الجلسة الأخيرة لديمستورا: تأنيب روسي إيراني واتهامه بالإنحياز
جلسة تأنيب وداعية من لافروف لدي ميستوراكل التحضيرات كانت جاهزة للحدث، جهاز أمن الامم المتحدة في جنيف اتخذ كافة الاجراءات الأمنية على مدخل قاعة الصحافة رقم 3، والدائرة الإعلامية الأممية وجهت رسالة مبكرة إلى الصحافيين بضرورة الحضور إلى القاعة قبل ساعة ونصف من موعد المؤتمر الصحافي، إفساحاً بالمجال أمام رجال الأمن للقيام بمهام التفتيش والتدقيق، وحضر إلى القاعات الزجاجية المغلقة المحاذية، خمسة مترجمين لترجمة المؤتمر إلى خمس لغات: الإنكليزية، الروسية، الفارسية، التركية والعربية.
كانت الساعة الواحدة، أي بعد نصف ساعة على اجتياز الموعد المحدد للمؤتمر الصحافي عندما بدأت تسريبات الجانب الروسي توحي بأن المؤتمر المشترك قد لا يعقد، وأن الوزراء الثلاثة، سيرغي لافروف ومحمد جواد ظريف ومولود جاويش اوغلو سيعقدون مؤتمرا صحافيا منفصلا عن المبعوث الخاص، وهذا ما حصل بالفعل، وفيه اعلن لافروف عن ولادة اللجنة الدستورية ولكن من دون تبني الامم المتحدة لها.
ما الذي جرى؟ ولماذا امتنع دي ميستورا عن مباركة تشكيل اللجنة التي انتظر تشكيلها 11 شهراً؟
الميادين حصلت على وقائع الاجتماع "العاصف" بين المجموعة الثلاثية والمبعوث الأممي، وهذه الوقائع تكشف مدى التصعيد والمشادات الكلامية التي جرت تحديداً بين لافروف ودي ميستورا.
ماذا تقول الوقائع؟
قبل يوم من انعقاد اللقاء بين الوزراء ودي مستورا، حضر إلى قصر الأمم المتحدة وفد تقني يضم ممثلين عن الدول الثلاث وسلموا فريق المبعوث الأممي نسخة من البيان الختامي الذي سيتلى في اليوم التالي في المؤتمر الصحافي، وسيعلن عن الانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية، وأبلغ الوفد فريق دي ميستورا أن الاتفاق على الاسماء الـ 150 لأعضاء اللجنة قد تم بالتشاور بين هذه الدول وكافة الاطراف السوريين من الحكومة إلى المعارضات المختلفة، وأن تفاهمات جرت بين الدول الثلاث والدول الأخرى المؤثرة في المشهد السوري، وأن الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش على علم بالتفاصيل.
في اليوم التالي، أي يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر، بدأت الجلسة في الساعة 11 بتسليم لافروف المبعوث الخاص لائحة الاسماء، وطلب الوزير الروسي من دي ميستورا ما إذا كان لديه ملاحظات على هذه اللائحة قبل الانتقال إلى المؤتمر الصحافي، ومن ثم الى غداء العمل المتفق عليه بحسب جدول تسلمت الميادين نسخة عنه (مواعيد الجدول لقاء ديمستورا الوزراء الساعة 11، مؤتمر صحافي الساعة 12 ونصف وفي الثالثة بعد الظهر ينتقل الجميع بعد اختتام المؤتمر الصحافي الى غداء عمل في الطابق الثامن من قصر الأمم).
اكتشف دي ميستورا أن أيّاً من أعضاء المجموعة الثمانية التي سلمها للمجموعة الثلاثية لاختيار خمسة منها، لم يرد في لائحة لافروف، اعترض على الأمر بشكلٍ حاد، وقال للافروف: إن اللائحة بهذا الشكل لن تحظى بموافقة الأمم المتحدة "وهي غير متوازنة وتتضمن أكثرية واضحة لصالح الحكومة ولا تمثل كافة الأطراف السوريين"، فرد لافروف بأن الأسماء التي اقترحها لم تحظ بموافقة أطراف سورية ولا بموافقة موسكو، وقال الوزير الروسي موجها كلامه لدي ميستورا: "نحن نعلم أن هذه اللائحة ليست لائحتك، بل هي لائحة المجموعة الرباعية (الدول الغربية في المجموعة المصغرة، أي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والمانيا) ونعرف كل اسم من هذه الأسماء لأي جهة يتبع، ومعظمهم يتبعون جهة دولية معروفة (يقصد الولايات المتحدة) وهؤلاء سينفذون ما تطلبه هذه الجهة"، وتابع لافروف: السيد المبعوث الأممي، اللجنة الدستورية ستضع دستوراً جديداً لسوريا وعلى اعضائها ان يعملوا وفقا لانتمائهم السوري بغض النظر عن الانتماء السياسي، أما مجموعتك فستعمل وفقاً لتطلعات دول خارجية ونحن نريد لسوريا دستورا يعكس تطلعات الشعب السوري وليس جهات خارجية".
رد دي ميستورا على الوزير الروسي معتبرا كلامه "تجنيا عليه وعلى دوره" وقال: عملت طوال سنوات مهمتي بشكلٍ متوازن بين الأطراف السوريين من جهة وبين الدول المؤثرة في الأزمة من الجهة الثانية، لكن لافروف قاطعه قائلاً: لم تكن طيلة مهمتك محايدا، ولدينا معلومات كافية عن علاقاتك بدولة محددة، وأنت منذ تعيينك تعمل وفقا لمصالح هذه الدولة، وحاولت مراراً نسف مساري أستانا وسوتشي، وأنت تعلم تماما أن هذين المسارين أديا إلى تراجع الحرب وفتحا الطريق أمام الحل وأمام مسار جنيف، وختاما لهذا النقاش: "لن نقبل أي أسم من الأسماء التي طرحتها وبإمكانك إعادة لائحتك إلى الدول التي سلمتك إياها وتبلغها أنها مرفوضة من قبل روسيا".
عند هذا الحد، تدخل وزير الخارجية التركية مولود جاووش اوغلو لتهدئة الأجواء، وتوجه الى دي ميستورا قائلا: لقد نسقت انقرة مع الاميركيين و"تشاورنا معهم بالنسبة للأسماء فلماذا الاصرار على هذه اللائحة؟"، ثم طلب خلوة مع نظيره الروسي وعرض عليه الموافقة على اسم أو اثنين من لائحة ديمستورا "لانهاء الأزمة"، لكن لافروف كان حاسماً رافضاً اي نقاش بالأمر مع دي ميستورا، عندها اقترح اوغلو الانتقال إلى الغداء "ربما تبرد الأجواء".
لم تتعدل الأجواء كما كان يأمل الوزير التركي في جلسة بعد الظهر، وفي بداية هذه الجلسة، بادر وزير الخارجية الايرانية، الذي حافظ على صمته في جلسة قبل الظهر، إلى الحديث متوجها الى المبعوث الأممي قائلا: "لقد دفعت ايران دائما باتجاه انجاح مهمتك وبدل التعاون مع مساعينا كنت توجه الينا دائما التهم بأننا نعرقل الحلول، "ربما انت لم ترد النجاح لمهمتك"، وردد ظريف ما قاله لافروف حول مسعى دي ميستورا لنسف مساري أستانا وسوتشي قائلا: اذا كان المطلوب منك قبل رحيلك إنهاء مسار أستانا وسوتشي فهاذا لن يحصل، وانت تعرف أنه لولا مسار استانا ما كان لمسار جنيف ان يستمر".
ورد دي ميستورا على الوزيرين الروسي والايراني قائلاً: لماذا الإصرار على مساري استانا وسوتشي، لماذا لا تتحدثون عن مؤتمر فيينا (عقد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 بمشاركة 20 دولة وانبثقت عنه مجموعة العشرين لرعاية الحل في سوريا)، "فهذا المؤتمر هو جمع أكبر تجمع دولي وشكل أساساً للحل"، وهنا مرة جديدة قاطع لافروف دي ميستورا قائلاً: لم يتم توقيع اي وثيقة عن هذا المؤتمر وما قمتم به في فيينا انتهى مع صدور القرار 2254 وهو قرار نرتكز عليه في عملنا لتشكيل اللجنة الدستورية".
وأكمل الوزير الروسي: سنخرج الآن من هذا الاجتماع وسنعقد مؤتمراً صحافياً نعلن فيه بيان تشكيل اللجنة و"عليك الانتباه لما ستقوله في مؤتمرك الصحافي لأننا لن نسمح لك بتدمير أستانا وما نتج عن أستانا وسوتشي وعليك أن تتذكر ان دورك هو تسيير العملية السياسة وليس من حقك اختيار اعضاء اللجنة الدستورية ولا حتى ابداء الرأي، ودور الأمم المتحدة وفقا لتفاهمات سوتشي التي وافقتم عليها هو رعاية أعمال اللجنة الدستورية وليس التدخل بها"، وقبل اختتام كلامه توجه لافروف إلى مكان جلوس دي ميستورا وسحب لائحة الأسماء من أمامه قائلا: هذه اللائحة لم تعد تعنيك وأنت انتهت مهمتك".
المبعوث الأممي اختتم الجلسة بالقول: إن ما تقومون به "لن يساعد سوريا وسيدفع الاتحاد الأوروبي الذي سيعقد مؤتمراً حول سوريا في الربيع المقبل إلى الامتناع عن المساهمة في اعادة الاعمار"، فكان رد ظريف بكلمات قليلة: الاتحاد الاوروبي مفلس وليس لديه الأموال لاعادة الاعمار، لقد رأينا وعود إعادة الإعمار في العراق، أما مساهمة الاتحاد الاوروبي فستقتصر على شركات ومؤسسات تبحث عن العمل.
إضافة تعليق جديد