حَراك أميركي – بريطاني في الركبان
عَقدت القوّات البريطانية والأميركية، في الآونة الأخيرة، سلسلة اجتماعات مع شخصيات وفاعليات من مخيّم الركبان الواقع ضمن منطقة خفْض التصعيد جنوب شرقيّ سوريا، في محاولة لاستكشاف إمكانية تأسيس «إدارة ذاتية» على غِرار تلك القائمة في الشمال بقيادة «قوات سوريا الديموقراطية». وأوضحت مصادر عشائرية مقرّبة من «الهيئة السياسية في مخيّم الركبان»، في حديث إلى «الأخبار»، أن الأميركيين والبريطانيين اجتمعوا ثلاث مرّات بممثّلين عن المخيّم، أولاها أواخر العام الماضي، وثانِيتها وثالِثتها خلال الشهر الجاري، من دون أن تصل إلى حدود مجاهرة الزوّار برغبتهم؛ إذ انحصرت النقاشات في إطار ما تحتاج إليه المنطقة على المستوى الخدمي. وتُبيّن المصادر أن العقبة الأساسية التي تعترض طريق هذا المشروع، تتمثّل في انعدام مصادر التمويل الذاتية، بالنظر إلى أن المنطقة المحيطة ببلدة التنف، والتي تضمّ «الركبان»، هي منطقة صحراوية ولا تشتمل على أيّ منشأة نفطية، كما تعاني انعدام وجود مصدر مستدام لمياه الشرب، أو حتى للمياه الصالحة للاستخدام الزراعي. وعلى رغم استبعاد قيام الولايات المتحدة وبريطانيا بتمويل الخطّة المُشار إليها بشكل كامل، إلّا أنهما تُبديان اهتماماً خاصاً بها، لِما تستبطنه من فاعلية في تعطيل طريق «دمشق – بغداد» الدولية، والذي يُعدّ إبقاء «الركبان» قائماً، أصلاً، جزءاً رئيساً من متطلّباته، في مقابل الرغبات والمساعي السورية والأردنية والروسية في تفكيك المخيّم.
أمّا بالنسبة إلى «جيش سوريا الحرة»، الفصيل الرئيس الفاعل في «التنف»، فإن قائد الفصيل، محمد فريد القاسم، الذي رفّع نفسه إلى رتبة عقيد بعدما خلَف بدفْع أميركي – بريطاني القائد المطرود إلى تركيا مهند الطلاع، يدأب على إخبار وجهاء العشائر القاطنين في «الركبان»، برغبته في إعلان «إدارة ذاتية» في المنطقة، يمكن لها أن تُقيم علاقات مباشرة مع الأطراف الغربية، وأن تَحضر في المسار السياسي بصفتها طرفاً معارِضاً مستقلّاً، في مقابل رفْضه بشدّة التنسيق مع «الائتلاف السوري»، أو «الإدارة الذاتية» الكردية. ويأتي ذلك في وقت تتزايد فيه التدريبات المشتركة بين «سوريا الحرة» والقوّات الأميركية والبريطانية، خاصة على استخدام الرشّاشات الثقيلة في عمليات الدفاع الجوّي. كما قُدّمت العديد من العربات المصفّحة الأميركية الصُّنع إلى الفصيل المذكور لتكون بديلة من السيارات القديمة. وفي حين طالب القاسم، في تصريحات إعلامية، بتسليمه وسائل الكشف المبكر عن الهجمات بالطائرات المسيّرة، فإن مصادر مطّلعة على أجواء البادية، تقول، لـ«الأخبار»، إن أداء «سوريا الحرة»، في عملياته الدفاعية ضدّ الهجمات الجوية، سيبقى مرتكزاً حصراً على المعلومات التي توفّرها «التنف» حول الهجمات ووجود أهداف معادية في منطقة الـ55 كلم، كاشِفةً أن الطلب الذي تَقدّم به القاسم للحصول على رادارات قصيرة أو متوسّطة المدى، وصواريخ مضادّة للطيران محمولة على الكتف، قوبل بالرفض، أسوةً بالطلبات المماثلة التي تَقدّمت بها «قسد» سابقاً.
ويبدي «التحالف الدولي»، بقيادة واشنطن، اهتماماً متقادماً بمنطقة التنف، التي زارها أخيراً قائد قوات «التحالف» في سوريا، الجنرال ماثيو مكفارلين، يوم الأربعاء الماضي. وتبرّر واشنطن هذا الاهتمام بمحاربة تنظيم «داعش» – على رغم أن الأخير يتّخذ من البادية مسرحاً رئيساً لنشاطات فلوله -، فيما الحقيقة تقول إن مِن بين الأغراض الرئيسة لذلك التواجد إبقاء التواصل البرّي مقطوعاً بين سوريا والعراق، بما يُديم السوق العراقية خارج حسابات الصناعة السورية – علماً أن الأولى تُعدّ من أكبر الأسواق القريبة لتصريف منتَجات دمشق -، ويعطّل بالتالي أيضاً أيّ احتمال لتشغيل طريق برّية تربط بين العاصمتَين الإيرانية واللبنانية. على أن الوصول إلى إعلان «إدارة ذاتية» في «الركبان» بشكل مستقلّ عن كامل جنوب سوريا، قد لا يكون ميسَّراً، خصوصاً أنه سيعني، في حال تَحقّقه، تقسيم الجنوب إلى ثلاث «إدارات» في الحدّ الأدنى – وفق الطرح الأميركي غير المعلَن - وهو ما لا يخدم مصلحة واشنطن نتيجة غياب التجانس بين تلك «الإدارات». وفي حين تشهد السويداء، من حين إلى آخر، خروج أصوات مطالِبة بـ«الانفصال»، فإن درعا، التي قد تكون تابعة جغرافياً للإدارة الثالثة في مِثل هذه الحالة، غير مؤهّلة لقبول هكذا طروحات، لكوْن المزاج الشعبي فيها يميل إلى إعادة الحياة إلى ما كانت عليه قبل بدء الحرب، واستئناف الإنتاج الزراعي والتجارة مع الأردن.
الأخبار
إضافة تعليق جديد