127طناً من المياه المستوردة شربها المواطنون بعلم المعنيين رغم تلوثها
نعترف..! انها ليست المرة الأولى ولن تكون الاخيرة التي نشرب او نأكل فيها اطعمة او مشروبات غير صالحة للاستهلاك البشري.
والفضل في ذلك يعود الى الفاسدين من بعض موظفي الجمارك ومديريات التجارة الداخلية في دمشق وريفها. الذين وجدوا ان وجبات اللحوم الفاسدة التي تقدم في عدد من المطاعم لا يمكن للمستهلكين ابتلاعها الا بشرب المياه.
لذلك وشفقة بالذين يأكلون كي لا يغصوا رأت حفنة من عناصر الجمارك في مركز نصيب درعا ان تغض النظر عن خمس سيارات كبيرة محملة بـ127.720 الف كيلو غرام من عبوات المياه المعبأة الملوثة القادمة من الاردن الى شفاهنا مباشرة دون ان تمر على مخبر خاص او عام للتأكد من سلامتها صحياً.. خاصة ان الصفقة فيها من المخالفات ما يحرك لدى المخلص الجمركي الحس الوطني كي يوقف عملية ادخالها او حتى يرفضها.. ولكن كما يقولون: «اذا اطعم الفم عميت العين»!!.
القضية باختصار.. انه بتاريخ 18 آذار 2007 دخلت الى القطر 5 شاحنات تحمل على ظهرها 127.720 الف كيلو غرام من مياه الشرب بلد المنشأ الاردن والشركة المصدرة هي الزينة لمعالجة وتعبئة وتسويق المياه.. كما جاء في البيان الجمركي لمديرية جمارك درعا (نصيب) برقم ايصال 17275 حتى الآن الامر يبدو بدون مشكلات لكن بمجرد قراءة لصاقة عبوات المياه المستوردة نجد انه كتب عليها باللغتين العربية والاجنبية «فيجة» و (VEGA WATER).
ولما كان معمل تعبئة مياه الفيجة في سورية قد باشر عمله التجريبي قبل موعد ادخال الصفقة الاردنية وبالتالي عبوات مياه الفيجة اصبحت في متناول يد المواطن. فمن الطبيعي ان تسأل الجمارك مديرية حماية الملكية الصناعية والتجارية في وزارة الاقتصاد عن كيفية التعامل مع هذا المنتح الوارد او على الاقل تتأكد من شهادة المنشأة والعلامة الفارقة المسجلة في مديرية حماية الملكية الصناعية الاردنية والتي تبين ان اللصاقات الموجودة على عبوات المياه المستورة فيها غش وتدليس وتقصد علانية الاساءة الى المنتج السوري الوليد.
وبالعودة الى سجل العلامات التجارية في مديرية حماية الملكية الصناعية في الاردن نلاحظ ان شركة الزينة للمياه تم قبول طلبها بتاريخ 16/10/2006 لتسجيل العلامة التجارية (VEGA WATER)وفوق هذه العبارة شكل مرسوم يمثل نقطة مياه وتحتها مكتوب باللغة الاجنبية ايضا حرفي (ZW) ولم تتضمن العلامة اية كلمة باللغة العربية في حين اللصاقات على العبوات الاردنية المستوردة مكتوب (فيجة) باللغة العربية صراحة وبحجم كبير اي بشكل مشابه لعلامة فيجة مع رسم شلالات مياه السورية والمسجلة في حماية الملكية تاريخ 15/5/2006. بكل بساطة كان يجب على جمارك درعا ان ترفض هذه الصفقة لما تتضمنه بياناتها من تزوير.. ولكن.؟
لقد استطاع المستورد ادخالها الى اسواقنا المحلية فما كان من المؤسسة العامة للصناعات الغذائية الا ان طلبت من وزارة الاقتصاد والتجارة عبر وزارة الصناعة بالكتاب رقم 893/ص تاريخ 22/4/2007 ملاحقة الموزعين والتأكد من سلامة المياه كونها معبأة في حوض الاردن بعد المعالجة وليست طبيعية كمياه الفيجة المنتجة من قبل معمل المؤسسة.
وزارة الاقتصاد بدورها كلفت بتاريخ 9/5/2007 مديريات التجارة الداخلية في كافة المحافظات بالبحث والتحري عن عبوات مياه فيجة التي تحمل بطاقة بيان انها معبأة في الاردن من قبل شركة الزينة وتقوم شركة هيكل بتسويقها داخل سورية وطلبت الوزارة حجز الكميات المطروحة في الاسواق لان في ذلك تدليساً على المواطن مع العلم ان معمل تعبئة مياه الفيجة قيد التجارب واسم فيجة مسجل بمديرية حقوق الملكية تحت رقم 4985 تاريخ 15/5/2006 باسم المؤسسة الغذائية.
