رمزية التماثيل في سياسات الفراعنة والملوك
د. سامح عسكر:
كثير منا لا ينتبه لأسباب انتشار تماثيل الملوك والحكام زمان، حتى أنها تدخل البيوت أحيانا، فتماثيل رمسيس وتحتمس في مصر القديمة مثلا، تماثيل ملوك سومر وآشور..ملوك الرومان واليونان..وهكذا
قديما عندما كان الملوك يشعرون بالتهديد على سلطاتهم يلجأون لبناء تماثيل لهم ونشرها في أرجاء الدولة (لإخافة ورهبة المعارضين) ولنزع فكرة التمرد السياسي من المترددين، وهذه التقنية كانت ناجحة وقتها في تثبيت الحكومة بمساعدة الكهنة الذين كانوا يقنعون العامة أن الملك هو "ابن الله" أو "خليفة الله" أو "حارس الإله"..وهكذا، فيكون التمثال واضح الوجه جدا وملئ بالقوة يكفي بشكل كبير لإقناع الجماهير بأنهم (مراقبون)
لاحظ تماثيل رمسيس كلها مبنية على شكل جسد قوي وملامح قوية هادئة واثقة، بينما جثة رمسيس رجل عجوز طاعن في السن وملامح وجهه مختلفة تماما عن تماثيله، فالشعب هنا لم يعرف رمسيس أساسا ولم يكن يراه سوى فئة محدودة تحضر الطقوس في المعابد بالعاصمة، لكن بقية الشعب لا يعرفه شكلا ..بل يرى تماثيله الموضوعة مع سمعته القوية (فيخضع)..
لاحظ أيضا أن تماثيل رمسيس كثيرة وهذا يعني أن معظمها بقيت على حالها بعد وفاته، مما يعني أن خلفاء رمسيس لم يعارضوه بل أحيوا سنته وتفاخروا به وهذا واضح من تعدد ملوك مصر بعده بنفس الاسم، لكن غالبية تماثيل الملوك الآخرين (فقدت) لعوامل منها الإهمال أو (التحطيم) فكلما يأتي ملكا جديدا أو ثائرا يهدم تماثيل الملك القديم إعلانا عن بداية عصر جديد..
مع تقدم الزمن ورث الملوك نفس التصرف، فكانوا إما يبنون تماثيل لهم أو يرسمون صورهم على الجدران لنفس السبب، فإذا لم تتوفر لهم التقنيات اللازمة للنحت من صخور وفنانين يلجأون للحوائط والجدران..
تقدم الزمن ووصلنا الآن في القرنين 20 و 21 فاستبدل الملوك والحكام فكرة التماثيل والصور الجدارية (بالصور الفوتوغرافية) أو المرسومة لنفس السبب، وهو فرض الهيمنة السياسية والدينية - أحيانا – على الشعب، لكنه ظل حكرا على المستبدين فقط بحيث أنه ممنوع في المجتمع الديمقراطي الذي تجاوز فكرة الاستبداد السياسي لسهولة تداول السلطة دون عنف، وتجاوزه أيضا فكرة الحاكم الإله بفصل الدين عن الدولة..
وهذا يعني أن نشر صور الحكام في الدولة سواء في الميادين والشوارع والمؤسسات هي علامة يراها المجتمع المتحضر على الاستبداد فورا، أو أن الذي يحدث هو خليط من جمع الدولة بالدين في أذهان الجماهير أحيانا، وفي كل الأحوال هي علامة تخلف حضاري ومعرفي حيث أن فرض الهيمنة السياسية والدينية ليس بحاجة إلى صور وتماثيل في الحقيقة بل إلى مخاطبة الوعي الإنساني وإقناع الجماهير فكريا بجدوى هذه السلطة وأنها تعمل لمصالح الناس ووجودها مهم وضروري للدولة...
إضافة تعليق جديد