تهريب البشر.. ثمن الخروج من جحيم الرقّة

22-11-2016

تهريب البشر.. ثمن الخروج من جحيم الرقّة

يشهدُ تهريب البشر من الرقّة السورية رواجاً منقطع النظير، بعدما حوّل تنظيم «داعش» المدينة إلى سجنٍ كبير ومنع الخروج منها. وبات التهريب هو الحلّ الأمثل للسكان، على الرغم من مخاطره الكبيرة على حياتهم، وتكاليفه العالية.
التهريب في الرقّة ليس حديثاً من حيث المفهوم، فلطالما كانت المعابر غير الرسمية مع العراق وتركيا نشطة. لكن الجديد هذه المرة هو نوعية المواد المُهرّبة. فهي ليست أدوات كهربائية، ولا تبغاً، ولا مشروبات روحية ولا غيرها من الموادّ التي اعتاد السكان تهريبها، بل بشر. المُهرَّبون من الرقّة هم البشر، لا أي شيء آخر.سوريون يحاولون الدخول إلى تركيا هرباً من الحرب في بلادهم (عن الانترنت)
بدأت حركة تهريب البشر من الرقّة فعلياً قبل عامين، نظراً لبعض الضوابط التي كان يضعها «داعش» على الخارجين من المُحافظة المحتلّة، التي كان الكثيرون يستطيعون التعامل معها وتقديم المُبرّرات والحجج لعناصر «داعش» من أجل الاحتيال عليهم والمُغادرة. إلا أن التنظيم في مرحلة لاحقة جعل الخروج ممنوعاً من الرقّة باتجاه مناطق سيطرة الحكومة، وسمح به فقط باتجاه الموصل.
«خيارات سكان الرقّة لم تكن يوماً الموصل، ولن تكون كذلك»، يقول رضوان، وهو مُدرّس سابق منعه «داعش» من العمل، مضيفاً «نحن أردنا الخروج من الرقّة هرباً من داعش الذي يُسيطر عليها، فكيف نذهب إلى الموصل وهي تحت سيطرته؟ نحن أردنا الذهاب إلى مناطق سورية لا يُسيطر عليها داعش، وبالتالي كان لا بد لنا من الاعتماد على التهريب».
إلا أن خيار التهريب لم يعد متاحاً لكل الناس، فهو يقتصر على من يملكون المال نظراً لتكلفته العالية، حتى إن البعض باتوا يبيعون منازلهم ويدفعون ثمنها في مقابل الهروب منها بأرواحهم وعوائلهم، وهؤلاء الذين يبيعون بيوتهم لا يُفكّرون بالعودة نهائياً.
في عام 2011، كان بإمكان أي مُواطن السفر من الرقّة إلى أي مكان يُريده في سوريا عبر وسائط النقل العامة بتكلفة لا تزيد عن ألفي ليرة سورية (أربعة دولارات حالياً) على أقصى تقدير، إلا أن هذا الرقم بات من الماضي البعيد.
عائلة واثق خرجت من الرقّة في نهاية شهر أيلول الماضي، ووصلت إلى دمشق بعد ستّة أيام من انطلاقها. يروي واثق كيف خرج وعائلته قائلاً: «لم يعد لي جلدٌ على البقاء هناك، وأريد لأطفالي أن يُكملوا تعليمهم، لذلك تواصلت مع المُهرّب من أجل إخراجي وعائلتي، وقد طلب في مقابل إخراجنا، ونحن ستة أشخاص، مليون ليرة سورية (أكثر من ألف دولار)، لم يكن أمامي خيار آخر سوى دفع المبلغ والهرب».
قبل صلاة الفجر، كان موعد الانطلاق. ركبت العائلة في الفان الذي اختار سائقه يوم السفر وساعته، واتجهوا معاً إلى خارج الرقّة. يعبر الفان عادةً على حواجز التنظيم ضمن المدينة وعلى أطرافها بسهولة، فالوجهة تكون ريف الرقّة حيث لا مانع في ذلك.
بعد الوصول إلى الريف، يختار المُهرّبون طرقاً فرعية يسيرون عليها كي لا يتمّ رصدهم من قبل عناصر «داعش». وللمُهرّبين خططهم وأسلوبهم في تهريب الناس. فهم امتهنوا الأمر جيداً على ما يبدو، وأصبحوا أشبه بالعصابات المُنظّمة، حيث يعتمدون على مُخبرين على الطرقات التي سيعبرون منها، تكون مهمتهم مراقبة الطريق وتبيان حاله إذا كان سالكاً أم لا.
ويقول رائد، الذي غادر الرقّة مع عائلته عبر طرق التهريب، إنهم لم يقفوا على أي حاجز لـ «داعش»، وسلكوا طرقاً فرعية بدت وكأنها شُقّت حديثاً خصيصاً للتهريب في بعض المناطق.
ويروي واثق أنهم كانوا في بعض الأيام يبيتون في منازل لعصابات التهريب تنتشر في المناطق التي يعبرونها، وعندما يصبح الطريق سالكا يُتابعون المسير. لكن هناك مسافة لا بدّ من اجتيازها ليلاً وسيراً على الأقدام، وهي تقدر بنحو 25 كيلومتراً. ويوضح والد الأطفال الأربعة أنه كان وعائلته مُعرّضين في أي لحظة للوقوع في يد التنظيم الإرهابي، لكنّهم فضّلوا خوض المُغامرة لأنها أفضل من الموت البطيء في الرقّة.
طرق التهريب ثلاثة، واحد باتجاه القامشلي مُباشرة، والثاني باتجاه حلب عبر الباب، والثالث باتجاه حماه، وهي طرق خطرة جداً لا يجرؤ على عبورها إلا المُهرّبون وعناصر التنظيم. إلا أن طريق حلب هو الأكثر استخداماً، حيث يأتي السكان من الرقّة إلى حلب من ثم إدلب وبعدها إلى حماه التي يستريحون فيها قليلاً قبل أن يُغادروها إلى دمشق وطرطوس واللاذقية، أو يعتمدوها مكاناً لإقامتهم.
بعض العائلات المُهرَّبة لا تصل بأكملها إلى وجهتها داخل سوريا، فمن إدلب يتّجه أحد أفرادها إلى تركيا، ومنها يبدأ مشروع الهجرة الى أوروبا، أو العمل هناك وإرسال الأموال إلى عائلته، حيث تعيش معظم العائلات النازحة حديثاً من الرقّة ظروفاً صعبة بسبب المصاريف الكبيرة التي يدفعونها ثمناً للخروج من الحياة تحت حكم «داعش».
لا تقتصر مصاريف التهريب على حصّة المُهرّب في مُقابل النقل. فهناك أموال أخرى تُدفع للإقامة والطعام، وللحواجز المختلفة على الطرقات. ومع ذلك، فإن الأهالي يُفضّلون المغادرة وعدم البقاء، ومعظمهم تكون وجهتهم مناطق سيطرة الحكومة السورية بحثاً عن الأمان والتعليم والخدمات وهامش الحريات المُنخفض فيها في مُقابل الحريات المعدومة حيث كانوا يعيشون في الرقّة، أو في المناطق التي مرّوا بها خلال رحلة سفرهم، بحسب تعبير واثق.
المستقبل بالنسبة للمُقيمين في الرقّة قاتمٌ جداً، وهم لا يُخفون فقدانهم الثقة بكل شيء من حولهم، حتى إنهم يُعلنون جهاراً أن الأمل لديهم مات، وقد دفنته الأيام السوداء التي يعيشونها في الرقّة وعلى طرق الهرب منها.

بلال سليطين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...