الله في القرآن
الجمل -خاص: كل سورة من سور القرآن ، باستثناء سورة التوبة ، تبدأ باسْم الله الرحمن الرحيم . إن اسمَ الله هذا الذي يستعمله القرآن مراراً كان معروفاً عند العرب قبل إنزال الكتاب الكريم ، وذلك بحسب قوله تعالى : " ولَئِنْ سألتَهم مَنْ خلق السماوات والأرضَ ، ليقولُنَّ الله " ( القرآن 31/25) .
ومن ثَمَّ فالعرب المشركون كانوا يؤمنون قبل الإسلام بخالق العالَم ، وكانوا يعرفون له اسماً في لغتهم (1) : وهو اسم " الله " . وهذا الاسم يقتصر عليه وحده ، بحسب قوله تعالى في القرآن : " هل تعلم له سميًّا ؟ " ( القرآن 19/65) .
جليّ أنّ الله هو اسمٌ خاصّ بالألوهية ، ويُستعمَل في القرآن للدلالة على مصطلح كائن يوصَف بالأسماء الحسنى ، وبصفات الكمال ( كالقدرة والمشيئة والحياة والسمع والبصر والعلم والخلق ) (2) .
1 ـ وحدانية الله
والآن يتبادر إلى الذهن السؤال التالي : ماذا نعرف عن هذا الكائن ؟ يعطي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا السؤال جواباً بسيطاً (3) : " قُلْ : هو الله أحد ، الله الصّمَد ، لم يَلِدْ ولم يولَد ، ولم يكنْ له كُفُواً أحد " (القرآن 112) .
وهذا يعني أنّ كلّ ما نعرفه من القرآن عن الله أنّه واحد ، ولا شريكَ له ولا نظير . يمنع القرآن تجزئة الكائن الإلهيّ . روي أنّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أرسل رجلاً من أصحابه إلى رأس من رؤوس المشركين يدعوه إلى الإيمان بالله عزّ وجلّ . فقال له المشرك : هذا الإله الذي تدعو إليه ما هو ؟ من ذهب هو أم من فضّة ؟ فتعاظمت مقالة المشرك في صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فأنزل الله عزّ وجلّ صاعقة من السماء فأهلكته (4) . وكشف للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم معنى هذه الرواية في القول التالي : " ويرسل الصواعقَ ، فيصيب بها من يشاء ، وهم يجادلون في الله " ( القرآن 13/13) .
أما صحابة المسلمين فكانوا على علم بهذه المسألة . لذلك نصحوا المسلمين باستمرار اجتنابَ المناقشة في هذا الموضوع . وروي عن ابن عباس أنّه كان يردّد دوماً : " تفكّروا في كلّ شيء ولا تفكّروا في ذات الله " (5) .
ومن ثَمَّ فقد قطع القرآن السبيل بشدّة على البحث عن ذات الله . غير أنّه يحثّنا على اكتشاف أعمال الله وأفعاله التي تُثبِت وجودَه . قال تعالى : " إنّ في خلق السماوات والأرض ، واختلاف الليل والنهار ، والفُلْك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ، وما أنزل الله من السماء من ماء ، وتصريف الريح ، والسحاب المسخر بين السماء والأرض ، لآياتٍ لقوم يعقلون " ( القرآن 2/164) .
وكذلك يقول : " وفي الأرض آياتٌ للموقنين وفي أنفسكم أفلا تُبصِرون ؟ " ( 51/20-21) . أي إنّ ثَمَّة آيات متنوّعة تدلّ الموقنين بالحقيقة على عظمة الله وصلاحه .
إن هذا البرهانَ الذي يرتكز على خلق الإنسان والعالَم هو الأكثر إقناعاً . لذلك يلجأ علماء الكلام إلى هذا النوع من البراهين . نقرأ في كتاب " اللُّمَع " : " إنْ سأل سائلٌ فقال : ما الدليلُ على أنّ للخلق صانعاً صنعه ومدبّراً دبّره ؟ قيل : الدليلُ على ذلك أنّ الإنسانَ الذي هو غايةُ الكمال والتمام كان نطفة ثم علقة ثمّ لحماً ودماً وعظماً . وقد علمنا أنّه لم ينقل نفسَه من حال إلى حال ، لأنّا نراه في حال كمال قدرته وتمام عقله لا يقدر أن يُحدِثَ لنفسه سمعاً ولا بصراً ، ولا أن يخلقَ لنفسه جارحة . يدلّ ذلك على أنه في حال ضعفه ونقصانه عن فعل ذلك أعجز ...فدلّ ما وصفنا على أنّه ليس هو الذي ينقل نفسَه في هذه الأحوال وأن له ناقلاً نقله من حال إلى حال ودبّره على ما هو عليه . لأنه لا يجوز انتقاله من حال إلى حال بغير ناقل ولا مدبّر . ممّا بيّن ذلك أنَ القطنَ لا يجوز أن يتحولَ غزلاً مفتولاً ، ثم ثوباً منسوجاً ، بغير ناسج ولا صانع ولا مدبّر ، ومن اتّخذ قطناً ثمّ انتظرَ أن يصير غزلاً مفتولاً ، ثم ثوباً منسوجاً بغير صانع ولا ناسج كان من المعقول خارجاً ... " (6) .
ومن ثَمَّ فكلّ ما نعرفه عن الله هو أنه واحدٌ ولا شريكَ له . ويُثبِت القرآن وحدانية الله على النحو التالي: " قل : لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً " ( القرآن 17/42 ) .
" لو كان فيهما آلهة إلاّ الله ، لَفَسَدتا " ( القرآن 21/22) .
" ... وما كان معه من إله إذاً لذهب كلّ إله بما خلق ، ولعلا بعضًهم على بعض ... " ( القرآن 23/91) .
: أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه " ( القرآن 13/16) .
هذا البرهان يعرِّفه علماء الكلام بأنّه " دليل التمانع " ( وهذا يعني أنّ البرهان على استحالة وجود أكثر من إله هو الدليل على وحدانية الله ) . فإنّ وجود آلهة أخرى معه ينجم عنه اختلافاتٌ في الرأي بالنسبة إلى إدارة العالَم ، ونزاعٌ حول سير السماء والأرض ن وحول طرق الشمس والقمر والنجوم ، وحول حساب النهار والليل والساعات . ولكن بما أنّ كل هذا يعمل بانسجام ، فهذا دليلٌ على أنّ الكونَ يديره كائنٌ واحد عاقل عالم ، لا ينازعه أحد في إدارته ، ولا يقاوم اعتباراته أحد . هذا أيضاً ما تعبّر عنه أقواله التالية :
" ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت " ( أي اختلاف وعدم تناسب ) ( القرآن 67/3) (7) .
الله والملائكة وأولو العلم يعترفون بوحدانية الله بحسب الأقوال التالية :
" شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو ، والملائكة وأولو العلم ، قائماً بالقِسْط ، لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم "
( القرآن 3/18 ) .
يكفي أن يعترفَ المسلم بفمه : " لا إله إلاّ الله " ، وإن كان ربما لا يؤمن بذلك في قلبه . لهذا السبب يميز القرآن بين الإيمان والإسلام : " قالت الأعراب : آمنّا . قل : لم تؤمنوا ، ولكم قولوا : أسلمنا ، ولّما يدخل الإيمان في قلوبكم " ( القرآن 49/14) .
ومن ثَمَّ فإذا اعترف أحد بفمه بوحدانية الله ، أتيح له أن يعيشَ في سلام . روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " إنّي أُمرتُ أن أقاتلَ الناسَ حتى يقولوا لا إله إلا الله . فمن قال لا إله إلا الله فقد عَصَمَ مني نفسَه ومالَه حتى يلقى الله تعالى " (8) .
يعدّ القرآن الشّرك إثماً عظيماً لا يُغفَر : " إن الله لا يغفر أن يُشركَ به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يُشرِك بالله فقد افترى إثماً عظيماً " ( القرآن 4/48) .
ويُنعَت المشركون بالنَّجّس : " يا أيها الذين آمنوا ، إنّما المُشرِكون نَجَسٌ ، فلا يَقرُبوا المسجدَ الحرامَ ... " ( القرآن 9/28 ) .
ومن نَمَّ فوحدانية الله هي العقيدة الرئيسة في الإسلام ، ويجب لدى الكلام على مفهوم الله أن تُعطى هذه العقيدة حقّها كاملاً .
فتح الله خليف
------------------------------------------------------------------------
(1) الرازي ، " اللوامع البيّنات في شرح أسماء الله الحسنى والصفات " ، نشره طه عبد الرؤوف ( مكتبة الكّلية الأزهريّة) القاهرة 1396/1976 ، 107 – 123 .
(2) الغزالي ، " المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى " ( مكتبة الجندي ) ، القاهرة ، 1968 ، 48.
(3) البيهقي ، " كتاب الأسماء والصفات " ، نشر نجم الدين محمّد أمين الكردي ، ( السعادة ) ، القاهرة (1358/1939) 279 .
(4) المرجع نفسه .
(5) المرجع السابق ، 99 .
(6) الأشعري ، " كتاب اللُّمَع في ردّ أهل الزَّيغ والبِدَع " :
R. J. McCarthy, in : The Theology of Al-ash'ari, ed.
بيروت ، المطبعة الكاثوليكيّة ، 1953 ، 6-7 .
(7) الماتريدي ، " كتاب التوحيد " ، نشر فتح الله خليف ، Coll. Recherches, Se'rie 1
Tom I ، دار المشرق ، بيروت ، 1970 ، 19-23 .
(8) البيهقي ، المرجع المذكور ( حاشية 3 ) ، 16 . أخرجه مسلم في صحيحه 1:39 ، كتاب الإيمان ، باب الأمر
بقتال الناس حتّى يقولوا لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله : عن أبي هريرة رضي الله عنه .
إضافة تعليق جديد