خسائر العلمانية في بؤس العلمانيين
أنت علماني، إذاً، أنت غير موجود. النظام السياسي في لبنان، لم ولا يعترف بك، وقد لن. الدستور تجاهلك. القوانين استثنتك.
أنت العلماني، موجود فقط بصيغة النفي. أنت لست.
الحيز السياسي، الحقوقي، الاداري، الوظيفي، مغلق أمام العلماني. الحيز اللبناني الاجتماعي، التربوي، الثقافي، مفتوح، إنما أبوابه المدنية بأيدي المؤسسات الدينية، الطائفية، المذهبية. القوانين تحد المنع. والاعراف أشد قسوة وفتكا بالعلماني. عندما يغيب النص يحضر العرف الطائفي.
أنت العلماني، موجود ووجودك مشروط بالوصاية الطائفية الالزامية، او بالحماية المذهبية الضرورية. بدونهما، أنت طارئ على المجتمع، غريب فيه، وأنت منه. كي ينوجد العلماني في لبنان، في أي حيز مشترك، عليه ان ينخرط طائفيا. عليه ان يوضب علمانيته وان يعتبرها ترفيها فكريا او ايديولوجية خلاصية، ثم، عليه ان ينصرف لترتيب شؤون وجوده اللبناني، من خلال الحياة الطائفية النشطة جدا، في السياسة والإعلام والإدارة والتخطيط وإنشاء المؤسسات التربوية (جامعات، مدارس، معاهد، حضانة، تقني) والاجتماعية (مياتم، مآو، أندية) والطبية (مستوصفات، مستشفيات، صيدليات) والخدماتية والخيرية.
إذا غادر العلماني هذا النشاط، ورفض الخدمة الالزامية فيه، فسيجد نفسه عاطلا عن النشاط. فالحيز العلماني، شبه معدوم، إذ لا مؤسسات حكومية او مدنية تتيح للعلماني ان يمارس قناعاته، في نشاط مستقل وأن يمارس فعاليته الوطنية، كإنسان مستقل، متحرر، غير تابع، يؤمن بالحرية.
أنت علماني، مأزقك في لبنان أنك تمثل وعيا حديثا للذات وللإنسان، لك وللآخر، للدولة وطبيعتها، للقوانين ووضعيتها، للبشري والديني وللحدود الفاصلة بين الله وقيصره. أنت العلماني، أحدثت قطيعة نهائية وحاسمة مع تركة العصور الوسطى، وموروثات المجتمع الاقطاعي، وشروط الانتماء للماضي. أنت تتجه الى المستقبل. ولذلك، أنت ستبقى مطرودا، عن سابق تصور وتصميم. أنت الخطر الجميل، فابقَ في الحجر السياسي. أنت علماني، إذاً، أنت ممنوع من الوجود في لبنان، برغم أنك ممتلئ الوجود بذاتك وفكرك ووعيك وثقافتك وانتمائك وانسانيتك ووطنيتك.
أنت والطائفي ضدان، لا يلتقيان.
هو موجود بالتمام والكمال. بكل أوبئته المتنامية، وأنت مغلوب على أمرك، متسكع، سائح، او اي شيء آخر، باستثناء ان تكون مواطنا. كي تكون لبنانيا، بطريقة ما، بتلفيق ما، بنفاق ما، بقضية معلنة ما، عليك ان تعيش بالمثنى: تفكر علمانيا، وتمارس طائفيا. الطائفي اكثر انسجاما. إنه مقيم في مقعده. مرتاح لوضعه. يتناقض مع من يشبهه من الطوائف الاخرى. يقلِّد ويقلَّد، يَنسخ ويُستنسخ. يتأصل في الماضي. يطرح مستقبله على صورة ماضيه ويصنعه أشد شناعة.
الطائفي استشرى، فاض عن مواقعه المقررة في القوانين. احتل بواسطة الأعراف المستحدثة، كل الأمكنة. صار أقوى من النص، أقوى من الدولة. هو الأقوى دائما. في الحروب هو الأفعل والأشد فتكا. في السلم، هو الأكثر انتفاعا وانتقاما، فأين مقام العلماني؟
هل حُكم عليه بالإعدام السياسي المؤبد؟ هل يرضخ لمصير يخطه له نقيضه الطائفي، فيقوده الى معارك خاسرة، ونظام خائر، ودولة كسيحة ومجتمع تنكسر أجنحته قبل التحليق؟
أم ان العلماني يستطيب نظافة فكره وينتفخ بالاكتفاء الذاتي لوعيه، فيصب نقده وشتائمه على أبناء جلدته، وبلده، وكفى الله؟ أم أنه ينقد مسيرته التي لم تُنتج بعد، مشروعا قابلا للتنفيذ؟ الحق على الطائفي؟
ربما تقع عليه مسؤولية العمل للنجاح. فالطائفي، أثبت جدارته بالعمل والمثابرة والتضحية والاحتيال وكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة. فماذا فعل العلماني، سوى الخدمة المجانية أحيانا، في هذا المعسكر الطائفي، او ذاك، حربا وسلما. ثم خرج بخفي حنين. يلعن الطائفي ويبرئ نفسه.
متى يصير العلماني بإيمانه ووعيه، علمانيا ملتزما بالعمل والجهد والعقل والممارسة، في كافة أنشطة الحياة الاجتماعية والسياسية؟ متى يبدع العلماني، حيزه الخاص، أرضيته الخاصة، فضاءه الخاص، ويقول: هذا أنا هنا. علماني بجدارة الإنتاج والنشاط. علماني، يساهم في موقعه العلماني، بمقاربة حاسمة، بكل القضايا الوطنية والسياسية والاجتماعية والقومية والاقتصادية. الطائفي لن يعطي العلماني ولن يتحنن عليه.
العلماني أعطى الطائفي. قدم له الدماء والأصوات والخبرات والتجارب والتنظير، وخرج خائبا، بلا حيز. لا مكان لإقامته كعلماني.
هل يقرر العلماني، أن يقول: كفى هدرا للوقت والجهد. ولنبدأ ببناء مؤسسات علمانية، ننشط فيها، في مشروع بعيد المنال، ولكنه أكيد، نحول فيه الدولة، من مزرعة الطوائف الشرسة، الى وطن ديموقراطي، ويستقوي على مشكلاته، بالعقل والحوار والديموقراطية. وتكون العلمانية ركيزة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات؟
تلك هي المسألة... وهنا بعض المحاولة.
أمامنا أبواب مغلقة كثيرة... وعلينا ان نصنع مفاتيحنا بأيدينا، فإن لم.. نخلع هذه الأبواب الصدئة والموصدة.
أولا: باب النظام:
أقفل الدستور اللبناني، بصيغتيه، الباب أمام تطوير النظام اللبناني. فالمادة 95 الأصلية والمعدلة، وهي حجر الزاوية التي أقيم عليها البناء الطائفي المرصوص، نصت على «العدل الطائفي» الموقت في إدارة شؤون الدولة وفي وظائفها، كما حدد اتفاق الطائف اسلوبا لتنفيذ هذه «العدالة الطائفية» عبر «نظام المحاصصة» الظالم: المناصفة بين الدينين والمحاصصة النسبية بين الطوائف والمناطق. وقد احترم السياسيون هذه المادة الدستورية، وأتقنوا التجييش لتطبيق المعطى الدستوري هنا، حرفا وروحا.
طبقوا المحاصصة بحذافيرها وشتموها. المهم التطبيق. لشتم ديكور أخلاقي. طلاء كلامي. مسحوق تجميلي.
طبقوا المحاصصة بأصولية وسلفية أكيدة. واتهموها بتسبب الفساد: الفساد السياسي، الهدر المالي، النهب المفضوح. كلامهم وشعاراتهم عن محاربة الفساد جعجعة بلا طحين. فساد من دون فاسدين. فليكن. اذا انتشر الفساد، كان ذلك سيئا نسبيا. المهم، ان لا تنتهك قداسة المحاصصة الفاجرة، مسببة الفساد العام.
لم يفتح الدستور نافذة صغيرة لتطوير النظام باتجاه الغاء الطائفية. والنافذة المزعومة الواردة في المادة ,95 مغلقة الى أجل غير مسمى. الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية، شاخت قبل ان تولد. وان أتيح لها الولادة، فستولد ميتة ولن تُبعث حية. القاعدة الذهبية الفاضلة تقول: لا يعدم المرء نفسه. لا يعلق رقبته في أنشوطة الإعدام. لا يقصلها. الطائفي لا يوقع على مرسوم او قانون إلغائه.
ولهذا، يزداد النظام اللبناني انغلاقا على ذاته، وعزلة عن ناسه. الناس عوضوا عن لجوئهم الى الدولة بالركون الى الطائفة. الطائفة دولتهم الصغيرة. وطنهم المريح. الطائفة هواؤهم السياسي واختناقهم كذلك. العامة الطائفية مؤمنة عن جد بالطائفية. أما نخب الطوائف وزعاماتها، فهي تدرك مخاطر الطائفية، ولكنها تفضل اللعب بها وقيادتها لأنها مطية سهلة لتأمين أقصى المنافع والمصالح والنفوذ السهل. عامة الطائفة، لا تحاسب زعاماتها. العامة تطوب قادتها وتؤبدها. العامة تبذل دمها وعرقها وكرامتها لبقاء لواء الطائفة عاليا. بؤساء الطوائف يرون خلاصهم في الجحيم الطائفي.
فكيف يطلب الى هذه الطبقة إلغاء الطائفية؟
إن إلغاء الطائفية يمهد لإلغائهم، والغاء امتيازاتهم. فالمادة 95 أغلقت النوافذ كلها.. ورسمت عوضا عن ذلك اطارا غامضا وقالت: هذه نافذة للمستقبل. فما العمل، إذا كان اتفاق الطائف لم يترك للعلماني منفذا واحدا للعبور الى النظام ولم يرسم طريقا لهذا النظام للخروج من مأزقه واختناقه؟
للدستور أبواب اخرى، أهملها اللبنانيون. لعل أبرزها حق الانتماء والمساواة والعدالة وحق الاختيار والحرية. هذه النصوص قد تشكل اسلوبا للنضال ضد الطائفية.
ثانيا: باب الأحزاب:
يعول التغيير والتطوير على الأحزاب، كتنظيم حديث، يقوم على الانتماء الحر والالتزام بفكر او ببرنامج سياسي، والنضال من أجل نصرة مشروع أو قضية.
نظريا الأحزاب الديموقراطية أداة للتغيير الديموقراطي. الأحزاب العلمانية أداة نضالية للتغيير باتجاه العلمانية، أداة تبشير وتنفيذ وتقييم فكرتها وبرنامجها. الأحزاب الشيوعية او الاشتراكية تقوم بأداء فكري نظري مرتبط بأداء عملي يتناسب مع الأهداف المرسومة.
استقرت الأحزاب في لبنان بعد طول مخاض في أحضان الطوائف او في القطار الطائفي. بعض هذه الاحزاب كان علمانيا جدا وما زال. وبعضها نشأ ضد الطائفية ثم تقلص فبات طائفيا بمنسوب مرتفع. الحزب التقدمي الاشتراكي، بدأ مسيرة مشتركة من كل الطوائف ثم استقر في البيئة الدرزية. حركة المحرومين التي قادها السيد موسى الصدر ازدانت بأسماء نخب لاطائفية من كل الطوائف. كانوا قادة رأي وفكر وإدارة. وبعد مسيرة قصيرة جدا استقرت في الحضن الشيعي فقط لا غير. أحزاب الناصريين القومية بعد عبور سريع من الوحدة الى التفكك وجدت ما تبقى منها، معبرا عن شرائح سنية قليلة.
الأحزاب العقائدية والعلمانية حافظت على نقاوة العقيدة في الخطاب الايديولوجي ولفقته مع النظام الطائفي في الخطاب والحراك السياسيين. لجأت في ممارستها الى المفاضلة بين طائفة وطنية وأخرى لاوطنية. بين طائفة ترش الأرز على العدو، وطائفة «سترشه» في ما بعد... الى آخره.
طرحت على مستوى الايديولوجيا: تغيير النظام الطائفي. إلغاء الطائفية او الطائفية السياسية. استمرت في ترداد عيوب النظام الطائفي بوتيرة سبقها فيها أهل الطوائف جميعا. ادعت أنها تريد إقامة نظام علماني. ولكنها لم تفعل، بل غالبا ما جاء سلوكها السياسي متحالفا مع الطوائف مصطفا الى جانبها، وخائضا معاركه.
باب الحروب الإقليمية:
لو كان لبنان جزيرة في بحر ناء، لكان استقلاله ناجزا، وسيادته محترمة نسبيا، ولربما، وجدت الطوائف فيه، طريقة فضلى في إدارة البلاد، من دون اضطرارها الى مد يدها الى الآخر، لاقامة نظام متوازن نسبيا، مستقر نسبيا، ديموقراطي نسبيا... وموقت باستمرار. إلا ان لبنان على تماس مع أصعب أزمة حلت في المنطقة، بعد تقسيم سايكس بيكو للتركة العثمانية، وبعد وعد بريطاني، نفذته الحركة الصهيونية، كيانا لليهود، على أنقاض الشعب الفلسطيني.
شهدت هذه المعضلة، انخراطا وتدخلا دوليين، مرارا عديدة. وعرفت هذه القضية، عددا من الحروب، فاق اي منطقة اخرى في العالم. ففي ظرف نصف قرن فقط حدث ما يلي:
حرب التقسيم واغتصاب فلسطين عام .1984
العدوان الثلاثي (بريطانيا، فرنسا، اسرائيل) على مصر عام .1956
حرب حزيران وهزيمة الجيوش العربية عام .1967
حروب العصابات والفدائيين الفلسطينيين من العام 1965 ولا تزال متأججة في الانتفاضة.
أحداث ايلول في الأردن عام 1970 ودخول السلاح الفلسطيني الى لبنان، وتحول المخيمات الى معسكرات تدريب، بدعم من شريحة لبنانية، في الحكم وخارجه.
اجتياح لبنان الاول عام 1978 واجتياح لبنان الثاني عام .1982
حرب تشرين عام .1973
الانتفاضة الاولى عام 1988 والانتفاضة الثانية عام .1990
يضاف الى هذه الأحداث العنيفة، انعكاس المعضلة الفلسطينية على سياسات الأنظمة العربية في الدول المحيطة بفلسطين: انقلاب في مصر، سلسلة انفجارات في سوريا والعراق، محاولات فاشلة في الأردن.
كان لبنان على تماس بأزمة فلسطين. لكنه، بعدما نجا من أسر الحروب الكلاسيكية الكبيرة، حضرت إليه الحروب الصغيرة، واحتلت جغرافيته كاملة، على مدار 15 عاما.
لم يكن ممكنا ان ينأى لبنان عن هذا الصراع. تحاشاه، هرب منه، احتال عليه. ولكن الطوفان الاقليمي عَبَرَ السياج الهش للبنان، وبات جزءا من الطائفية في لبنان.
في هذه الانعطافات الحادة الاقليمية، تبارى اللبنانيون في إبراز التناقض. باتت الهوية اللبنانية، مغتربة عن أرضها. اختصرت الهويات القومية في الطائفية، وتداخلت الأخيرة مع القضايا الوطنية والقومية، ثم بالغت، وبات البعض منها، جزءا من مشروع ديني مع وقف التنفيذ.
أهي فلسطين سبب مشكلتنا، أم كيفية تعاطينا مع هذه المشكلة، هي سبب انقسامنا؟ أهي العروبة سبب انقسامنا، أم ان انقسامنا سابق على العروبة والقوميات؟ وأسئلة اخرى أكثر صعوبة وأشد هلكا.
الطريق إلى العلمانية:
أزمة الفكر العلماني أنه ظل فكرا. صار تبشيرا ولم يصبح مشروعا. أزمة الفكر العلماني أنه بالغ في قوة ونصاعة حقيقته، فيما بالغ في هشاشة وضعف النظام الطائفي في لبنان. ادعى قدرته على التغيير وطالب بدولة علمانية ولكنه لم يتنكب مسؤولية العمل المنهجي لبناء العلمانية حجرا حجرا. ظن أنه قادر على ان يكون البديل التام والناجز عن النظام الطائفي. وعندما قرر التواضع والبدء بالأجزاء وصولا الى الإنجاز، لم يدعم تواضعه هذا، بقوة مناسبة، تفرض التعديل.
مارس رياضة الكلام العملي المنهجي. عندما جمد مشروع الزواج المدني الاختياري بعد إقراره في مجلس الوزراء اللبناني، لم تحرره قوة العلمانيين. تذمروا، شتموا، ولم يتحدوا من أجل تحرير هذا المشروع من المنع. ظل الشارع فارغا فيما احتله تهديد رجال الدين وتواطؤ بعض رجال السياسة.
المعركة مع الطائفية ليست بالكلام ولا بالترداد الايديولوجي لفضائل العلمانية ورذائل الطائفية، بل بالعمل المنهجي الدؤوب والمتراكم، الذي لا ييأس.
إذا كانت وظيفة النظام الطائفي، عدم الاعتراف بالعلماني، فإن من مهمة العلماني الأساسية إثبات حقه في الوجود القانوني والسياسي. من مهماته ان يسعى ويناضل لينوجد. فهل هذا ممكن؟
1 قدم طلال الحسيني اقتراحا عمليا يقترح فيه على العلمانيين الانسحاب من السجلات الطائفية لأن الدستور كفل حق الاختيار للبنانيين. وحق الاختيار لمن يبلغ الرشد. نحن سجلتنا الدولة في خانة طائفية، وفق تقليد وعرف غير قانونيين وغير دستوريين. ذلك ان من يريد ان يمارس حقه في حرية المعتقد، عليه ان يتقدم ويشهر ذلك، عندما يبلغ سن الرشد. ألغيت حرية المعتقد، وحرية الاختيار. مورس ضدنا الإلزام. حتى حرية التصريح بالمعتقد الديني، ممنوعة.
الحرية تعني في هذا الحيز ان اختار طائفتي كمعتقد او كمؤسسة او كحالة في النظام السياسية اللبنانية. والحرية تعني كذلك ان أختار طائفتي في المعتقد، من دون ان يؤدي هذا الاختيار الى تبني الانتماء الى الطائفة كمدخل الى الوطن. أكون مؤمنا وذا اعتقاد، وأمارس واجباتي الدينية، وفق طقوسي الدينية، من دون ان يستتبع ذلك إدراجي من دون علم مني في خانة طائفية ترتب عليّ إلغاء فرادتي ومواطنتي. وهناك مسعى جدي لتظهير هذا المنحى كي يصبح العلماني موجودا خارج القيد الطائفي على ان يتقدم بطلب أمام مأموري النفوس، وبموازاة ذلك يجري العمل على تقديم مشروع قانون يتيح لهؤلاء ممارسة واجباتهم الوطنية وبلوغ حقوقهم بغير الوسائل الطائفية.
2 قدمتُ اقتراحا للجنة العليا لقانون الانتخابات اللبنانية يقضي بأن يلحظ القانون الانتخابي القيد نصا يتيح للعلمانيين ان يتمثلوا كالطائفيين في المجلس النيابي تمهيدا لحضورهم في مؤسسات الدولة الرسمية وإداراتها العامة على ان تكون حصتهم من ضمن نظام المحاصصة متناسبة مع حجمهم الانتخابي. وقد فصّلت هذا المشروع ضمن اقتراح يتضمن إمكانية قيام نظام سياسي لبناني مختلط يتنافس فيه الطائفيون والعلمانيون داخل المساحة السياسية وفق الأصول الديموقراطية. لا يلغي العلماني الطائفي، وليس على الطائفي ان يلغي العلماني. والمنافسة تكون في كل الميادين. فإذا كانت وظيفة الطائفي ممارسة الثقافة الطائفية والتمييز الطائفي والسياسة الطائفية، فإن مهمات العلماني في السلطة وفي المؤسسات التشريعية الادارية ممارسة العلمانية وثقافتها وعدلها... ذلك والغلبة تكون للنموذج الأفضل والأقوى ضمن الاطر الديموقراطية.
من حق العلماني ان يمارس وجوده داخل مؤسسات المجتمع والدولة، ولن يمنح هذا الحق، الا اذا انتزعها بقوته، مجندا طاقات ضرورية، لبلوغ حصته. وقوة العلماني متاح بناؤها ونموها اذا نهج وفق آليات ناجعة. وأقترح:
أ مؤسسات علمانية في المجتمع الأهلي. فحتى الآن الحيز الأهلي يزخر بأنشطة المؤسسات الطائفية في الميادين كلها. الثقل الطوائفي في المجتمع ضخم جدا. الثقل العلماني معنوي. لا يؤخذ بعين الاعتبار، يسهل إلحاقه بالطوائف.
إذا لم تنشأ مؤسسات علمانية، إعلامية، ثقافية، تربوية، جامعية تشهر فضائلها وقيمها وسلوكها العلماني، من دون اختلاطات طائفية/ دينية. فإن العلمانية ستبقى فكرة طوباوية، او ايديولوجية، بلا أقدام، تراوح فقط في الكلام.
ب إنشاء مراكز علمانية في المناطق اللبنانية كافة لممارسة أنشطة ثقافية وإنمائية وإعلامية وتربوية ومخيمات...
ج إعلاماً علمانياً لأن الإعلام قوة ضاربة في العمل الاجتماعي والسياسي.
د إقامة هيئة تنسيق دائمة بين كافة التيارات والأندية والجمعيات العلمانية في المجتمع، لدعم المشاريع الخاصة والمشتركة.
ان القوة المفترضة للعلمانيين تفترض حتما إلغاء فكرة العنف كليا، لأن العنف يقدم خدمة رائعة للطائفية. إن الممارسة السلمية والديموقراطية ضمن برامج مدعومة بقوة العلمانيين تحرص على تشكيل حالات جادة، لا يمكن ان تهملها السلطة ولا يمكن ان تتجاوزها القوى السياسية في البلاد.
أخيرا: المال يختصر الطريق. يدفع الخطوات باتجاه الانجاز.
الطوائف ثروات عقارية ومالية ومدعومة من الخارج عبر امتداداتها. والعلمانيون أمام امتحان الكرم. ذلك ان كل نشاط، وكل خطوة، بحاجة الى كرم المتبرعين. بيت مال العلمانيين يلزم ان يكون من جيوب العلمانيين.. إذا كان هذا الرصيد فقيرا، فإن العلمانية ستبقى امرأة متسولة على أبواب الطوائف.
هذه صورة تفتح المشهد على إمكانات كثيرة بشرط ان يعي العلمانيون ان الطائفيين دافعوا بشراسة وعنف وضحوا من أجل نصرة قضاياهم الطائفية.
فليكن العلمانيون كالطائفيين في الدفاع عن علمانيتهم، ولنصرتها. وإلا فصحتين، لمن ستكون له الغلبة.
نصري الصايغ
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد