حيثيات تعيين سفير سعودي في دمشق

20-06-2024

حيثيات تعيين سفير سعودي في دمشق

منذ الإعلان عن تعيين سفير سعودي جديد في دمشق، لم تتوقف التحليلات السياسية والإعلامية حول هذا الحدث. بعض المحللين يرون أن هذه الخطوة تأتي في إطار التحولات الإقليمية التي تشهدها العلاقات بين السعودية ودول المنطقة، بينما يعتقد آخرون أنها جزء من تفاهمات أوسع تتعلق بمسار الأزمة السورية والأوضاع المتوترة في المنطقة، من حرب غزة إلى التحديات التي تهدد استقرار الدول وأمنها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

ومع ذلك، تركزت معظم التحليلات حول الموقف من دمشق بشكل رئيسي، وكذلك القرار السعودي باستئناف العلاقات الدبلوماسية مع سوريا منذ أكثر من عام. هذا الأمر أدى إلى بعض التفسيرات التي قد تبدو أشبه بالخيال أكثر من كونها تحليلات واقعية، مثل الادعاء بأن الخطوة السعودية جاءت كمكافأة لدمشق على موقفها “الحيادي” تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة، أو نتيجة تقديم دمشق التزامات معينة خلال لقاء جمع الرئيس بشار الأسد مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

كما تم التكهن بأن الرياض تسعى لتعزيز دورها في حل الأزمة السورية من خلال زيادة فرصها في استضافة أعمال اللجنة الدستورية التي توقفت منذ عدة أشهر.

تشير المؤشرات الإيجابية التي ظهرت خلال الأشهر الماضية، بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين دمشق والرياض، إلى أن تعيين سفير سعودي في سوريا لم يكن بحاجة لانتظار نتائج لقاء الرئيس الأسد بولي العهد السعودي، كما قد يكون البعض قد افترض.

عادةً، يتم إعلام الدولة المرشحة بتعيين السفير الجديد للحصول على موافقتها، مما يعني أن الإجراءات الدبلوماسية المعتادة كانت قد تمت بالفعل قبل الإعلان الرسمي عن تعيين السفير. هذا الإعلان جاء ليؤكد المسار الإيجابي الذي تتجه إليه العلاقات بين البلدين.

وكانت هناك عدة تطورات مهمة منذ استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين:

تقديم السفير السوري أوراق اعتماده: في نهاية العام الماضي، قدم السفير أيمن سوسان أوراق اعتماده كأول سفير سوري في الرياض منذ عام 2012.

هذا يشير إلى أهمية الرياض في العلاقات الدبلوماسية السورية، حيث اختارت دمشق شخصية سياسية بارزة لهذا المنصب.

زيارات رسمية متبادلة: شهدت الأشهر الماضية زيارات رسمية لعدد من الوزراء السوريين إلى الرياض، للمشاركة في مؤتمرات إقليمية ودولية.

كما قام رجال أعمال وشخصيات اجتماعية بزيارة السعودية لبحث فرص التعاون الثنائي وإقامة مشاريع مشتركة.

إجراءات تتعلق بالحج: قامت الرياض بإعادة ملف الحج إلى وزارة الأوقاف السورية، واعتماد جوازات السفر السورية كوثيقة وحيدة لدخول الحجاج السوريين إلى أراضيها.

تحسن في المبادلات التجارية: شهدت الأشهر الماضية تحسنًا في المبادلات التجارية بين البلدين، وهي لم تتوقف تمامًا حتى خلال فترة الحرب السورية.

من المتوقع أن ترتفع المبادلات التجارية نتيجة للتنسيق الاقتصادي المشترك ومعالجة المشاكل التي تواجهها.

نشاط دبلوماسي في دمشق: قام القائم بالأعمال السعودي في دمشق بأنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية تتجاوز المعتاد، مما يدل على أن الرياض تسعى لإعادة بناء علاقاتها مع المؤسسات السورية.

على سبيل المثال، أبدى القائم بالأعمال اهتمامًا بزيارة بعض المراكز الصحية ومعرفة احتياجاتها في ظل العقوبات المفروضة على سوريا.

الحاجز الأميركي

منذ عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية واستئناف معظم الدول العربية علاقاتها معها، تدرك دمشق أن مستوى علاقاتها مع محيطها العربي سيظل مرهونًا بتطورات موقف الإدارة الأميركية، التي تفرض عقوبات صارمة على الاقتصاد السوري وتمنع الكيانات الدولية من التعامل مع سوريا.

واختبرت دمشق ذلك عندما طلب منها المساعدة في نقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان، لكن الولايات المتحدة عرقلت هذه المحاولات رغم تصريحاتها العلنية بالعكس.

وبعد مرور أكثر من عام على تحسن علاقات سوريا مع معظم الدول العربية، لم يحدث أي تقدم اقتصادي يُذكر، وهو ما يتوقعه السوريون في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.


يبدو أن تعيين السعودية سفيرًا في دمشق لن يغير الوضع ما لم توفر الولايات المتحدة ضمانات للمؤسسات السعودية بعدم تعرضها للعقوبات بموجب قانون “قيصر”.

دوافع الرياض

إذًا، ما الذي يدفع السعودية لرفع مستوى علاقاتها مع دمشق في ظل الجمود السياسي حول الأزمة السورية؟ لنبحث هذا من خلال سؤال مشابه: ما الذي يدفع تركيا إلى الحوار مع دمشق رغم احتلالها لمناطق سورية واسعة ودعمها فصائل مسلحة في إدلب وحلب؟

إن الاهتمام السعودي بإيجاد حل للأزمة السورية لا ينفي وجود عوامل أخرى تدفع الرياض لتعزيز علاقاتها مع دمشق، سواء للمساعدة في حل الأزمة أو لتفعيل التعاون الثنائي والإقليمي.

هناك ملفات إقليمية مشتركة مثل مساعدة لبنان على تجاوز أزماته، وحل الصراع العربي-الإسرائيلي، الذي لا يمكن أن يتم دون مشاركة سوريا.


هناك أيضًا مسائل الإرهاب والجماعات التكفيرية وتهريب المخدرات التي تشكل تهديدًا حقيقيًا لدول المنطقة.

كما أن الموقع الجغرافي لسوريا يفرض على دول مثل تركيا والأردن التعاون مع دمشق، بغض النظر عن تطورات الأزمة السورية والمواقف الغربية منها.

المتغيرات الإقليمية والعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة تفرض على دول المنطقة التعاون لحماية مصالحها وأمنها القومي.

من الصعب الحديث عن تفاهمات كبيرة أو اتفاقات مستقبلية لحل الأزمة السورية بمجرد تعيين سفير، رغم أهمية هذه الخطوة.

العديد من الدول الأوروبية تحتفظ بقنوات تواصل دبلوماسية مع دمشق، كما أن الإمارات والبحرين وسلطنة عمان سبقوا السعودية في تعيين سفراء في دمشق.


لكن عندما تتوقف الولايات المتحدة عن تطبيق بعض عقوباتها على سوريا، يمكن القول إن هناك تحضيرات سياسية جارية. وعندما تستعيد دمشق بعضًا من حقول النفط، يمكن القول إن هناك تحركًا جديًا في الأفق.

فالاتفاق السعودي الإيراني على استئناف العلاقات الدبلوماسية لم يكن مبنيًا على تنازلات كبيرة من أي طرف، وكذلك يمكن أن يكون الحال بين السعودية وسوريا.

الميادين نت

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...