حملة حكومية لتنصيب دمشق عاصمة للفصاحة
من الآن فصاعداً، اذا أراد أحد الديبلوماسيين في دمشق تناول غداء عمل في مطعم «لافونتانا» الايطالي في حي المزة، جنوب دمشق، عليه ان يبحث عن مطعم يحمل اسم «النافورة». وعلى من يريد، في سورية، تسمية مولوده اسماً اجنبياً، الحذر والبحث عن اسم عربي قح. كذلك حال ابطال الدراما السورية الذين يتوجب عليهم البدء بالتكيف تدريجاً للتحدث بلغة وسط بين المحكية والفصحى قبل الانطلاق الى المرحلة الثانية القائمة على الحديث بلغة فصيحة فقط. هذه بعض النتائج التي يتوقعها رئيس «لجنة تمكين اللغة العربية» الدكتور محمود السيد، لمناسبة اختيار «دمشق عاصمة عربية للثقافة» للسنة 2008.
وكان مقرراً ان تنجز اللجنة التي ترفع تقاريرها الى نائبة الرئيس السوري للشؤون الثقافية نجاح العطار، مسودة قانون يقضي بالتزام كل الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة توصياتها و»وضع خطة بغية الارتقاء باللغة العربية»، لكن تقررت العودة الى «قانون حماية اللغة العربية» الصادر العام 1952.
وبموجب التعليمات الجديدة، فإن اسماء الفنادق والمحلات ذات الصفة العالمية، يجب ان تكتب باللغة العربية الى جانب الاجنبية. ويوضح السيد: «اذا كان اسم المحل اجنبياً (لكن ليس جزءاً من سلسلة عالمية) يجب تعريبه وان يوضع الاسم باللغة العربية أولاً». ويعني هذا ان المطعم الدمشقي الشهير «نيوترون» صار اسمه «النواة» مع تقديم لهذا الاسم. كما هي الحال مع سلسلة مقاهي «لا نوازيت» التي بات اسمها «البندقة».
ولا تشمل هذه التعليمات اسماء المطاعم والفنادق فحسب، بل تمتد الى الانتاج الثقافي والتعليمي والاعلامي، اذ اشار رئيس اللجنة الى ان «التوجه هو ان تكون المواد الاعلامية والدرامية بالفصحى، لكن بالتدرج وقدر الامكان وليس دفعة واحدة... نريد روح العامية وثوب الفصحى».
هل هذا يعنى ان الجزء الثالث من مسلسل «باب الحارة» الشامي سيكون بالفصحى؟ وكيف سيتحدث «العقيد» الى «ابو عصام» والأخير لزوجته سعاد؟ الاجوبة رهن تنفيذ هذا الاتجاه وسرعته وما اذا كان سيشمل جميع الانتاج الدرامي أو بعضه، كما هي الحال مع مسلسل «سقف العالم» الذي مزج بين المحكية والفصحى، وشارك اخيراً مخرجه نجدت انزور وكاتبه حسن يوسف في ندوة عن «دور الدراما السورية في تمكين اللغة العربية».
وتشمل «الخطة الوطنية» ايضاً التدخل في اعلانات الطرق، بحيث تمنع الاعلانات باللغة المحكية او باخطاء املائية او قواعدية، اضافة الى تدخلها في الجمل والعبارات التي تكتب على السيارات الخاصة او العامة. واشار الدكتور السيد الى «مثال حي: هناك شعار يقول: دارك داريها. اننا نريد تصحيحه بحيث يصبح: دارك دارها».
وكانت اللجنة خاطبت ايضا وزارة الاوقاف طالبة اشتراط موافقتها على تعيين خطباء المساجد بناء على قدرتهم على التحدث باللغة الفصحى، لأن الاتجاه هو لإلزام الخطباء «القاء الخطب بلغة فصيحة وصحيحة وتناول قضايا معاصرة». وزاد السيد: «يجب ايضاً على المعلمين التحدث بالفصحى. ليس فقط اساتذة اللغة العربية، بل جميع الاساتذة. لا نطلب لغة مقعرة او لغة ابي حيان التوحيدي بل لغة فصيحة وبسيطة» على ان تبذل جهود لتعديل المناهج التربوية للوصول الى «لغة الحياة وليس لغة وحشية».
وبحسب رئيس اللجنة، فإن الخطة تهدف ايضا الى تأهيل المشرفين على رياض الاطفال لـ «البدء بهم وتعليمهم» بالتوازي مع الزام سائقي الباصات التحدث معهم... بلغة فصحى. وقال: «نريد كل ما تقع عليه عين الطفل في الحافلات والمحلات والمدارس والشوارع والتلفزيون والمطعم، ان يكون فصيحا» وصولا الى الجامعات الخاصة التي يدرس بعضها باللغة الانكليزية.
وهل يعني هذا منع أي شخص من تسمية ابنه اسما اجنبيا؟ أجاب السيد: «لم نتعرض لهذا الأمر. لكن الطبيعي ان تكون الاسماء عربية ولها دلالات عربية وليست اسماء اجنبية»، مشيراً الى ان البعض شاور اللجنة في تسمية محله اسم «كليوبترا» فأجابته بالموافقة كما هي الحال مع اسم «ملقة» لأنه «عربي أصيل»!
إبراهيم حميدي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد