تياترو بين فواز حداد وباسم قهار .. المسرح سرّ الحب
يلجأ المخرج المسرحي باسم قهار في تجسيده المسرحي لرواية فواز حداد (تياترو 1949) إلى بناء مستويين في عمق مسرح الحمراء ، القسم العلوي هو مسرحا للسياسة وتجاذباتها مع نافذة خشبية مغلقة دوماً كدلالة على عالم السياسة المليء بالأسرار والتآمرات، والمستوى السفلي هو عالم المسرح وتدريبات الفرقة ونقاشاتها وأحلامها، وهو مرآة لوضع الشارع السوري إبان مرحلة الانقلابات والتخبط السياسي بُعيد الاستقلال .. بينما وظف المخرج مقدمة الخشبة لروّاد مقهى (الهافانا) الذي تأسست أحزابا فيه ومنه انطلقت الكثير من المظاهرات.. إضافة لفضاء حر في بقية الخشبة، في حين جسدت جوانب الخشبة المعتمة أقبية السجون والتعذيب المخابراتية..
مخرج العرض الذي لجأ إلى (المسرح داخل المسرح) في تياترو لم يجعل ديكوره ثابتا بل عمد إلى التبديل بين المستويين حيث نرى نقاشا سياسيا في المستوى السفلي بينما تحتدم نقاشات مسرحية أحيانا في المستوى العلوي (نقاشات الصحفي صبحي مع المخرج حسن فكرت حول عرضه)، يحاول مخرج العرض بأسلوب التقسيم هذا للخشبة والتبديل بينها محاكاة مرحلة سياسية مضطرمة في سورية حيث فوضى الانقلابات وتغيير الأقنعة هي سيدة الموقف لذلك المسرح (تياترو) حسب عنوان فواز حداد هو الشكل الفني المناسب للغوص في عمق المجتمع السوري آنذاك من خلال شخصيات (المسرحية الرواية) المهزومة، فالمخرج المسرحي حسن فكرت يعود بعد فشل ذريع ليؤسس مسرحاً جديداً في دمشق فاتحة أعماله مسرحية (شهداء الغرام) لمؤلفها الصحفي صبحي عباس وتسند بطولتها لعزوز الممثل المسرحي الذي يعمل دهاناً نهارا وممثلا مساء ليعيل نفسه وأمه، عزوز شخص مهزوم داخليا(نفسيا)وخارجيا (1948) حرب فلسطين، وبنفس الوقت هو عاشق مصدوم بحبيبته (الممثلة نوال) التي هربت من قريتها إلى دمشق بحثا عن عمل وآفاق رحبة في الحياة، تلتقي بعزوز فتراه أصغر من طموحها وأحلامها...
الملازم أسعد كسوب خرج من حرب (48) جريحاً ومحبطاً ومهزوما يهجر شعاراته (الوطنية)وينغمس في الواقع ليمشي مع التيار، فكان رجل كل الانقلابيين (سامي الحناوي وحسني الزعيم)يغير صور القادة مع كل بلاغ رقمه (واحد)، على مبدأ (اللي بيجوز أمي بناديه عمي) انه رجل المخابرات الأول الذي يصبح وفيا لمهنته فقط، فيدخل في صراعات سياسية مع الصحفي صبحي عباس و المخرج حسن فكرت، والمحامي أكرم بهدف إقناعهم بالانقلاب الجديد وديمقراطيه وهذا ما يؤدي بحسن فكرت للتخفي وانتحال شخصية رجل الأعمال السوري المقيم في مصر حبيب رزق الله المتوفى منذ خمس سنوات...(فكرت المغرم بماري جبران والساعي وراءها كيفما ذهبت...).
في تياترو ثمة خطان متوازيان الأول سياسي يتعرض للصراع على السلطة بين العسكر في سياق البحث عن مكانة البلد وتحالفاتها آنذاك، والخط الثاني مسرحي فني هو معادل للأول بأهميته، لكن هنا الصراع من أجل الحب ومعرفة سر الخلود، فعشق خشبة المسرح هو الضامن للاستمرار في الحياة لشخصيات تغالب هزائمها في المعيشة والسياسة والوطن، فهاهو حسن يشده دائما حب المسرح.. ومهما تقلبت أهواؤه يبقى منشدا لإكسير الحياة (المسرح) وعزوز يلقي بكل عذاباته وشقائه مساء في حضن دافئ يعزيه عن فقدان الحب والأمل (المسرح) في حين يداري صبحي الكاتب المسرحي المستجد هزيمة وطنه بعرض يحتفي بالبطولة والشهادة سعيا لاقتلاع هزيمة منكرة من ذهنه صنعها العسكر وشهوة السلطة...
عرض تياترو في احترامه الزائد للنص الروائي أضاع ربما الخط الفاصل بين شكلين من الإبداع (الرواية والمسرح) حيث زج بكل شخوص وأحداث الرواية على الخشبة فكنا أمام رواية منثورة على الخشبة مع إغفال شروط العرض والإعداد الذي يحول النص الروائي لنص مسرحي أساسه الدراما.. ما أدى إلى فوضى عارمة على الخشبة جعلت المشاهد في حالة (شربكة) وتشتت طوال ساعة ونصف تقريبا... كل ذلك صب في مصلحة الرواية العميقة التي ناوشها عرض القهار دون النيل منها ومن هيبتها...
بعض الممثلين في تياترو لم يضف شيئا لعروضه السابقة وآخرون تجلوا من خلال أداء مميز ينم عن فهم عميق للشخصيات وحركتها ونفسيتها وظروفها فمازن عباس يؤدي في تياترو دورا من أجمل أدواره المسرحية وأيضا شادي مقرش (دور الضابط كسوب)، بينما لم تقارب رنا شميس في تياترو أدوارها التلفزيونية وكان أداؤها عاديا...أما الفنان الكبير زيناتي قدسية (ملك الخشبة) فقد ضاع بين شخصية حسن وشخصية حبيب فلم يفرق المشاهد بين شخصيتين يفترض اختلافهما (حركيا وسلوكيا)...
تياترو (عرضت مؤخرا على مسرح الحمراء)
الإعداد: وائل سعد الدين الإخراج: باسم قهار الإنتاج: مديرية المسارح والموسيقا.
الديكور:نعمان جود الإضاءة: بسام حميديمخرج مساعد: عماد نجار الأزياء: ظلال الجابي..
الممثلون: زيناتي قدسية علي كريم مروان أبو شاهين شادي مقرش مازن عباس رنا شميس أميرة حذيفي قصي قدسية سامر جوجو نعمان حاج بكري فيحاء أبو حامد ماهر أحمد مضر سالم مجد شحيد.....
أحمد الخليل
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد