«النصرة» تشرِّع أبوابها لـ«المقاتلين الأجانب»
انضمّ إلى «جبهة النصرة»، مؤخراً، المئات من «المقاتلين الأجانب»، بعد «بيعات» حصل عليها زعيمها أبو محمد الجولاني من بعض فصائل «بلاد ما وراء النهر».
ومن المتوقع أن تشهد الأسابيع المقبلة انضمام المزيد من هؤلاء إلى «جبهة النصرة»، في خطوة من شأنها أن تغيِّر تركيبة الأخيرة وتجعل كفّة «الأجانب» فيها ترجح على كفة «السوريين». ويأتي ذلك بعدما فشلت محاولات عديدة للتوحيد بين «جبهة النصرة» و «أحرار الشام»، حيث أصبح من الواضح أن كلاً منهما اختار السير في مسار مختلف عن الآخر.
وكنا قد أشارنا في 13 شباط الماضي، إلى أن تنظيم «القاعدة» يحاول جمع صفوفه، ويسعى إلى تشكيل كيان موحد أسوة بباقي الفصائل التي أعادت هيكلة نفسها. ونقلنا آنذاك عن قائد «كتيبة سيف الله الشيشاني» أبي عبيدة المدني قوله إن الساحة «الجهادية» في سوريا ستشهد قريباً ولادة تحالف جديد، يضم كلاً من «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» و «لواء المهاجرين» و «جيش المهاجرين والأنصار» و «جند الأقصى». لكن المدني لم يفصح عن طبيعة هذا التحالف وأهدافه، تاركاً الأمر إلى حين الإعلان الرسمي عن الموضوع.
وبعد شهر ونيف من الخبر ، وتحديداً في 24 آذار جرى الإعلان عن تشكيل «جيش الفتح في إدلب»، والذي ضمّ بين صفوفه «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» و «جند الأقصى» بالإضافة إلى فصائل أخرى ليس لها ارتباط بتنظيم «القاعدة». وثارت تساؤلات حينها عما إذا كانت هذه الخطوة قد أتت تمهيداً لتشكيل الكيان الموحد المشار إليه من قبل الشيشاني. غير أن مرور الأشهر من دون أن يطرأ أي تغيير على تشكيل «جيش الفتح» بحيث لم تنضم إليه الفصائل الأخرى، لفت الانتباه إلى وجود مشكلة ما. وما عزّز من ذلك أن «جيش الفتح» منذ تشكيله أثار الكثير من اللغط حول طبيعته، هل هو «جيش موحد» أم مجرد غرفة عمليات، وظهر التباين في التوصيف حتى بين قادة الفصائل المنضمة إليه، ما ترك انطباعاً بوجود خلافات حول هذه النقطة.
ويبدو أن المساعي المبذولة لتجميع صفوف «القاعدة» وتوحيدها ضمن كيان موحد، قد ارتطمت بعقبة تمثلت بالتغييرات التي أدخلتها «أحرار الشام» على منهجها وعقيدتها، والتي هدفت في النهاية إلى الابتعاد عن «القاعدة» لا التوحد معه. وفي هذا السياق، علمنا من مصدر مقرب من «جبهة النصرة» أنه جرت عدة محاولات للتوحيد بين «جبهة النصرة» و «أحرار الشام»، وأن آخر هذه المحاولات كان منذ حوالي أربعة أشهر، أي بعد شهرين من تشكيل «جيش الفتح»، إلا أن هذه المحاولات فشلت جميعاً. وأشار المصدر إلى اعتقاده أن سبب الفشل هو أن «أحرار الشام» كانت قد قطعت شوطاً بعيداً في مراجعاتها، وأن قادتها الجدد، نتيجة توجههم نحو السياسة ومخاطبتهم المجتمع الدولي برسائل عديدة ملتمسين قبولهم كطرف يمكن التعامل معه، لا يستطيعون اتخاذ خطوة الاتحاد مع أهم أفرع «القاعدة» والمصنف على قائمة الإرهاب العالمية.
وكانت النتيجة أن «جبهة النصرة»، أو تياراً واسعاً داخلها، يئس من استقطاب «أحرار الشام»، وأيقن أن مسار الحركة مختلف عن مسار «الجبهة»، لذلك دفع هذا التيار باتجاه استكمال مشروع التوحد بعيداً عن «أحرار الشام» وخياراتها السياسية. ومن المنطقي أن يترك هذا «الافتراق» تداعياته على الطرفين، فمن جهة تسعى «أحرار الشام» إلى تعزيز توجهها السياسي وتقوية ارتباطاتها الإقليمية، خاصة مع تركيا، ومن جهة ثانية تتخلّى «جبهة النصرة» عن كثير من الأقنعة التي كانت ترتديها لتحقيق مصالح مؤقتة، وأهم هذه الأقنعة المحافظة على غلبة العنصر السوري داخلها والتسويق لفكرة أن «النصرة» فصيل سوري يعكس طموحات حاضنة شعبية مؤيدة له. وقد ركّز أبو محمد الجولاني على هذه الفكرة في مقابلته الأخيرة مع قناة «الجزيرة» حيث شدد على أن السوريين يمثلون 70 في المئة من الجبهة والأجانب 30 في المئة فقط.
وتحت تأثير هذا التيار، شرعت «جبهة النصرة» في تنفيذ مشروعها التوحيدي الذي يطمح إلى تجميع كل الفصائل التي تتبع نهج «القاعدة»، وتعمل ضمن الأراضي السورية تحت قيادتها المباشرة. وبما أن غالبية هذه الفصائل يغلب عليها الطابع الأجنبي، فمن البديهي أن تؤدي هذه الخطوة إلى تغيير تركيبة «جبهة النصرة» وتجعل من العنصر الأجنبي موازناً للعنصر السوري إن لم يكن أكثر منه من حيث الأهمية والثقل. فقد انضم إلى «جبهة النصرة» خلال الأسبوعين الماضيين «جيش المهاجرين والأنصار» الذي يتكون من حوالي ألف مسلح، غالبيتهم من الشيشان إلى جانب جنسيات أخرى، وأميره هو أبو إبراهيم الخراساني، أما قائده العسكري فهو عمر الداغستاني. كما انضمت «كتيبة التوحيد والجهاد»، التي يتراوح عددها ما بين 300 و500 مسلح، غالبيتهم من الجنسية الطاجيكية والأوزبكية، ويقودها أبو صالح الأوزبكي.
ومن المتوقع أن تعلن فصائل أخرى من «بلاد ما وراء النهر»، وهي تسمية تطلق على أجزاء من آسيا الوسطى، وتستخدم من قبل «الجهاديين» للإشارة إلى الجمهوريات التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي مثل أوزبكستان وطاجكستان وغيرها، خلال الفترة المقبلة مبايعتها لزعيم «النصرة» أبي محمد الجولاني. الأمر الذي يعني تضاعف عدد «المقاتلين الأجانب» في «جبهة النصرة» بحيث تصبح لهم الهيمنة على القرار فيها بسبب ما يمثلونه من ثقل عسكري.
ويأتي ذلك في وقت قامت به «جبهة النصرة» بعزل بعض قادتها السوريين، مثل أبو محمد صالح الحموي، أو استبعاد آخرين من دائرة صنع القرار مثل مظهر الويس، المعروف بلقب «أبو عبد الرحمن الشامي»، وهؤلاء من قادة التيار الذي لا يمانع فك الارتباط مع «القاعدة»، ويحث على التقارب مع «أحرار الشام» والتمثل بنهج حركة «طالبان» الذي يجمع حسب قولهم بين العمل العسكري والنشاط السياسي.
وهناك العديد من الفصائل موجودة ضمن الأراضي السورية وتقاتل مستقلة، ومرشحة لمبايعة «جبهة النصرة». وأهم هذه الفصائل «كتيبة الإمام البخاري» التي يغلب على تكوينها العنصر الأوزبكي ويقودها أبو إسماعيل البخاري، وجماعة «أجناد القوقاز» بقيادة عبد الحكيم الشيشاني والقيادة العسكرية فيها لحمزة الشيشاني، وجماعة «جنود الشام» بقيادة مسلم الشيشاني (أبو الوليد)، وجماعة «إمارة القوقاز» بقيادة صلاح الدين الشيشاني والقيادة العسكرية لنائبه عبد الكريم القرمي (الأوكراني). وكان الشيشاني والأوكراني يقودان «جيش المهاجرين والأنصار» قبل أن يعزلا منه بسبب خلافات داخلية واتهامات بالتورط في جريمة قتل. ومن الفصائل المرشحة لمبايعة الجولاني أيضاً هناك «جند الأقصى»، شريك «جبهة النصرة» في «جيش الفتح»، و «الحزب الإسلامي التركستاني» الذي لعب مؤخراً دوراً فاعلاً سواء في معارك إدلب وجسر الشغور أو في المعارك ضد بلدتي الفوعة وكفريا.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد