مبادرة أوروبية جديدة في شأن اليمن: هل تنجح حيث فشلت سابقاتها؟

07-07-2018

مبادرة أوروبية جديدة في شأن اليمن: هل تنجح حيث فشلت سابقاتها؟

لم تبق دولة غربية أو كبرى تقريباً إلا ودخلت على خط الأزمة اليمنية، إما من أجل تأجيجها أو في محاولةٍ لإخمادها. على مدار السنوات الثلاث الماضية، توالت مبادرات السلام التي كانت في كل مرة تلبس عباءة مختلفة: أميركية، بريطانية، روسية... وبالطبع أممية. اليوم، يبدو أن الدور عاد إلى الاتحاد الأوروبي، الذي يحاول مساندة المبعوث الأممي البريطاني الجنسية، مارتن غريفيث، في مساعيه الرامية إلى إعادة تحريك عجلة المفاوضات، ووضع حد للأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم. صحيح أن اليمنيين لا يعلّقون آمالاً كبيرة على تلك المبادرات التي فشلت جميعها منذ آذار/ مارس 2015 في وضع حد للعدوان السعودي على البلاد، ولا يتوقعون كذلك أن ينجح غريفيث - سريعاً - حيث فشل أسلافه، ويكسر الجمود السياسي، ويجمع الأطراف إلى طاولة واحدة، ولكن الجبهة المناهِضة لتحالف العدوان لا تمانِع التجاوب مع أي مبادرات من هذا النوع. أما الحكومة القابعة في العاصمة السعودية الرياض، فتواصل مسلسل المماطلة والتعطيل الذي اعتمدته منذ بدء الحرب، منتظِرةً تحقيق انتصار ميداني كان ولا يزال متعثراً. وما بين الطرفين، وبعيداً من عقلية الهيمنة والغطرسة التي تقود سياسات الرياض وأبو ظبي، تعي الدول الأوروبية - أو هذا ما تقوله على الأقل - أن لا خروج من المستنقع اليمني سوى عبر الحل السياسي القائم على التفاوض، وأن حركة «أنصار الله» جزء من الشعب اليمني ولديها دور محوري لتلعبه في مستقبل البلاد.


من هذا المنطلق، تقدمت النائبة في البرلمان الأوروبي، الفرنسية باتريسيا لالوند، بمسودة مبادرة أوروبية جديدة لحل الأزمة اليمنية بعنوان: «مساهمة البرلمان الأوروبي في فتح مسار ثانٍ للحوار الداخلي اليمني»، موازٍ ومكمِّل للمسار الذي يقوده المبعوث الأممي. هذه المبادرة، التي ستكون «أنصار الله» في صلبها، تلعب الدول الأوروبية من خلالها دور «الوسيط المحايد»، الذي سيُدير طاولة تجلس عليها جميع التيارات والأحزاب اليمنية. ووفق المسودة،تشدد لالوند على أهمية إشراك جميع مكونات المجتمع اليمني في الحوار، انطلاقاً من إيمانها بضرورة العودة إلى جذور الصراع القائم وتفكيكه داخلياً، بدل التعامل معه على أنه حرب دولية أو حرب بالوكالة.


تشير لالوند، إلى أنه «يجري تفسير الصراع والترويج له على أنه حرب بالوكالة بين قوى إقليمية هي السعودية والإمارات وإيران، في حين يتم وصف الحوثيين بأنهم دمية في يد إيران»، مستدرِكةً بأنه «في الواقع، ما يحدث في اليمن هو نزاع مسلح غير دولي (NIAC)، أي داخلي، يشارك فيه تحالف إقليمي». وتشدد لالوند على أن «المسألة تتجاوز تبسيط الصراع إلى أزمة سعودية - إيرانية. هذه الرؤية لا تعكس جملة التعقيدات والتداخلات الموجودة في اليمن». ومن هنا، يسعى البرلمان الأوروبي - بحسب المسودة - إلى خلق بيئة قادرة على احتضان جميع الأطراف اليمنية المشاركة في النزاع، سواء كانت تمثل شمال اليمن أو جنوبه، بهدف عقد جلسات تفاوض على مدى ثلاثة أيام بوساطة نواب أوروبيين «متخصصين في حل النزاعات الدولية».

تبني لالوند، وهي عضو في «حزب اتحاد الديموقراطيين والمستقلين» الفرنسي (UDI)، مبادرتها على ثلاثة مبادئ أساسية هي: أولاً المصالحة الوطنية، ثانياً الاستفتاء أو أي عملية سياسية أخرى تقرر الأحزاب اليمنية بموجبها قانون الانتخاب ومستقبل جنوب اليمن، وثالثاً إعادة الإعمار بمساعدة المجتمع الدولي. وتعتمد المبادرة على نهج «واقعي وعملي يتمتع بالمرونة، قادر على تخطي العراقيل، والحيلولة دون دخول جلسات الحوار دوامة الاتهام وتحولها إلى ساحة تعزز الاختلافات». ومن هـذا المنطلق، تشدد المسودة على أهمية «النزاهة والحيادية والشفافية» في هذه العملية، وعلى ضرورة أن يكون نواب البرلمان الأوروبي المشاركون «غير ملزمين بأي أجندات محددة» من شأنها أن تعرقل جهود التوصل إلى حل.

في هذا السياق، تشير لالوند إلى «(أننا)، للأسف، نواجه ضغوطاً من المجموعات السياسية الأوروبية غير القادرة على التحرر من مواقفها الحزبية ومصالحها الضيقة، وقد تراجع بالفعل بعض أعضاء البرلمان عن دعمهم لمبادرة السلام نتيجة ضغوط سياسية مورست عليهم». وتواجه المبادرة معارضة شرسة من قِبَل جهات رافضة لمبدأ «الشمولية» الذي يتبناه الأوروبيون في مسارهم، لا سيما أنه يصر على إشراك «أنصار الله» في المفاوضات، ومعاملة جميع المشاركين على أنهم «متساوون في النفوذ والسلطة». «أنصار الله جزء لا يتجزأ من المجتمع اليمني. على سبيل المثال، في الحديدة، لا يقاتل أنصار الله وحدهم التحالف العربي والقوى الموالية له، بل لديهم دعم كبير من العديد من اللجان الشعبية وبعض القبائل مثل بكيل (التي تمثّل ثلثي نسبة السكان في محافظات اليمن الشمالية)، وكذلك من قبل جهات فاعلة ومؤثرة مثل الحراك الجنوبي، الذي تجاوز خلافاته السياسية مع الحركة وساندها»، تُذكِّر لالوند. وتتابع العضو في «تحالف الليبراليين والديموقراطيين من أجل أوروبا» (ألدي)، ثالث أكبر مجموعة سياسية في البرلمان الأوروبي، قائلة: «قد يحصل الحوثيون بالفعل على دعم ما من إيران، ولكن من أولوياتهم إيجاد حل داخلي يمني بعيداً من أي تدخل خارجي. فعلى سبيل المثال، في معركة الحديدة، فإن التحالف مستعد لمواصلة القتال حتى ينسحب الحوثيون من المدينة. في المقابل، فإن الحوثيين مستعدون لتسليم الميناء إلى طرف ثالث محايد ووضعه تحت إشراف الأمم المتحدة».

تؤكد لالوند أن «الخطوة الأوروبية لقيت ترحيباً من مختلف التيارات اليمنية، التي عبرت عن ثقتها بالاتحاد الأوروبي ومؤسساته»، لكنها تتحدث عن عراقيل تضعها الحكومة «الشرعية» أمام التحركات الأوروبية. تقول: «كان من المفترض أن نسافر إلى صنعاء في الأيام المقبلة لكي نلتقي بممثلين عن جميع أطراف النزاع، ونطلب منهم تقديم خريطة طريق لحل دائم وشامل، وذلك تمهيداً لإجراء مصالحة برعاية البرلمان الأوروبي». وتتابع أن «الوفد الأوروبي حصل على التأشيرات من حكومة الأمر الواقع في صنعاء، والحوثيون منفتحون على الحوار مع الجميع. ولكن لسوء الحظ، لم تكن هذه هي الحال مع الحكومة الشرعية التي لم تمنحنا التأشيرات، وقالت إننا سنحصل عليها في أيلول المقبل».

وتختتم لالوند، وهي الباحثة في معهد الاستشراف والأمن في أوروبا،  بالتشديد على ضرورة أن «لا يقتصر دور الاتحاد الأوروبي على الوضع الإنساني، بل يجب أن ينخرط في الجهود السياسية الرامية لإنهاء الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم. إذا لم يفعل ذلك، فإن صدقيته على المحك»، داعية في المقابل حكومة عبد ربه منصور هادي إلى «التوقف عن وضع العراقيل في طريق الحل، من خلال إعطاء غريفيث فرصة من جهة، والسماح لنا بالجلوس مع أطراف النزاع في أيلول من جهة أخرى».

مبادرة كيري لم تُدفن؟

انشغلت الصحف الخليجية، خلال الأيام القليلة الماضية، بمحاولة تفسير تصريحات وزير الخارجية في حكومة عبد ربه منصور هادي، خالد اليماني، حول مساعٍ أممية لـ«إعادة إحياء» مبادرة وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري، التي وصفها بـ«المدفونة». وتزامنت تلك التصريحات، التي كرر فيها اليماني التشديد على أن «لا ترتيبات سياسية قبل الأمنية»، مع إعلان المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، عزمه على جمع أطراف النزاع على طاولة الحوار «في غضون الأسابيع القليلة المقبلة»، متجاهِلاً بذلك قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي تتمسك به الرياض، وينص أولاً على ضرورة انسحاب «أنصار الله» من المدن التي تسيطر عليها وتسليم أسلحتها الثقيلة، بل إن غريفيث أشاد بالحركة عقب لقائه زعيمها عبد الملك الحوثي، واصفاً المحادثات التي أجراها معه بـ«المثمرة».

ولعل تصريحات غريفيث أعادت إلى الأذهان مبادرة السلام التي أطلقها كيري في النصف الثاني من 2016، وحملها المبعوث الأممي حينها إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وتنص على ضرورة وقف إطلاق النار، ونقل الرئيس المستقيل صلاحياته إلى شخصية توافقية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها «أنصار الله»، ومن ثم تسليم السلاح الثقيل الذي بحوزة الحركة إلى طرف ثالث «محايد». هذه المبادرة سرعان ما رفضتها الحكومة «الشرعية»، متهمة كيري بمحاولة التوصل إلى اتفاق مع «الحوثيين» بعيداً منها. خرج كيري من منصبه، واستبدل مبعوث جديد بولد الشيخ أحمد، لتذهب مبادرة كيري أدراج الرياح، أو على الأقل هذا ما اعتقدته «الشرعية». لكن اليوم، تعود وسائل الإعلام الموالية للرياض لتقول إن تحركات المبعوث الأممي «تتجه نحو إبقاء الحوثي كجزء من المعادلة، وبذلك تعيد إحياء خطة كيري».



الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...