«كيميائي» حلب يعيد نبش ملفات الحرب
ضجت الساحة السورية عموماً، والكردية خاصة، بحادثة استعمال أسلحة كيميائية في ضرب حي الشيخ مقصود في مدينة حلب من قبل الفصائل المسلحة التي تقول إنها تخوض حرباً مع القوات الكردية التي تسيطر على الحي، خصوصاً مع استقبال النقاط الطبية في الحي إصابات بحالات اختناق تم توثيقها.
واتخذ الأمر منحى تصاعديا، وصل إلى أروقة الأمم المتحدة، ما دفع الأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون إلى إعلان «تشكيل فريقين للوقوف على حقيقة استعمال هذه الأسلحة»، قبل أن يفجر «جيش الإسلام» مفاجأة باعتراف ضمني باستعمال هذه الأسلحة في قصف الحي ذي الغالبية الكردية.
وفي تفاصيل الهجوم الكيميائي الجديد، أوضح رئيس المجلس المشترك لحي الشيخ مقصود عماد داوود، أن «سكان الحي فوجئوا ظهر الخميس الماضي بانبعاث غازات وإصابات بالإغماء بين المدنيين إثر سقوط قذائف على الحي، حيث تم إسعاف المصابين إلى النقطة الطبية ليتبين أنهم تعرضوا لاختناقات ناجمة عن استنشاق مواد سامة، يرجح أنها غاز الكلور السام».
وأشار داوود إلى أنه تم إرسال عينات إلى «جهات تحقيق دولية» للوقوف على حقيقة هذه المواد التي استعملت في قصف المدنيين»، متسائلاً، في الوقت ذاته، عن «مصدر هذه المواد، والجهات الدولية التي تقف وراء تزويد المسلحين بها»، خصوصاً أن حي الشيخ مقصود تعرض خلال الأسبوع الماضي لحملة شرسة من قبل فصائل «جهادية» عدة، أبرزها «جبهة النصرة» و«أحرار الشام»، بالإضافة إلى «جيش الإسلام»، خلفت بمجملها أكثر من 80 قتيلاً من المدنيين بالإضافة إلى نحو 100 جريح، وفق تقديرات مصدر طبي.
واصدر «جيش الإسلام»، المشارك في الهجوم، بعد ساعات من وقوع الحادثة بياناً اعترف من خلاله بشكل غير مباشر باستعمال «أسلحة محظورة» في ضرب الحي. وجاء في البيان الموقع باسم «النقيب إسلام علوش المتحدث الرسمي باسم جيش الإسلام»: «قام أحد القادة الميدانيين في جيش الإسلام في حلب باستخدام أسلحة غير مصرح بها»، موضحاً أنه «تمت إحالته إلى القضاء العسكري» التابع لـ «جيش الإسلام».
واكدت مصادر كردية أن البيان جاء بتوصية من «الائتلاف» المعارض بهدف لفلفة الموضوع، وتحويله إلى خطأ فردي، بعد أن أخذت هذه القضية منحى سياسيا دوليا، في حين ذهبت آراء أخرى إلى أن هذا الاعتراف جاء بمثابة رسالة سياسية وعسكرية مبطنة بوجود قدرات رادعة في حال قرر الجيش السوري زيادة الضغط على مواقع «جيش الإسلام».
هذا الاعتراف وإن تبعته توضيحات بأن السلاح المقصود في البيان هو «صواريخ ثقيلة» أعاد من جديد نبش ملفات الحرب السورية في ما يتعلق باستعمال الأسلحة الكيميائية، خصوصا وأن لـ «جيش الإسلام» تاريخا مع استعمال هذا السلاح، أبرز مفاصله حادثة «كيميائي الغوطة» الشهيرة التي وقعت في آب العام 2013، وتضاربت الأنباء حول عدد ضحايا الهجوم حينها، وانتهت باتفاقية نزع السلاح الكيميائي السوري وتدميره بعد اتهام الحكومة السورية باستعمال هذا السلاح.
الاعترافات الجديدة لـ«جيش الإسلام» تتوافق بشكل كلي مع ما قدمته روسيا إلى مجلس الأمن الدولي بعد حادثة الغوطة، حيث تقدم المندوب الروسي بصور فضائية تظهر مكان إطلاق الصواريخ المزودة بغازات سامة على الغوطة الشرقية، وهي مواقع كان يسيطر عليها حينها «جيش الإسلام» (كان يسمى حينها «لواء الإسلام»)، وهو ما انتهى بتخفيف النبرة السياسية تجاه قضية الكيماوي والوصول إلى الاتفاق الشهير.
الحادثة الجديدة، وإضافة إلى أنها أعادت نبش الملفات القديمة، يمكن أن تشكل دليلاً جديداً على أن أزمة «الكيميائي» لم تنتهِ بتفكيك الترسانة الحكومية السورية، وأن هذا السلاح متوافر بالفعل بيد الفصائل المقاتلة في سوريا (وليس «داعش» فقط)، في وقت يجري فيه التسويق لـ«جيش الإسلام» على انه فصيل معتدل، ما قد يفسر الإصرار الروسي على تصنيف «جيش الإسلام» كـ «فصيل إرهابي»، والتأكيد أن مشاركة أحد قياديي «الجيش» في المفاوضات جاءت بصفة «شخصية» رغم تعيين محمد علوش (ممثل «جيش الإسلام» في وفد الرياض) في منصب «مفاوض رئيسي» باسم الوفد الذي تشكل إثر اجتماع هيئات وفصائل معارضة في العاصمة السعودية في كانون الأول الماضي، فهل ستسجل هذه الحادثة منعطفاً جديداً في مجريات الحرب السورية أم أنها ستمر «مرور الكرام»، على اعتبار أن الحكومة السورية ليست هي المتهمة هذه المرة؟.
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد