القاعدة بين الدعم و الصفاقة

11-01-2014

القاعدة بين الدعم و الصفاقة

الجمل- *فينيان كانينغهام- ترجمة: رندة القاسم:

لا بد و أن  جون كيري ،كبير دبلوماسيي الولايات المتحدة ، يعتبرنا حمقى. فقبل أسبوع تحدث في السعودية محذرا من أن القاعدة في سورية و العراق هي  "أخطر اللاعبين في المنطقة" . و أعلن وزير الخارجية الأميركي عن دعم واشنطن للحكومة العراقية في حربها لأجل استعادة السيطرة على البلدات في إقليمها الغربي الواقعة بيد الميليشيات المنتمية إلى الدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش).
و انه لأمر مضحك، فالحكومة السورية تحارب جذور الميليشيات ذاتها المرتبطة بالقاعدة ، و لكن في ذاك البلد ، لا تقدم واشنطن دعما كهذا، و في الواقع الأولوية بالنسبه لواشنطن هي إسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد. اذن ، كيف سيتمكن كيري من مواجهة هذا التناقض؟ في العراق القاعدة خطر تجب هزيمته، و لكن من الواضح أن المنظمة نفسها في سوريه لا تشكل تهديدا بل الحكومة من يفعل.
و الأكثر سخرية هو أن كيري كان يطلق تحذيراته حول القاعدة في منطقة محاطة بأعضاء بارزين من آل سعود، الذين يعرفهم العالم أجمع على أنهم ممولو و مجندو و مزودو هذه الشبكة بالأسلحة. و قبل عدة أشهر فقط، فضحت تقارير إعلامية برقيات دبلوماسيه أميركية تعود إلى عام 2009، و فيها يتحدث سفير الولايات المتحدة في العراق بوضوح عن قيام السعودية بتمويل و تسليح متطرفي القاعدة في العراق.و حينها قال السفير الأميركي كريستوفر هيل بأن الاستخبارات أظهرت أن السعودية كانت "تثير العنف الطائفي" في العراق، و أضاف هيل: "ذكرت مصادر استخباراتيه أن السعودية هي الأساس في الجهود الرامية الى زعزعة استقرار حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي".
و منذ ذلك الوقت أعادت القاعدة في العراق تسمية نفسها بالدولة الإسلامية في العراق و الشام، و هي شبيهة جدا  بمجموعات متطرفة أخرى مثل جبهة النصرة و أحرار الشام و لواء الإسلام و الجبهة الإسلامية. و التسميات المختلفة لهذه المجموعات الضخمة لا تغير حقيقة أنها كلها تتشارك بالإيديولوجية المتطرفة ذاتها للوهابية السعودية، انهم يعملون تحت راية القاعدة ، و يقودون معظم الفظاعات المرتكبة ضد المدنيين، بما فيهم السنه و الشيعة و المسيحيين و كلهم برعاية السعودية.
رسميا، يصر آل سعود على الرواية المضحكة القائلة بأنهم يدعمون فقط "المعتدلين" المنتمين لما يسمى الجيش الحر السوري، غير أن الحقيقة التي لا يمكن تفاديها هي أن المملكة الغنية بالنفط هي ممول الشبكات المرتبطة بالقاعدة ، كما أعلن السفير الأميركي السابق في العراق.و حتى التيار الرئيسي لوسائل الاعلام لا يمكنه اخفاء هذه الحقيقة. ففي تشرين الأول من عام 2013 ذكرت صحيفة New York Times بأن مسؤولين أميركيين اعترفوا بأن الأسلحة التي تزوَد بها السعودية على أساس أنها للجيش السوري الحر قد انتهت في أيدي الميليشيات المتطرفة في سورية. و ذكرت مصادر عراقية قبل أسبوع أن الأسلحة السعودية  التي تعطى لأشباه جماعة داعش تستخدم الآن مع ولادة هذه المجموعة مرة ثانية في مقاطعة أنبار الغربية في العراق.
اذن اليكم ما يحدث، الأسلحة الأميركية، التي تم تزويدها للسعودية بشكل سري، تستخدم الآن من قبل القاعدة لخلق فوضى طائفية في العراق و سورية تؤدي الى زعزعة استقرار هاتين الدولتين. و مع ذلك يمتلك جون كيري ما يكفي من الصفاقة للتحذير من أن القاعدة هي أخطر لاعب في المنطقة و هو يجلس الى جانب رعاة الارهاب السعوديين. و خلال زيارته للسعودية قال كيري: "انها معركة تخص العراقيين"... حسنا ، في الواقع ليس الأمر كذلك، بل انها معركة في العراق ضد الارهابيين المدعومين من السعودية و الولايات المتحدة. و السخرية الأكبر تكمن في المنحة الدبلوماسية الأميركية المتعلقة بالدعم العسكري للحكومة العراقية ضد ميليشيات مسلحة من قبل الولايات المتحدة و وكيلها السعودي. "نحن لا نفكر بوضع أقدامنا على أرض العراق ، انها معركتهم، و لكننا سنقوم بتقديم العون لهم". و فعليا، قامت واشنطن بتزويد الحكومة العراقية بصواريخ Hellfire و وعدت بإرسال طائرات بلا ربان زاعمة أنها لمحاربة القاعدة.
و بعبارة "أقدامنا على الأرض" كان كيري يشير الى جنود الولايات المتحدة الأميركية مقابل أقدام القاعدة على الأرض، و التي عملت كل من الولايات المتحدة و السعودية على تثبيتها أولا في سورية و الآن في العراق.ما يطرح السيناريو الغريب حيث الولايات المتحدة تسلح الطرفين في العراق ، الحكومة و ميليشيات القاعدة.
و لكن يجب عدم اعتبار هذا الأمر تناقضا، بل انه هبة حقيرة لصناعة الأسلحة الأميركية، فأولا تخلق مشكلة ارهابية، و من ثم تقوم بتزويد الأسلحة لأجل التعامل معها، مما يعني الربح بدون أية خسارة. و أي مما ذكر لا يعتبر مفاجئا اطلاقا، فلأكثر من ثلاثة عقود و الولايات المتحدة الأميركية تعمل بشكل سري مع الاستخبارات العسكرية البريطانية و السعودية لانشاء و رعاية متطرفي القاعدة ، بدءا من أفغانستان من أجل محاربة الاتحاد السوفييتي منذ أواخر السبعينات حتى عام 1990.
و منذ ذلك الوقت و القاعدة تخدم كإطار إيديولوجي متلون للتدخل الامبريالي في الشرق الأوسط و ما وراءه. و قد مرت بعمليات استنباط كثيرة مع تغييرات ماكرة للاسم و الطريقة. و لكن الحقيقة الأساسية هي أنها صنيعة الولايات المتحدة و السعودية و تتقلب بين كونها عدوا لما هو ملائم و وكيلا لا يرحم من أجل القيام بتغيير الأنظمه.
ربما كانت تنجح الحيلة الغربية القديمة حول "العدو" قبل سنين، و لكن اليوم هذا التناقض يتم و بنفس الوقت و في دولتين جارتين بطريقة تبدو معها هذه الحيلة كذبة صفقة. ربما يرغب كيري و أصدقاؤه السعوديون الارهابيون بخداع أنفسهم، و لكنهم لن يخدعوا سوا أنفسهم و لا أحدا سواهم.

*بقلم الصحفي الايرلندي فينيان كانينغهام
تُرجم عن موقع Press TV  

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...