وزراء الخارجية يمنحون مساعي عمرو موسى في لبنان فرصة ثانية
على وقع إطلاق النار وسقوط القتلى والجرحى في شوارع الضاحية، كان وزراء خارجية الدول العربية يمنحون الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى فرصة ثانية لمساعيه في لبنان، مع سعي الى محو الآثار السلبية للجولة الأولى التي هددت المبادرة من خلال مسلسل التفسيرات للبند الحكومي من المبادرة. فقد ثبّت الاجتماع المبادرة كما هي، وأبلغ موسى بأن تفسير البند الثاني مسألة متروكة للّبنانيين، وليست من مهمة الجامعة العربية.
وبانتظار عودة موسى الذي باشر مساعدوه ترتيبات عقد اجتماع جديد بين الموالاة والمعارضة في وقت قريب، شهد لبنان فصلاً دموياً من خلال مواجهات مفاجئة بين مئات المتظاهرين المحتجّين على استمرار انقطاع الكهرباء وتدهور الوضع المعيشي، وقوات كبيرة من الجيش اللبناني، فيما دار همس عن وجود عناصر مسلّحة مجهولة وراء عمليات إطلاق النار التي أوقعت ثمانية شهداء وأصابت أكثر من خمسين متظاهراً بجروح مختلفة.
وإذ بدا أن الجميع لم يكن جدياً في التعامل مع خطورة الوضع، حتى وقعت الواقعة، فإن استمرار الأزمة السياسية سوف يفتح الباب أمام المزيد من المفاجآت الدموية، ما يفرض على الجانبين التعامل مع الحدث بدرجة أعلى من الجدية، فلا التظاهرات العشوائية من شأنها إفساح المجال أمام علاج جدي للوضع الاقتصادي والاجتماعي، ما يحتم على المعارضة ترتيب جدول أعمالها دون ترك الجمهور لأنشطة تؤدي الى ما أدت إليه أمس، ولا اللامبالاة والنكاية السياسية التي تعاملت بها سلطة 14 آذار تقيها شر الانفجار.
وأبلغت مصادر معنية أن اتصالات مكثفة جرت طوال ساعات أمس، وانتقلت الجهود الأمنية ليلاً لاحتواء الموقف على الأرض، فيما لم يكن أحد يملك فكرة عن مجريات اليوم لناحية تشييع الشهداء الذين سقطوا أو رد فعل الأهالي، فيما مارس المواطنون من تلقاء أنفسهم حظراً للتجول في كل المناطق. وتقفل اليوم المدارس والمؤسسات التربوية بقرار من الرئيس فؤاد السنيورة وسط توقعات بإقفال عام في مناطق عدة ولا سيما في مناطق المواجهات.
وقالت المصادر إن قيادة الجيش تبلغت من جهات سياسية في الضاحية الجنوبية أن عمليات قنص تعرّض لها المتظاهرون من مسلّحين انتشروا على أسطح مبان في عين الرمانة. وقد قام الجيش بعمليات دهم وأوقف بعض الأشخاص دون الإعلان عن نتائج التحقيق معهم، فيما كان قادة فرقه على الأرض يتهمون المتظاهرين بأن بينهم من يحمل السلاح وأن إطلاق نار تعرض له الجنود، أجبرهم على الرد في بعض الحالات. وأبلغت قيادة الجيش قيادتي حركة أمل وحزب الله أنها فتحت تحقيقاً لمعرفة أسباب إطلاق النار وتحديد مصدر الطلقات التي أدّت الى سقوط القتلى والجرحى.
واتهمت مصادر سياسية في الضاحية «جهات بتوريط الجيش في المواجهة» مؤكدة «أن العدد الأكبر من القتلى سقط برصاص الجيش، والأمر تجاوز ما كان متوقعاً». وقالت هذه المصادر إن «على قيادة الجيش المسارعة الى إعلان مصدر إطلاق النار، فإذا كان الرصاص مصدره الجنود يجب شرح الامر، وإذا كان من جهات أخرى، يجب عدم تجهيل الفاعل». وعلمت «الأخبار» أن رسائل قاسية للغاية بُعث بها الى قائد الجيش العماد ميشال سليمان وأن إحداها تضمّنت عبارات من نوع «ان الضاحية الجنوبية ليست نهر البارد».