كما طلبت الوزارة من مديرياتها اتخاذ الاجراءات القانونية بحق المخالفين وذلك حفاظاً على سمعة المنتج السوري وخاصة ان المياه معالجة كيميائياً ولا تتمتع بمواصفات مياه نبع الفيجة.. لافتة الى ان الجهة الاردنية تستغل دون حق شرعي للماركة التجارية المذكورة اعلاه (فيجة) السورية.
وبموجب هذا الكتاب الصادر عن وزارة الاقتصاد كان من المفروض ان تتحرك مديريات التجارة الداخلية بسرعة الا ان تلكؤ مديرية دمشق دفع المهندس رياض الحمصي من مؤسسة غذائية الى القيام بجولات داخل اسواق العاصمة والريف لمراقبة المحلات التي تبيع «فيجة» المزورة ثم يعود الى مديرية تجارة دمشق لاخذ دورية الى المحل الموزع من اجل حجز العبوات وهكذا تكرر هذا الامر عدة مرات ما ادى الى حجز كميات من هذه العبوات. ولكن لاعتبارات شخصية تنصلت المديرية من امر الملاحقة من خلال تحليل عينة من هذه المياه الاردنية لتعلن النتيجة خلال ايام ان المياه مطابقة للمواصفات القياسية السورية. وتحيل الامر الى النيابة العامة بدمشق تحت جرم تقليد علامة فارقة فقط.
أما في مديرية تجارة ريف دمشق فإن التواطؤ مع الموزعين اخذ شكلاً آخر حيث بدأت المديرية اولاً بالمماطلة في البحث عن هذه العبوات من تاريخ تلقيها كتاب الوزارة بتاريخ 9/5/2007 وحتى تاريخ سحب عينة من المياه المخالفة بتاريخ 2/7/2007 اي حوالي شهرين.. واستغرق مشوار العينة الى مختبر التحليل الى حين صدور النتيجة اكثر من شهر اي بتاريخ 5/8/2007 التي تقول: ان العينة المأخوذة من مياه تعبئة شركة الزينة من حوض الازرق الاردن والموجودة لدى الموزع مستودع الوديع في جرمانا (غير مقبولة جرثومياً لارتفاع التعداد العام للجراثيم الهوائية فيها).
وطبعاً مديرية تجارة الريف لم تكن لتعلن نتيجة العينة لو لم تعلم علم اليقين اننا قد شربنا المياه الاردنية الملوثة بالكامل ولم يبق منها في الاسواق المحلية قطرة واحدة حفاظاً على العهد. حيث كان الاعلان من خلال الكتاب رقم 6059/1771 الموجه من المديرية الى وزارة الاقتصاد بتاريخ 10/10/2007.
هل لاحظتم معنا.. ان تحليل قطرة مياه استغرق خمسة شهور كاملة.. للتأكد من عدم صلاحيتها للاستهلاك البشري علماً ان عناصر دائرة حماية الملكية في مديرية التجارة بدمشق اكدوا لنا ان لون المياه ورائحتها الكريهة توحي بانها ملوثة. وبالتالي كان من المفترض من عناصر دائرة حماية المستهلك الشك مباشرة بنتائج مخبرها الذي تم فيه تحليل عينة من هذه المياه وبالتالي اعادة التحليل .. لا انتظار مديرية تجارة الريف 5 شهور لتقول لنا انكم شربتم مياهاً فاسدة..؟
إن إثارة موضوع المياه المعبأة من قبلنا ليس فقط للقول: ان كميات منها تدخل الى القطر ملوثة وقد تحتوي مواد كيميائية مضافة تحت اسم معادن وفيتامينات بكميات قد تسبب الامراض وحتى السرطانات. بل للاشارة الى ان مديريات الجمارك والتجارة الداخلية تسيء مباشرة الى المنتجات الوطنية وتساهم مع بعض ضعاف النفوس من التجار في تسميم المستهلك جسدياً ونفسياً نظراً لوجود بعض الفاسدين في اروقة هذه المديريات وعدم محاسبتهم من قبل الادارات.. والامر الثالث الذي يمكن ان نستخلصه من هذه القضية هو ان اي مادة فاسدة تدخل الى القطر او تنتج بداخله يمكنها ان تمر الى معدة اي مستهلك بسهولة اذا كانت مواصفاتها من حيث الشكل لا تدل على فسادها مع احتمال ان يتم هذه الامر بمساعدة عناصر من الجمارك والرقابة التموينية وحتى الصحية.
لذلك ما على المستهلك الا ان يتعاقد مع مخابر في سويسرا والمانيا كي يبعث اليهم بعينات من كل وجبة غذائية سوف يتناولها.. واذا لم يستطع فعل ذلك فعلية في هذه الحالة شراء منزل يقطنه بجوار مشفى ينتقيه بحيث يكون عدد الداخلين اليه مساوياً مع الخارجين منه «احياء» طبعاً!
عمران محفوض
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد