حلب عاصمة التلوث

20-09-2007

حلب عاصمة التلوث

راهنوا على الصناعة فخربوا البيئة والنتيجة أمراض وسرطانات وشكاوى لاتنتهي وليس من مجيب فمدينة حلب تحتضن المآسي ومحيطها يزخر بالمناطق الملوثة من الحيدرية فالشيخ سعيد السكري تل الزرازي­ الانصاري الغربي­ صلاح الدين­باب النيرب­الفردوس طريق الباب وهكذا الى المسلمية وغيرها.. وماأدراكم ما المسلمية؟ أكوام من النفايات ومقبرة لسيارات قديمة وخردة حتى باتت بؤرة للتلوث بدءاً من الهواء والمياه الى البساتين التي جفت ويبست والمتهم الأول في ذلك معمل الاسمنت الذي دعم الاقتصاد وخرب البيئة وحملها فوق طاقتها فأضر بها ولوثها وضرب في الأعماق صحة الانسان.

منطقة الشيخ سعيد تعاني من دمار بيئي ووصل الأمر الى سقاية خضراواتها بمياه الصرف الصحي وهي من المناطق الملوثة بالمياه الصناعية كالدباغات والمصابغ ورحبات الاصلاح والمسالخ وهذا يفسر نسبة السرطانات العالية في المنطقة ويؤكد الاختصاصيون ان ذلك يعود الى المياه الملوثة التي أضرت بالمزروعات والتربة وآبار الشرب حيث كان من المفترض أن تكون محطات معالجة في المنشآت الصناعية ولكن للأسف المصلحة والمال فوق البيئة والانسان!! ‏

أما سكان منطقة خان العسل فقد ناشدوا المعنيين مراراً وتكراراً لتخليصهم من الملوثات ومخلفات المصانع الضارة بالصحة والبيئة والزراعة والمياه الجوفية حيث تقوم هذه المصانع برمي مخلفاتها في الوادي المؤدي الى منطقة خان العسل وقد وصلت الملوثات الى البيوت وغمرت الأراضي والساحات وبالرغم من الأضرار الكبيرة والتلوث الذي أصاب المنطقة فان الحلول والمعالجات مازالت غائبة!! ‏

ولحي الراشدين نصيبه من التلوث من خلال خلط مياه الشرب بالصرف الصحي والاصابات البشرية والأمراض خير دليل على ماوصلت إليه الأمور!! 
 والأمر لايقف عند هذه المناطق فقد تعداها الى كفر حمرة التي تعاني وبشكل كبير من الأمراض السرطانية وكذلك الشقيف وعين التل والحيدرية وجبرين والمنصورة وكفرداعل والقائمة مستمرة!! ‏

فالمطالبات تكررت والشكاوى كثرت ولم تصل الناس الى حلول والتلوث البيئي والصناعي بات خطراً على الصحة العامة من خلال غذائه ومائه والمسألة مازالت عالقة. ‏

أما سوق الهال فيعتبر بؤرة للتلوث والاختناقات والازدحامات المرورية فهل يحتاج الأمر أيضاً لعشرات السنوات القادمة لايجاد الحلول والمعالجة؟!! ‏

ولمعامل القطاع العام حكايتها مع التلوث... أما معامل القطاع الخاص فاعتادت أن ترمي ملوثاتها في أحضان البيئة وأبى معظم أصحابها أن يستجيبوا لدعم وحماية البيئة لأن همهم الوحيد حماية مصالحهم وأموالهم ولايهم مدى الخراب والأذى الذي يلحق بمحيطهم وأناسهم!! ‏

اذاً في حلب وأطرافها /15/ منطقة صناعية تحوي /10/ آلاف منشأة صناعية وأكثر تزيد وتفاقم مشاكل التلوث بدءاً من الهواء والماء والتربة... وعدد قليل منها فقط لديه محطة معالجة فمن يطبق ويتماشى مع قانون حماية البيئة؟ ومن يكون التطنيش لغته وأسلوب حياته!... وكيف يمكن الزام هؤلاء بإحداث محطات معالجة لديهم حماية للانسان وصحته ان كانت تهمهم أصلاً؟!! ‏

ولأن حلب كغيرها من المحافظات ملوثة هوائياً فقد أكدت نتائج الدراسات على أن العوالق الهوائية الكلية والعوالق الهوائية التنفسية هي من أهم الملوثات الفعالة التي تؤثر في تدني نوعية الهواء وأوضحت القياسات أن متوسط التراكيز اليومية للعوالق الهوائية الكلية تجاوزت الحدود المسموح بها بحسب المواصفات السورية. ‏

وبالنسبة للملوثات الغازية أشارت القياسات الى تدني نوعية الهواء الذي أصبح محملاً في بعض المناطق بتراكيز مرتفعة من أكاسيد الكبريت وأكاسيد النتروجين وهباب الفحم وغيرها وهذه المركبات معروفة بتأثيراتها الصحية وماتسببه من أذى للجهاز التنفسي وتهيج العيون والربو والتهاب القصبات والسعال وغيره.. ‏

كما أشارت نتائج دراسة أولية قصيرة الأمد لتلوث الهواء في مدينة حلب وماحولها من المناطق الصناعية على أن التراكيز الساعية لغاز ثاني أكسيد الكبريت كانت أعلى من الحدود المسموح بها (الشيخ سعيد والشقيف) أيضاً أكاسيد النتروجين مرتفعة بحلب أما الضجيج فمستوياته المرتفعة لم تجد حلولاً لها وهذا له أثره على الصحة والعمل فالدراسات أكدت أن الضوضاء تنعكس على الانسان من الناحية العضوية والنفسية وتضعف أداءه وكفاءته، والضجيج هو المسؤول عن العنف والعدوانية والتقلبات المزاجية. ‏

في تقرير للجنة المرافق العامة لمجلس مدينة حلب للدورة العادية لعام 2006 بين أن احصاءات محافظة حلب تشير الى وجود أكثر من /180/ ألف مركبة تجول المدينة يومياً و/15/ منطقة صناعية ضمن المدينة وعلى حدودها وتضم أكثر من عشرة آلاف منشأة صناعية ومجبل زفتي ومعامل الاسمنت اضافة الى ورشات مبعثرة تقوم بحرق الرصاص ومقالب للنفايات تنفث غاز الميتان وغاز ثاني كبريت الهيدروجين ذا الرائحة الكريهة. ‏

وفي دراسة لوفد من الاتحاد الأوروبي وبإشراف البرنامج الانمائي للأمم المتحدة بينت القياسات أن تراكيز العوالق الهوائية أعلى من التراكيز المسموح بها من منظمة الصحة العالمية وأوصت الدراسة بإجراء معالجة فورية وتدخل سريع على المعامل ووسائط النقل لتخفيض مستوى الكبريت من محتوى الفيول المستخدم في المعامل كما أن التراكيز الساعية لأوكسيد النتروجين وغاز الكبريت أعلى بعشر مرات من الحدود المسموح بها من قبل منظمة الصحة العالمية. ‏

أما شبكة الصرف الصحي في مدينة حلب فتصب معظمها في محطة المعالجة في الشيخ سعيد أما الشبكة التي تصب عبر الخط A فإنها تصب في نهر قويق وتوجد مجمعات عدة في مناطق منظمة مثل حلب الجديدة وغير منظمة في مناطق المخالفات لاتدخل في هذه الشبكة مثل حي الراشدين. ‏

ومن المعروف أن المعادن الثقيلة مثل الرصاص والزئبق والكروم والكادميوم والزرنيخ غير المعالجة في محطات المصانع تسري في قنوات الري لسقي المزروعات التي تصل الى الكائنات الحية فتؤدي الى تلف في دماغ الأطفال وبخاصة الزئبق الذي يشكل مع المواد العضوية مركبات تسبب الشلل العصبي والعمى.. أيضاً أشار التقرير الى أن المياه الواردة من المنشآت الصناعية في الراموسة والشيخ سعيد من معامل الدباغات وورشات تصنيع الرصاص وهذه المخلفات تحوي مواد ومركبات كيماوية ضارة وسامة ذات أثر تراكمي مثل الرصاص والزئبق والكروم.اضافة الى ضررها بالثروتين النباتية والحيوانية فإنها تضر بالمياه السطحية والمياه الجوفية وهذه المياه بكل ملوثاتها الجرثومية والمعدنية تروى بها المزروعات والخضار. ‏

وتم توجيه عدة كتب لأصحاب الشأن والمعنيين تشير إلى أن الخضار المصدرة الى خارج القطر قد ثبت بالتحليل تلوثها ببكتريا القولون البرازي وتم فرض الحظر على استيرادها وذلك بسبب سقايتها بمياه ملوثة وهذه المنتجات تباع في أسواقنا الداخلية. ‏

وفي مناطق المخالفات التي لاتوجد فيها شبكات صرف صحي وتستخدم الجور الفنية أو لاتستخدمها حيث المجاري المكشوفة تجذب الحشرات وتنشر الأمراض مثل اللاشمانيا فما زالت حلب متفوقة على غيرها بانتشار هذا النوع من الأمراض كما أن تسرب المياه الآسنة لوث المياه السطحية والجوفية المستخدمة في المناطق التي لاتصلها شبكات المياه مثل حي الراشدين وفيما يتعلق بالنفايات الصلبة يجمع من مدينة حلب أكثر من /1500/ طن من القمامة يومياً والآليات المتوفرة واليد العاملة غير كافية حيث تتراكم القمامة لفترات قد تطول لأسابيع وضمن هذه الفترة تتخمر المواد العضوية مطلقة الغازات مايسبب اشعال النار وانتشار غازات الكبريت والجراثيم والحشرات الزاحفة والطائرة. ‏

وبالنسبة للنفايات الخطرة مازالت العديد من المشافي ترمي نفاياتها في الحاويات. ‏

للأسف بعض المعنيين بالبيئة ان صادف وقالوا يوماً حقيقة مايجري من اهمال واستهتار بحق البيئة والانسان يستدركون فوراً كلامهم بأنه ليس للنشر وان حدث فإنهم سوف ينكرون ومن ضمن تصريحاتهم غير الرسمية ان نسبة السرطانات في حلب تتزايد وبشكل مخيف والأمثلة كثيرة ومنها كفر حمرة وخان العسل والمنصورة والبليرمون والشقيف والشيخ نجار والقائمة تطول.. ويصادف أن أغلب المنشآت الصناعية هي مصابغ بما تطرحه من سموم الى البيئة تصل مخلفاتها الى التربة فالماء... فتلوث ماتلوثه ناشرة الأمراض بل الموت..!! ‏

وللنفايات الصلبة أيضاً دورها في تلويث التربة والماء أما النفايات الطبية والمحارق الطبية فلها حكاية طويلة مع الديوكسين والغازات السامة المسرطنة وتأثيرها على الدماغ والكبد والأجنة والخصوبة وكل شيء ينبض بالحياة داخل الانسان والمصيبة أنه ليس من مجيب!! ‏

والغريب أن محاضر لجان البيئة والصرف الصحي في محافظة حلب تحتوي أسماء لمنشآت صناعية مخالفة لعدم وجود محطات معالجة لديها وهذه الصناعات والمنشآت هي (دهانات ­مصابغ­معامل أدوية­ منظفات­خراطيم بلاستيكية­ معاصر زيتون­ مطاحن­ محارق نفايات طبية­صهر ذهب وغيرها الكثير...) ‏

ومع ذلك لاأحد يحرك ساكناً ولاأحد يستطيع اجبار هذه المنشآت على تطبيق القانون وحماية البيئة فإلى متى؟!! ‏

على كل حال نعترف أننا لم نستطع أن نعطي حلب حقها ونستعرض كل مشاكلها مع الصرف الصحي والمياه والخدمات والملوثات بأنواعها ولاننسى بحيرة الجبول المصابة بالتلوث بالمبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية ومياه الصرف الصحي والصناعي التي تصب فيها.. وماذا يمكن أن نذكر؟!! ‏

فنحن نطرح حلب ومشاكلها على طاولة البحث ومسبقاً نقول لمن سيتبرع ويرسل الردود أننا ورغم ماكتبناه لم نكتب شيئاً بعد ولم نقل كل مالدينا ومالدى الناس المصابة بأمراض سكنت أجسادهم وأبت أن تغادر وكل القصة الاهمال والتلوث والتطنيش فهل هناك من يهتم بصحة الناس وحياتهم، وهل هناك من يهتم بحلب الشهباء.

سناء يعقوب

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...