وليلاً أصدر حزب الله بياناً أشار الى «تجمع عدد من المواطنين احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي المستمر والأوضاع المعيشية الصعبة. ولدى وصول قوة من الجيش اللبناني لتفريق المتظاهرين وتدخل لجان من حركة أمل وحزب الله لسحب المحتجين، حصل إطلاق نار أدى إلى استشهاد أحمد حسين حمزة الذي كان يعمل على معالجة الإشكال. وقد بذلت جهود كبيرة لإقناع المحتجين بإنهاء حركتهم ولكن للأسف تعرّض هؤلاء المواطنون من جديد لإطلاق النار، مما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى الذين كان يعمل بعضهم في إطار لجان الانضباط والدفاع المدني وإلى مزيد من التوتر في الشارع».
وقال البيان إنه «أمام هول هذه الجريمة نؤكد أن ما حدث جريمة كبرى ارتكبت ضد مطالبين بحقوقهم المعيشية، وقد ارتكبت على وقع تهديدات السلطة ووعيدها للمطالبين بلقمة العيش، وهي لم تتوانَ عن اتهام الناس بالمسؤولية عن فقرهم وعوزهم وانقطاع الكهرباء عنهم، والتحريض عليهم لتوريط الجيش في مواجهة مع الفئات الشعبية الكادحة ليتسنّى لها تحقيق مآرب سياسية وأمنية».
كما حمّل البيان «سلطة الأمر الواقع الحاكمة وأركانها المسؤولية عن كل قطرة دم سفكت». ودعا «قيادة الجيش للإعلان الواضح والصريح للبنانيين ولأهالي الشهداء المظلومين والجرحى عن الجهة المجرمة التي قتلت مواطنين أبرياء، فهل الذين سقطوا شهداء وجرحى سقطوا برصاص الجيش، وبالتالي من أصدر الأمر للجنود بإطلاق النار ومن يتحمّل مسؤولية ارتكاب هذه الجريمة المروّعة، ولحساب من؟ أم أن هناك جهة أخرى، فمن هي؟ إذ إن تجهيل المجرم أو التغطية على الجريمة إمعان في استباحة الدماء البريئة، وتهديد الاستقرار والسلم الأهلي في البلاد. وسنتابع هذا الأمر حتى كشف هوية القتلة والجهات التي تقف وراءهم وسنكون بانتظار نتائج التحقيق التي سنتابعها بشكل حثيث ويومي ليُبنى على الشيء مقتضاه».
وأصدرت حركة «أمل» بياناً دعت فيه مناصريها الى الهدوء وعدم القيام بردود فعل في الشارع، لافتة الى أن الشهيد حمزة كان يعمل ضمن لجنة التنسيق مع استخبارات الجيش لتهدئة الأمور في منطقة مار مخايل وقد أصيب برصاص مجهولين ما أدى الى استشهاده. وأكدت أن قيادة الجيش سوف تفتح تحقيقاً جدياً في الحادثة، فيما كان الرئيس نبيه بري وقيادة الحركة يتولون الاتصالات المفتوحة مع العناصر الموالية في الضاحية ومع قيادة الجيش والأجهزة الأمنية لاحتواء الموقف.
وأصدرت قيادة الجيش بياناً أهابت فيه بالمواطنين «التحلّي بروح المسؤوليّة الوطنية والتعاون مع هذه القوى الساهرة على أمنهم واستقرارهم»، فيما شكا إعلاميون من وسائل عدة «التعامل العنيف لعناصر الجيش معهم»، ولوحظ أن قناة «المنار» عرضت مشاهد للمداهمات مع انتقاد واضح لتصرف عناصر الجيش.
وبينما رأى رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع «أن هذه التحركات للضغط على وزراء الخارجية العرب للخروج بتوصيات معينة»، اتهم أشخاصاً «مرتبطين بأجهزة مخابرات غير لبنانية» بالوقوف وراء الأحداث.
أما فريق 14 آذار فقد اتهم «قوى المحور السوري ـــ الايراني» بـ«تفجير الأوضاع وافتعال شغب خطير» محمّلاً «قوى 8 آذار» مسؤولية القتلى والجرحى، ومحذراً «قوى التخريب والشغب من أن «أي محاولة لإعاقة الدور الوطني للجيش اللبناني ستلقى رفضاً جامعاً من اللبنانيين وتصدياً وطنياً شاملاً من 14آذار».
