن أيّ طفل أن يكشف تفاصيل التفاصيل في بلاده، عبر برنامج Google Earth الذي لا يقدّم صوراً مفصّلة فحسب، بل بثّاً مباشراً عبر خدمة Google Life. غير أنّ العالم العربي يرفض كسر احتكار أجهزة الأمن لخاصيّتَي التتبّع والمراقبة، اللتين توفّرهما الخدمات الجديدة. المفارقة أنّ الأجهزة العربية استوردت حججها من «العالم الحرّ»، إذ تمنع الخواص الجديدة في سياق «مكافحة الإرهاب»!
لكنّ صدى خدمة «لاتيتيود» لا يقتصر ـــــ بالتأكيد ـــــ على الهواجس الأمنية أو خصوصية المستخدمين، بل تعدّ الخدمة خطوةً رائدة في مجال استخدام الإنترنت لتقليص المسافة بين عالمين، هما عالم صناعة الهواتف الخلويّة وعالم صناعة الكمبيوتر، على الرغم من أنّ وقتاً طويلاً ـــــ بمقاييس عصر الاتصالات ـــــ قد مضى على استخدام الإنترنت في الهاتف الخلوي، إلا أنّ خاصية التتبّع ظلت حكراً على عالم الأجهزة اللاسلكية: الخلوي والـ«آي فون» باتصالهما بالأقمار الصناعية. أمّا التتبّع باستخدام خرائط «غوغل» ذلك المصدر «الإنترنتي»، فيعدّ «الكلمة الأخيرة» في مجال دمج الهاتف بالكمبيوتر، كما يُعدّ الخطوة الأكبر في سعي «غوغل» إلى بسط سيطرتها على سوق الهاتف، على الرغم من أنّ الشركة الأميركية العملاقة لا علاقة لها بعالم التصنيع، إلا أنّ خدماتها التي تتوالد بسرعة البرق وبتخطيط راق وبعيد المدى قد تمكّنها من إجبار الشركات المصنّعة مستقبلياً على مراعاة معايير «غوغل»، وهو أمر ليس غريباً. إذ مثلاً ما زالت شركة «مايكروسوفت» تحدد مسارات عالم «صناعة» الكمبيوتر بالطريقة نفسها، على الرغم من أنّها شركة برمجيات، لكن لا يمكن صناعة أجهزة كمبيوتر شخصية ـــــ أو ملحقات تلك الأجهزة ـــــ من دون مراعاة معايير مدى كفاءتها في تلبية «ويندوز».
المفارقة الأكبر تتأتّى من تزامن إطلاق خواص التتبّع من على الشبكة أو هاتفياً، مع الضغوط الذي تبذلها هيئات أهلية وحقوقية لمنع شركات الإنترنت العملاقة من التعاون مع أجهزة الأمن الشمولية، كما حدث غير مرة في الصين والعالم الثالث. تزداد ضرورة تلك الضغوط مع التطور التكنولوجي، خوفاً من أن نكتشف يوماً أنّ الأجهزة الأمنية قد سمحت بدخول تلك الخدمات، لاستخدامها الشخصي فقط!

 

محمد خير

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...