من يغيّر الشرق الأوسط؟
يدرك “حزب الله”مدى التصدع الدراماتيكي في البنية السياسية، وفي البنية الطائفية للبنان وهو أذكى بكثير من أن يضع أوراقه (أوراق النار) على الطاولة ، فلا أميركا تريد الحرب، ولا ايران تريدها ، عدا عن التدهور الاقتصادي والمالي، يدرك أيضاً أي نوع من المجانين يحكمون اسرائيل. قيادة الحزب تقرأ بمنتهى الدقة كل كلمة تصدر عن أركان الائتلاف هناك. تذكّروا أن بنيامين نتياهو قال بحرب على غزة تغيّر الشرق الأوسط.
و كيف يمكن لأي سياسي لبناني، أو عربي، أن يتعامل بلامبالاة مع ذلك الكلام؟ هذا ما يجعل اصبع “حزب الله” على الزناد. لن يتردد في دخول الصراع من أوسع أبوابه، اذا ما لاحظ أن المسار الاسرائيلي يمضي في هذا الاتجاه، مع اعتبار أن الحدود مع لبنان هي الهاجس (الهائل) لدى القيادة السياسية، والقيادة العسكرية، في اسرائيل.
لا يكفي أن يرى جيفري غولدبرغ (مجلة Atlantic) في وجود حاملة الطائرات”جيرالد فورد”، وبعدها حاملة الطائرات “دوايت ايزنهاور”،”استعراضاً راقصاً على مياه المتوسط”، تماماً كما استعراضات البيفرلي هيلز. الولايات المتحدة، وعشية سنة انتخابية، تعاني من توترات سياسية، وتوترات بنيوية، عاصفة، دون أن يكون هناك من يستطيع التكهن بمآل الصراع مع روسيا في الشرق الأوروبي، ومع الصين في الشرق الآسيوي.
المؤرخ الأميركي اريك آلترمان الذي سبق وسأل ما اذا كانت “اللحظة قد حانت لإعلان اليهود الأميركيين استقلالهم عن اسرائيل”، قال “ما من مرة كان المشهد الدولي على هذا المستوى من الضبابية”، ليستدرك “لعلناً جميعاً ضالعون في فتح أبواب الجحيم”!
واضحة كلياً نظرة “حزب الله” ايديولوجياً واستراتيجياً الى اسرائيل. ظاهرة اسبارطية لا يمكن أن تتعايش مع المحيط الا بتفكيكه، أو باحتوائه. هذا ما تظهرة نتائج استطلاعات الرأي حول تعايش اليهود مع عرب الخط الأخضر. ما بين 70% و 80 % يرفضون الاقامة في بناء واحد مع العرب. من المنطقي ان ينعكس ذلك على تشكيل العقل السياسي (العقل القيادي) هناك.
لاحظوا كيف أن معاهدة السلام التي وقعها أنور السادات ومناحيم بيغن ألغت أي دور جيوسياسي أو جيوستراتيجي لمصر، برصيدها التاريخي والديموغرافي. اتفاق وادي عربة كرس دور المملكة بمثابة الحائط لكل من يعادي اسرائيل. ثم ماذا فعل اتفاق أوسلو بالقضية الفلسطينية اذا ما تابعنا الخطوات البهلوانية لياسر عرفات الذي قال فيه جورج حبش “انه يسعى لاقامة دولة ولو على عربة خضار”؟
خبراء استراتيجيون يرون أن الجيش الاسرائيلي لا يمكن أن يتوغل في عمق غزة. اضافة الى حالة الانكسار التي بدأت مع حرب 2006، لتزداد هولاً مع عملية غلاف غزة، ثمة انكسار داخل المجتمع الاسرائيلي الذي يتهم نصفه، على الأقل، بنيامين نتنياهو بالمسؤولية عن كل المصائب التي ضربت الدولة العبرية ابان توليه رئاسة الحكومة.
الأميركيون يعلمون أن اسرائيل التي تملك 595 طائرة حربية ليست بحاجة الى أي حاملات طائرات، لكنهم لاحظوا مدى الضياع لدى القيادة السياسية، كما لدى القيادة العسكرية هناك. بصراحة تحدث غولدبرغ عن مسارعة ادارة جو بايدن الى “احتواء الهيستيريا التي قد تفضي الى انفجار الشرق الأوسط”، ليتساءل “اليوم سقوط الدور، غداً… سقوط الدولة؟”.
“حزب الله” ينظر بانورامياً الى المشهد. مثلما هو على بيّنة من نقاط الضعف، ونقاط القوة، الاسرائيلية هو على بيّنة من نقاط الضعف، ونقاط القوة الأميركية. بكل معنى الكلمة هناك قيادة ترى بعيني زرقاء اليمامة، مع قناعتها بأن منطق القوة وحده ينبغي أن يحكم طريقة التعاطي مع تل أبيب، وهو الذي تواجد في دولة قامت على “فلسفة الضعف” التي طالما عانى اللبنانيون من ويلاتها.
لا أحد يمكنه أن يجازف ويقول “لا حرب”. لكن كبار المعلقين في اسرائيل يرفعون الصوت “لا حرب للحيلولة دون سقوط رئيس الحكومة مقابل سقوط الدولة”. باختصار، تريدون موقف “حزب الله”: حتماً ليست اسرائيل من تغيّر الشرق الأوسط
الديار
إضافة تعليق جديد