في هذه الاثناء كانت القاهرة تشهد اجتماعاً لافتاً لوزراء الخارجية العرب بشأن ملفّي لبنان وفلسطين، وانتهى الاجتماع الموسّع الرسمي في وقت متأخر من ليل امس بعد سلسلة من الاجتماعات الثنائية والرباعية والخماسية الى نتائج عدة لخّصتها مصادر دبلوماسية عربية لـ«الأخبار» بالآتي:
أولاً: عرض موسى أمام الوزراء في الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية حصيلة مشاوراته في بيروت من زاوية أنه يحتاج الى دعم أقوى من سوريا والسعودية لإنجاز الاتفاق اللبناني. وبرر إعلانه تفسيراً للبند الثاني من المبادرة بأنه «رد إلزامي» منه على تضارب التفسيرات من جانب الأطراف اللبنانية. وأبلغ موسى في المشاورات الجانبية، كما في الاجتماع الرسمي، بأن الجامعة العربية تثبت المبادرة كما هي دون أي تعديل أو تفسير، وأن مهمة البحث في نوعية وحجم التمثيل الوزاري للأطراف اللبنانية مسألة لبنانية بحتة وليست من مهمة الجامعة العربية، وبالتالي فإن موسى لا يمكنه التحدث عن تفسير صادر عن الجامعة العربية.
ثانياً: حاولت السعودية ومصر تجاوز النقاط الخلافية والعودة الى تجزئة الحل. وطرح الوزيران سعود الفيصل وأحمد أبو الغيط العمل رسمياً على تحقيق انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في الحادي عشر من شباط الجاري، وترك الملف الحكومي وقانون الانتخاب الى مفاوضات ومشاورات يجريها الرئيس بعد انتخابه مع الأطراف المعنية. لكن مداخلات عدة بعضها اتسم بالحدة، وشارك فيها وزراء خارجية سوريا وقطر وعمان وليبيا، حسمت أن المبادرة متكاملة ولا إمكان لأي تجزئة، وأن الحل يكون بصورة تشمل كل نقاط المبادرة، وأن مهمة الجامعة العربية مساعدة اللبنانيين على إنجاز الاتفاق سريعاً.
ثالثاً: حرص السعوديون والسوريون على تجاوز الانطباع السلبي عن علاقتهما وتأثرها بملف لبنان أو تأثيرها على الملف اللبناني. وتأبّط الوزير السعودي ذراع نظيره السوري ودخلا معاً إلى قاعة الاجتماع. لكن المداولات الداخلية أظهرت استمرار التفاوت في ما بينهما، علماً بأن الجانب السعودي بدا ممتعضاً من إشارة موسى خلال عرض تقريره الى أن الرياض تملك نفوذاً في بيروت لا يقل تأثيراً وقوة عن نفوذ سوريا، وأنه ينتظر الدعم من الجانبين. وقد حرص الوزير المعلم على تذكير الحاضرين بأن الاتفاق أمر يخص اللبنانيين ولا يمكن أن يفرض عليهم أي شيء، فيما احتج الوزير الليبي على محاولة ابتزاز سوريا في لبنان بملف القمة العربية المقبلة.
رابعاً: حذر موسى الحاضرين صراحةً من أن فشل المبادرة العربية سوف يفتح الباب أمام مداخلات لقوى إقليمية ودولية في إشارة الى التدويل الذي يفكر به البعض في لبنان وفي خارجه. وذكر موسى أنه يريد دعماً مباشراً لمهمته في ما خص مساعدة الأطراف اللبنانية على التوافق، وهي الفقرة التي أضيفت على البيان الختامي، لكن بعد تشديد على أن ذلك لا يعني تحمّل الجامعة أي موقف مسبق من التفسيرات.
خامساً: التزام بعض النقاط ذات البعد التوضيحي مثل الإشارة الى ضرورة التزام البيان الوزاري «العناصر الرئيسية» التي وردت في البيان الوزراي القديم، في إشارة الى ملف سلاح المقاومة وموضوع التوطين والمحكمة الدولية والعلاقات مع سوريا، بالاضافة الى عدم الالتزام مسبقاً بمسألة الضمانات وترك الباب مفتوحاً أمام العودة إليها إذا كانت ضرورية لتنظيم الاتفاق اللبناني الداخلي، ولا سيما أن موسى حصل على دعم في ما خص «تولّيه معالجة مسألة التمثيل في الحكومة».
وكانت اللجنة الخماسية العربية المعنية بالأزمة اللبنانية قد عقدت اجتماعاً تشاورياً مغلقاً في النادي الدبلوماسي المصري بحضور عمرو موسى ووزراء خارجية مصر والسعودية وسوريا وسلطنة عمان وقطر، كما عقد اجتماع بين موسى والمعلم ظهراً. وعقدت اجتماعات أخرى على مستويات عدة.
- في ما يأتي نص البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب بشأن الأزمة اللبنانية:
«انعقد مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في جلسة مستأنفة لدورته غير العادية يوم 27/1/2008 للتباحث حول نتائج الجهود المبذولة لتنفيذ خطة الحل المتكاملة للأزمة اللبنانية، والتي سبق للمجلس أن أقرّها في بيانه رقم 113 بتاريخ 5/1/2008.
واستعرض المجلس ما جاء في تقرير الأمين العام حول مهمته في لبنان، واستمع إلى التقييم الذي قدّمه حول نتائج تلك المهمة وتوصياته لمواصلة المساعي العربية لتنفيذ المبادرة. وعبّر المجلس عن قلقه البالغ من استمرار حدة هذه الأزمة وتداعياتها الخطيرة على أمن واستقرار لبنان.
وبعدما تداول المجلس في مختلف المستجدات والأبعاد المحيطة بالأزمة اللبنانية والعقبات التي لا تزال تعترض تنفيذ المبادرة العربية، وخاصة التباعد الكبير بين موقفي الأكثرية والمعارضة في ما يتعلق بنسبة تمثيليهما في حكومة الوحدة الوطنية، خلص المجلس إلى إقرار ما يلي:
1 ـــ تأكيد الإجماع العربي على الالتزام بالبنود الواردة في المبادرة العربية نصاً وروحاً، والعزم على مواصلة الجهود لتنفيذ هذه المبادرة.
2 ـــ الإشادة بالجهود التي بذلها الأمين العام وحث جميع الأطراف اللبنانية على التجاوب مع مساعيه، والاستمرار في اللقاءات التي بدأت بين أقطاب الأغلبية والمعارضة بدعوة من الأمين العام لتنفيذ بنود هذه المبادرة المتكاملة، ودعوتها إلى:
أ ـــ إنجاز انتخاب الرئيس التوافقي العماد ميشال سليمان في الموعد المحدد لجلسة الانتخاب في 11/2/2008.
ب ـــ إجراء المشاورات للاتفاق على أسس تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
ج ـــ بدء العمل على صياغة قانون جديد للانتخابات النيابية فور تشكيل الحكومة.
3 ـــ قيام الأمين العام بمعالجة نسب التمثيل في الحكومة مع الطرفين المعنيين في اجتماع الأطراف اللبنانية المشار إليها، ودعم جهود الأمين العام في مساعدة تلك الأطراف على الوصول إلى حل توافقي في ما بينها.
4 ـــ في ضوء الخلافات التي يشهدها لبنان، يوصي المجلس كافة القوى السياسية اللبنانية بالانطلاق من العناصر الرئيسية التي جاءت في البيان الوزاري للحكومة الحالية بهدف الاتفاق حول التوجهات العامة لعمل الحكومة المقبلة.
5 ـــ بحث إمكانية توفير الضمانات والتطمينات المتبادلة بين الفرقاء اللبنانيين للمساهمة في بناء الثقة، بما في ذلك التفاهم على استمرار حكومة الوحدة الوطنية.
6 ـــ التحذير من مغبّة تصعيد مظاهر التوتر في الشارع وتصاعد حدة الحملات الإعلامية، ودعوة كافة الأطراف إلى الالتزام بضبط النفس درءاً للفتنة ووقف حدة التوترات بما يسمح بمواصلة المساعي لتنفيذ المبادرة العربية في مناخ إيجابي.
7 ـــ إبقاء جلسات المجلس مفتوحة لمتابعة المستجدات».
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد