«كرة النار» تتدحرج من عفرين إلى الباب

07-05-2018

«كرة النار» تتدحرج من عفرين إلى الباب

أسباب الاقتتال العنيف الذي تشهده مدينة الباب ليست عابرةً خلافاً لما تبدو عليه الأمور. ثمة عوامل متداخلة تلعب دوراً جوهريّاً في تأزيم الموقف، من بينها الاقتتالات التي اندلعت في عفرين بين «أحرار الشرقيّة» و«فرقة الحمزة» في آذار الماضي. لكن العامل الأهمّ يكمن في خطط «أحرار الشرقيّة» لتفعيل خطوط تهريب جديدة، وبالشراكة مع جهات تركيّة «فاعلة»

تجدّدت جولات «الاقتتال الداخلي» في مدينة الباب الخاضعة لسيطرة مجموعات مسلّحة عاملة تحت راية الاحتلال التركي. لكنّ الشرارة لم تكن وليدة أمس، و«الباب» ليست مصدرها الأساسي. وللوقوف على الأسباب «القريبة» لمعارك الباب تنبغي العودة إلى أحداث مشابهة شهدتها مدينة عفرين في الأسبوع الأخير من آذار الماضي، حيث تحوّلت عفرين وقتها إلى مسرح لمناوشات بين «تجمّع أحرار الشرقيّة» (يتبع لـ«الجيش الحر») من جهة، و«فرقة الحمزة» من جهة أخرى (تتبع لـ«الجيش الوطني» الذي أنشأه الأتراك في مناطق «درع الفرات»).

اندلعت المناوشات المذكورة بسبب خلاف على مستودع يحوي «مسروقات مُصادرة»، سرعان ما تطوّرت إلى معارك طاحنة تردّدت أصداؤها في صورة معارك مشابهة اندلعت بين الطرفين في مدينة الباب وبلدة بزاعة المتاخمة لها. أسفرت المعارك عن هزيمة كبيرة لحقت بـ«الحمزة» التي طُردت من عفرين بعد أن بلغت حصيلة الأسرى في صفوفها قرابة 130 عنصراً. وبالتزامن، مُنيت «الحمزة» بهزيمة مماثلة في مدينة الباب، وتم الاستيلاء على كل مقارها بما فيها من أسلحة وعتاد وذخائر. توقّفت معارك آذار بعد أن تدخّل الجيش التركي، وعقد الطرفان صلحاً برعاية «اللواء مصطفى» وهو جنرال تركي. 

المفاجأة كانت في أنّ تبعات الاتفاق صبّت وقتها في مصلحة «أحرار الشرقيّة» رغم أنّ «الحمزة» محسوبة على الأتراك بشكل كامل. وعلى رغم أن الاتفاق المذكور نصّ على «إعادة السيطرة إلى ما كانت عليها» فإنّ «أحرار الشرقيّة» احتفظ بمعظم المقار التي استولى عليها، و«بدعم خفيّ من جنرالات أتراك» وفق ما تؤكّده مصادر ميدانيّة معارضة ،ونتيجة لذلك سعى «أحرار الشرقيّة» في الفترة الماضية إلى تعزيز سلطته في مدينة الباب ومحيطها عبر زيادة عدد الحواجز، والتعامل مع السكّان وفق منطق «الترهيب» لا سيّما العوائل المحسوبة على مجموعات أخرى مثل «الحمزة» و«حركة أحرار الشام الإسلاميّة». وقبل أيام اندلعت معارك بين «أحرار الشرقيّة» و«أحرار الشام» في منطقة جنديرس (التابعة لعفرين)، بسبب خلاف على تقاسم عدد من المنازل بغية تحويلها إلى مقار للطرفين. ومن جديد وصلت المعارك إلى مدينة الباب، وأخذت هذه المرّة صورة مناوشات بين «أحرار الشرقيّة» وبين عائلة «الواكي» التي ينتمي قسم كبير من أبنائها لـ«حركة أحرار الشام». وفي خلال ساعات قليلة تحوّلت المناوشات إلى معارك طاحنة في معظم أحياء الباب، بعد أن أقدم «أحرار الشرقيّة» على إعدام أحد وجهاء العائلة (وهو قيادي في «أحرار الشام») انتقاماً لإصابة بعض عناصره. ووسط ذيوع أنباء عن استعداد قوّات «كوماندوس» تركيّة لدخول الباب والفصل بين الطرفين، سارع «أحرار الشرقيّة» إلى إصدار «بيان توضيحي» قال فيه إنّ أسباب أحداث الباب تعود إلى «مواصلة بعض العصابات التي لا تنتمي إلى أي فصيل اعتداءاتها على أهالي الباب». ووفقاً للبيان فقد قام «أفراد عائلة الواكي بالاعتداء على اثنين من مقاتلي أسود الشرقيّة الذين هُجّروا من القلمون بغية زعزعة الأمن وخلق الفتنة». وعلى المقلب الآخر، أكّد مصدر من أبناء مدينة الباب أنّ «إطلاق النار تمّ بعد أن رفضت سيارة تقل عناصر أسود الشرقيّة الوقوف على أحد الحواجز الأهليّة».

«التهريب» كلمة السر

بعيداً من الحوادث المباشرة والأسباب الظاهريّة للاقتتالات المتتالية، ثمّة أسباب جوهريّة تقف وراء استماتة «أحرار الشرقيّة» لبسط سيطرتها على مناطق بعينها، وعلى رأسها منطقة الباب (ريف حلب الشرقي)، ومنطقة راجو (ريف حلب الشمالي الغربي، وتتبع بعفرين). أما كلمة السر لفهم تلك الأسباب فليست سوى «خطوط التهريب». وفيما تحظى راجو بموقع حدودي يتيح تحويلها إلى معبر تهريب نشط بين مناطق «غصن الزيتون» ولواء إسكندرون، تحظى مدينة الباب بفرصة مماثلة لتحويلها معبراً للتهريب بين مناطق «درع الفرات» ومناطق سيطرة الدولة السوريّة. وتؤكد مصادر معارضة أنّ «قائد جيش أسود الشرقيّة» طلاس السلامة كان عقد اتفاقات سريّة مع «قائد تجمع أحرار الشرقيّة» أبو حاتم شقرا لتنشيط خطوط التهريب على المحور المذكور، بالاستفادة من «خبرة» السلامة وعلاقاته المتشعبة مع أطراف داخل تركيّا، ومن قوّة «أحرار الشرقيّة» في منطقة الباب. تشير المصادر إلى أن السلامة كان قد حصّل خبرته ونسج علاقاته على امتداد السنوات المنصرمة بشراكات متنوّعة، شملت «قادة» في «جبهة النصرة» وآخرين في تنظيم «داعش».

الجنرالات شركاء؟

أبرز ما في المعلومات مؤشّرات كبيرة على ضلوع جنرالات أتراك في رعاية خطط «أحرار الشرقيّة». من بين تلك المؤشرات يبرز انحياز الجنرالات لـ«أحرار الشرقيّة» في «اتفاق الصلح» السابق، وغض النظر عن امتناع أبو حاتم وطلاس السلامة عن تنفيذه، وعن مواصلة «أحرار الشرقيّة» أعمال توسيع النفوذ في منطقة الباب. وعلاوة على ما تقدّم يبرز تعطيل أطراف تركيّة مجهولة لعمليّة فتح «معبر» بين مناطق سيطرة الدولة السوريّة، ومناطق «درع الفرات» عبر مدينة الباب. وكان التوافق على فتح المعبر المذكور قد تمّ قبل شهور طويلة بين أنقرة، وبين جنرالات في «مركز المصالحة الروسي» في تل رفعت (يتولى المركز المذكور مراقبة خطوط التماس بين مناطق سيطرة الدولة السورية، ومناطق الاحتلال التركي). وعلى رغم أن مناطق سيطرة الدولة السورية كانت قد شهدت استعدادات لوجستيّة لفتح المعبر المذكور، فإنّ الجانب المقابل لم يشهد أي تحرّك في هذا الصدد، قبل أن تُطوى الفكرة في شكل نهائي من دون سبب واضح. وتؤكد معلومات  أنّ «مراكز نفوذ عسكرية تركية كانت قد عطّلت الإجراء متذرعة بحجج أمنيّة».



الاخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...