رهان حكومي على تسويات حمص ودمشق

19-02-2014

رهان حكومي على تسويات حمص ودمشق

منذ ستة أشهر تقريبا، أطلق عسكري عشريني النار على أحد زملائه، بعد حديث حاد عن الأوضاع السورية، وذلك بعد عودة العسكري "التائب" بأسابيع إلى قطعته، وبعد أن قاتل أبناء جلدته في الجيش طوال فترة الأزمة الماضية.
إلا ان الحادثة التي أشيع أنها نتجت من ملاسنة حادة واتهامات بالتخوين، وربما لم تكن الوحيدة، لم تثن الحكومة وعددا كبيرا من الوجهاء في مختلف المناطق عن طلب التسوية تلو الأخرى، وصولا للمصالحة، أو حتى العمل على إبقاء الوضع الراهن وفق ما هو عليه، من دون تقدم للطرفين حقنا للدماء، وبانتظار فرصة تسوية، أو انقلاب في الموازين.مسلح يسير بين عناصر من "الدفاع الوطني" خلال المصالحة في ببيلا في ريف دمشق امس (رويترز)
وبينما تجري الاستعدادات لتسوية في الزبداني غرب دمشق، دخلت أمس الأول بلدات ببيلا ويلدا وبيت سحم في ريف دمشق الشرقي على خط التسوية، وشكل المسلحون والجيش السوري حاجزا مشتركا تحت اسم بات دارجا هو "وحدات الأمن الشعبي"، وهو أمر مماثل لما جرى في بلدة المعضمية وحي برزة في الأسابيع الماضية، وتجربة متطورة عما اعتبر اختراقا لدائرة الحرب، في تلكلخ في ريف حمص، منذ عام تقريبا، حين جرت أول تسوية ميدانية بين الجيش والمسلحين، وصوب الطرفان بندقيتهما في اتجاه واحد، في العلن على الأقل.
ورغم أن مسؤولا سوريا اقر، أن "طعم هذا الدواء مر على كثيرين من المعنيين بالصراع"، إلا انه "لا بد منه". الحديث هنا يدور "عمن غرر بهم" في غالبية الأحوال، وهو يمنح الطرف الآخر "صفاء النية بقرار العودة".
وعما إن كان من لجأ إلى التسوية أو اضطر إليها "يمكن الائتمان إليه"، يعلق المسؤول بلهجة لا تخلو من أمل، كما لا تجافي الواقع: "هل بقي شيء لم يقوموا بتجريبه؟ على ماذا الرهان، في هذه المعركة الخاسرة"، وهو يكاد يوجه كلامه للطرفين، إذ يرى كثر في سوريا أن الظروف مهيأة أكثر من اي وقت مضى لإنجاز تسويات ـ نجحت حتى اللحظة - في تجنيب مناطق المزيد من الدمار، إن لم يكن الحرب برمتها.
وهو وضع ينطبق على مدن وبلدات برمتها أحيانا، وعلى أحياء بذاتها أحيانا أخرى، كما هو الحال في حي الوعر ضمن مدينة حمص، الذي يختلط فيه وجود الدولة مع غيابها في مشهد سريالي، بقدر سريالية الحرب السورية.
ووفقا لما يقوله مسؤولون وإعلاميون ميدانيون، كما تعترف به المعارضة، فإن حدود سيطرة الدولة في حمص تنتهي في الوعر، وهو حي كبير، "ويعيش حياة طبيعية" لكن من دون تدخل السلطة الحكومية.
ويذكر مسؤول سوري رفيع المستوى في حمص، انه سبق لكثر ممن تمت تسوية أوضاعهم، أو من العائلات التي تم إخراجها من حمص القديمة مؤخرا، أن طلبوا "اللجوء" إلى حي الوعر، بل إن أحد نشطاء المعارضة كان سبق وأصيب أثناء إحدى عمليات الإخلاء، الأسبوع الماضي، تم إسعافه إلى الحي، وهو ما اعتبره المسؤول حينها "إشارة مهمة في عملية بناء الثقة مع الدولة والأمم المتحدة لدى الطرف الآخر".
ويضم الحي عددا كبيرا من النازحين من مناطق سبق للجيش أن سيطر عليها في العام الأخير، بشكل يشابه إلى حد ما، حالة مدينة يبرود التي يمهد الجيش لاقتحامها بريا. ويقدر مطلعون على أوضاع حمص بشكل عام عدد الموجودين في الحي بمئات الآلاف، جلهم من بيئة حاضنة للمسلحين، وجاؤوا من مناطق النزاع المختلفة، داخل حمص ومن ريفها. ووفقا لذات التقديرات يشارك هؤلاء ما يقارب 3 آلاف مسلح العيش في حي كان في السابق يعتبر من الأحياء المتميزة في المدينة، ويضم عدة دوائر حكومية، بين ابرزها القصر العدلي والكلية الحربية والمستشفى العسكري، وهي مبان تعمل، لكنها تظل عرضة للقنص أحيانا. كما يسمح الجيش بادخال المواد الغذائية والتموين، ويسمح للموظفين وطلاب المدارس بالدخول والخروج، وذلك نهارا، بينما يطبق الطرفان حصارهما ليلا.
ويعتبر موقع الحي مهما للغاية، فهو يلاصق تقريبا مصفاة حمص للبترول، التي تعرضت لأكثر من اعتداء، كما أنه يشرف، كما حال حي بابا عمرو سابقا، على الطريق الدولي، ويتغذى "كنقطة ارتكاز عسكرية للمعارضة" من الحولة والرستن اللذين يمكن التسلل منهما إليه. وهذه الأسباب مجتمعة، تجعل حيا كهذا على مشارف تسوية، أو معركة، نتيجة استحالة الحفاظ على وضعه الراهن. والحكومة حتى اللحظة تفضل الخيار الأول.
ويطمح أصحاب الخطة، التي نجحت في كل من ريفي دمشق وحمص بشكل خاص، أن تصبح "نموذجا عاما" يمكن تنفيذه في حلب وريفها لاحقا، كما في ريف إدلب وريف حماه، رغم أن فرصها ما زالت ضئيلة بسبب تأرجح موازين القوى هناك بشكل دائم، بين الجيش من جهة، والأطراف المتصارعة من جهة أخرى. ويعتقد رعاة ملف المصالحة والتسويات في الحكومة أن هذا الطريق هو الذي "يوصل إلى نهاية الصراع". ونوه أحدهم، أن تقدم الجيش ميدانيا يمنح هذه التسويات فرصا أكبر، كما هو طبيعي، بسبب "فقدان الأمل" لدى الطرف الآخر، كما أن عمر الأزمة الممتد منذ ثلاثة أعوام وأفقها الضيق لا يتركان مجالا أضافيا للحسابات الإضافية.
وتعيد الصورة الحالية، ولا سيما في حمص، الذاكرة عامين إلى الوراء، حين كانت المدينة أعمق تقسيما بأحياء تنصب على مداخلها حواجز، وبمسلحين، يجاهرون بانتمائهم إلى "الجيش الحر"، يقفون على بعد أمتار من حواجز مماثلة للجيش السوري.
يتقابل العلمان "المستقدم" من التاريخ، والعلم الأصلي، بينما يتبادل الطرفان الشتائم والرصاص بين الحين والآخر. وفي العودة القسرية إلى ذكرى تلك الحالة، يحضر صوت ضابط برتبة مقدم في الجيش السوري، قال حينها  من على مدخل أحد الأحياء "المتمردة"، "أمهلنا الإرهابيين 72 ساعة لتسليم سلاحهم، وإلا فليتحملوا مسؤولية المعركة مع الجيش السوري"، وهي عبارة شبيهة إلى حد كبير بالذي يقال الآن حين الشروع بالتسويات.

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...