تشافيز وريث بوليفار
ارتقى هوغو تشافيز، الذي أعيد انتخابه أول من أمس رئيساً لفنزويلا، خلال سنوات، الى مصافّ المحرر الجديد لأميركا الجنوبية في وجه الولايات المتحدة، بعد مسار عسكري انقلابي وثوري، يصرّ الرئيس على محاكاته بنموذج محرر القارة اللاتينية التاريخي سيمون بوليفار.
ولد هوغو تشافيز في جنوب فنزويلا الأمازوني عام 1954 وهو ابن معلمين. تخرج من الكلية العسكرية ومن ثم درس العلوم السياسية.
في عام 1984، وبمناسبة المئوية الثانية لميلاد بوليفار الذي حرر أقساماً كبيرة من أميركا الجنوبية وحاول توحيدها، أسس تشافيز خلية داخل الجيش تحمل اسم «الحركة البوليفارية الثورية 200». وقامت هذه الحركة بمحاولة انقلابية ضد الرئيس كارلوس أندريس بيريس في شباط 1992، أدت إلى اعتقال تشافيز.
ومن داخل السجن، سجل شريطاً دعا فيه جماعته إلى التمرد مرة أخرى، فنجح الانقلاب الجديد، الذي جرى خلال دقائق معدودة، قبل أن تستعيد السلطة مقاليد الأمور.
أفرج عن تشافيز بواسطة عفو خاص منحه الرئيس كالديرا المنتخب عام 1994. وبعد خروجه من السجن، أسس تشافيز حزباً مدنياً سياسياً يحمل اسم «حركة الجمهورية الخامسة»، الذي تحول إلى أول كتلة في البرلمان عام 1998، قبل أن يفوز تشافيز في الانتخابات الرئاسية وقد حصل على 56 في المئة من الأصوات، ما شكل وقتذاك أعلى رقم حصل عليه مرشح في الانتخابات.
وفور تسلمه السلطة، دعا تشافيز إلى استفتاء لتغيير الدستور ثم إلى استفتاء جديد للتصديق عليه، حيث حصل الدستور الجديد على 70 في المئة من التأييد من بين الـ55 في المئة من الناخبين الذين شاركوا في الاستحقاق.
أطلق الدستور الجديد اسم «جمهورية فنزويلا البوليفارية» على البلاد، وألغى مجلس الشيوخ ومدّد الولاية الرئاسية، القابلة لإعادة الانتخاب مرة واحدة من 5 إلى 6 سنوات، كما أقرّ بصيغة الاستفتاء الإقصائي، التي تسمح بتنظيم استفتاء بعد نصف ولاية المنتخب إذا توافر عدد من التواقيع لتجديد الثقة به أو إقصائه. ثم فاز بالانتخابات الرئاسية الجديدة التي نُظّمت وفق الدستور الجديد بـ59،5 في المئة من الأصوات.
إثر هجمات 11 أيلول عام 2001، انهار سعر النفط وغرقت فنزويلا في أزمة اقتصادية خانقة، فواجه تشافيز إضرابات عامة متتالية عامي 2001 و2002، التي توّجت بمحاولة انقلابية دبّرها عسكريون وكوادر من الشركة النفطية، بالتواطؤ مع وسائل الإعلام والسفارة الأميركية.
وبعد إطلاق نار على تظاهرة معارضة تتوجه إلى القصر الجمهوري، اعتقل هوغو تشافيز بعد أن رفض الاستقالة. عيّن رئيس غرفة التجارة كارمونا نفسه رئيساً للجمهورية وحل المجلس وألغى الدستور ودعا إلى انتخابات رئاسية.
ورغم التعتيم الإعلامي، اتجهت تظاهرة ضخمة آتية من أحياء كاراكاس الفقيرة إلى القصر الجمهوري وأقالت كارمونا. مضى يوم قبل تحديد مكان اعتقال تشافيز الذي عاد إلى سدّة الرئاسة بعد أن غاب عنها 48 ساعة.
في أواسط 2004، حصلت المعارضة على عدد كاف من التواقيع لتحاول إقصاء تشافيز بآلية الاستفتاء التي شرّعها هو، لكنه نجح في 15 آب في الحصول على تفويض جديد منحه إياه 59،5 في المئة من الناخبين.
بعد فوزه في الاستفتاء، طهّر تشافيز الشركة النفطية والجيش من العناصر المعارضة له، فيما قاطعت المعارضة الانتخابات البرلمانية لعام 2005. يُذكر أنه قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وعد شافيز بالدعوة إلى تستفتاء عام 2010 لجعل الرئيس قادراً على إعادة الترشّح أكثر من مرة.
ينتمي هوغو تشافيز، الذي يعتبر نفسه «وريث بوليفار»، إلى عالم دول جبال الأندس، حيث أسس بوليفار جمهورية كولومبيا الكبرى، التي كانت تضم كولومبيا وباناما ــ التي كانت وقتئذ جزءاً منها ـــ وفنزويلا والإكوادور منذ عام 1821 قبل أن تتفكك عام 1830. وقد حافظت هذه الدول الثلاث على العلَم نفسه حتى اليوم. وهو خبير في أدق تفاصيل حياة بوليفار وكتاباته، وأول زعيم من هذه الدول نجح في تجسيد الهوة بين المجتمع السياسي والواقع الاجتماعي، ونما وعيه في عزّ الصراعات والعذابات التي كانت تفرضها الخطط النيوليبرالية التي كانت تتعاطى مع هذه الدول على أساس أنها مختبرات مطواعة للعولمة.
وهو ثانياً خبير في استعمال سلاح النفط: خبير في استعماله لتمويل «الأولوية المعطاة للفقراء» في بلد يمثّل الفقراء فيه ثمانين في المئة من الشعب، وهم يجدون لدى تشافيز آذاناً صاغية لهم وقدوة قريبة منهم.
وفي يوم الانتخابات أول من أمس، فاجأ تشافيز ناخبي مركزه الانتخابي في حي فقير بالوصول بسيارة «فولسفاغن» حمراء.
وهو خبير أيضاً في استعمال النفط لتدعيم مرتكزات سياسته الخارجية القائمة حتى اليوم على تحدي الولايات المتحدة وحتى على استفزازها، مع أن فنزويلا من أهم موزعي النفط لها.
ويعيش تشافيز، الذي يرى فيه الزعيم الكوبي فيديل كاسترو وريثه السياسي، على «الأنتي ـــ أميركية» التي يرى فيها أقصر طريق لبناء أميركا لاتينية موحدة، وبعد حرب العراق صار يعيش أيضاً على «الأنتي ـــ بوشية».
وفي تموز عام 2004، وفي أوج حشرته وقبل شهر من الاستفتاء لإزاحته وقبل أشهر من انتخاب بوش الثاني، شارطه على مئة دولار من منهما سيبقى في قصره.
الاثنان بقيا لكنّ وضع تشافيز اليوم أحسن من وضع بوش، علماً بأنه يصف الرئيس الأميركي، في بعض الأحيان، بـ«Mr.Danger»، ويتحدّاه دائماً.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد