دمشق في التاريخ
تمتاز دمشق أقدم عواصم الدنيا الحية، بتاريخ موغل وحافل يلخص قصة الانسانية الأولى ويختصر تجاربها منذ العصر الحجري الى أن أصبحت إحدى أهم الممالك الكنعانية وعاصمة للدولة الآرامية...
ورد ذكرها في الوثائق الآشورية وسماها الآراميون ( دار ميسق) أي الدار المسقية ثم كانت بوابة عبور للمسيحية الى كل أصقاع الأرض.. شهدت مختلف العصور والفتوحات... وتبوأت مكانةً حضارية مرموقة أهدت البشرية خلالها بواكير المعرفة والعلوم وسائر الاكتشافات.. فتحها المسلمون سنة 13 للهجرة وإذاك دخلت المدينة عصراً جديداً علا فيه شأنها وارتفعت مكانتها من خلال ماقدمته من انجازات في ظل الدعوة الجديدة...
حول تاريخ دمشق ومكانتها عبر العصور، تمحورت الندوة الدولية التي عقدتها جامعة دمشق بمشاركة عدد كبير من المتخصصين والباحثين الأكاديميين العرب والأجانب تحت عنوان (دمشق في التاريخ) وذلك برعاية الدكتور وائل معلا رئيس الجامعة ورئيس لجنة كتابة تاريخ العرب..
وقد أحاطت الأبحاث المشاركة بمختلف الفترات التاريخية التي مرت على المدينة كما أنها تناولت معظم الجوانب السياسية والاجتماعية والثقافية التي رافقت الانتقال بين العصور، وكذلك الأوابد والكنوز الأثرية الهامة التي تزخر بها والتي تغطي مساحات واسعة من التاريخ الانساني ككل.
الدكتورة فايزة صقر تحدثت في حفل الافتتاح باسم الباحثين العرب فرأت أن قراءة التاريخ من جديد تفيدنا في معرفة طبيعة علاقاتنا العربية العربية في ضوء المستجدات في العالم الحديث، وذلك بغية الوصول الى معرفة تاريخنا بعيداً عن التزوير والتشويه.
وأشارت صقر الى أن المصريين القدماء أطلقوا على سورية عدة أسماء منها أهل المتوسط وأصحاب المنتجات السبعة وأصحاب الأشجار، كما أنهم شعروا بأهمية المنطقة وبعدها الثقافي والحضاري والعسكري وتأثيرها الاستراتيجي على مصر إذ كان أي تهديد يمر على سورية يعني تهديداً لمصر.
الدكتور سهيل زكار ألقى مداخلة باسم المؤرخين السوريين فبين أن دمشق هي الشاهد الوحيد على أحداث التاريخ الانساني فقد أثرت على حضارات الدنيا ومنها انطلقت الرسالات السماوية وكان للفتح الاسلامي للشام أعظم الآثار عليها، من ذلك تثبيت طابع العروبة وتبديل البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعمرانية فعلى صعيد السياسة الداخلية والخارجية تحول دور القبائل العربية من الهامش الى الصميم وعلى صعيد المدن نجد قبل الفتح أن مدينة القدس كانت أهم مدن جنوب بلاد الشام تتلوها دمشق وأن أنطاكية كانت أهم مدن الشمال، لكن بعد الفتح وبسبب انتشار الاسلام وانسلاخ البلاد عن الامبراطورية البيزنطية تقدمت دمشق على سائر المدن ووضح هذا الحال في العصر الأموي.
وألقى الدكتور محمد سعيد عمران أستاذ تاريخ العصور الوسطى في جامعة الاسكندرية محاضرة عن ثورة دمشق وأثرها على معركة عين جالوت شرح فيها أن هناك عدة عوامل أدت الى هزيمة القوات المغولية في معركة عين جالوت وأهمها الثورة التي قامت داخل مدينة دمشق مما اضطر «كتبغا» الى دفع بعض قواته لمواجهة هذه الثورة ومواجهة القوات الاسلامية بما تبقى معه من القوات التي لم تتمكن من مواجهة «قطز» ومامعه من قوات، وممالاشك فيه أن ثورة دمشق قد امتدت الى جميع بلاد الشام بدليل انسحاب كل القوات المغولية والحاميات المغولية من المدينة بعد معركة عين جالوت.
الدكتور نزيه شحادة من جامعة بيروت العربية تحدث عن قصر معاوية نظراً لأهمية شخصية معاوية وفرادتها في مجالات الحكم والسياسة والادارة اضافة الى علمه وحلمه ورباطة جأشه وباعتباره واضع أسس وقوانين الادارة المتطورة.. وفي الجانب الآخر فإن معاوية اختار دمشق حاضرة لولايته ثم لخلافته على مدار أربعين عاماً ويزيد وكم كانت رؤيته صائبة في اختيار المكان الذي سيبني عليه قصره حيث رأى أن يكون ملاصقاً للمسجد المعروف بمسجد بني أمية الكبير. وهو أول قصر اسلامي شيّد في بلاد الشام تعلوه قبة خضراء فصار يعرف بقصر الخضراء.
وأضاف شحادة: لقد فتح معاوية أبواب قصره لأهل الشام قاطبة مسلمين ومسيحيين أدباء وشعراء وكان القصر ملاذاً لبعض آل البيت كعبد الله بن عباس ومرجعاً وموئلاً للمكيين والمدنيين وعلى رأسهم عبد الله بن عمر بن الخطاب.
الأب الدكتور سهيل قاشا تحدث عن مملكة دمشق الآرامية فذكر أن المؤرخ الشهيد يوسيفوس أورد أن باني دمشق هو عوص بن آرام بن سام الذي سكنها وأولاده من بعده وإن صح هذا تكون دمشق مدينة آرامية قلباً وقالباً وقد أسس فيها الآراميون أقوى وأوسع ممالكهم.
محمود الخرنوب تحدث تحت عنوان «دمشق.. عبر قرطبة وأهل الكتاب» فبين أن تأثير دمشق التاريخي على أراضي ريفها وبلاد الشام امتد لاحقاً ليشمل الجزء الأندلسي في قلب أوروبا. وقد أسس عبر الأمويين مدينة مدريد في أواسط القرن التاسع الميلادي وحكمت الأندلس طيلة قرون خلال الأمويين وبلاطهم من خلال مدينتها التوءم قرطبة. وأشار خرنوب الى أنه لابد من بذل الجهود الثقافية والدبلوماسية والسياسية ليعترف الغرب عموماً عبر المقارنة الموضوعية الموثقة وبيان الأضرار التي لحقت بمسيحيي منطقتنا خلال الحروب الصليبية الأوروبية بتفوقنا الانساني والفضل التاريخي لحضارتنا وحقها في الوجود في أوروبا.
يذكر أن الندوة استمرت لمدة أربعة أيام في قاعة رضا سعيد وقدمت فيها أبحاث من قبل مشاركين من مختلف الجامعات العربية تناولوا فيها تاريخ دمشق من الزوايا المختلفة. ثم أقر المشاركون في نهايتها جملة من التوصيات أهمها الدعوة الملحة الى الجامعات العربية من أجل الاهتمام بدراسة الحواضر العربية ذات الخصوصية التاريخية. وتحويل لجنة كتابة تاريخ العرب الى مجلس علمي يجمع الباحثين والمراكز العربية المتخصصة من أجل التعاون والتنسيق، اضافة الى التوصية بضرورة تفعيل التبادل العلمي بين مراكز البحث في الجامعات العربية وعقد ندوات تخصصية في مواضيع التراث والثقافة كما وجه الباحثون توصية من أجل الاهتمام بآثار دمشق والمحافظة وتذليل الصعوبات التي تعوق مديرية الآثار والمطالبة بإعداد دليل بالمواقع الأثرية في دمشق، اضافة الى ضرورة نشر أبحاث هذه الندوة ضمن كتاب خاص يوزع على المشتركين. ورفع المشاركون برقية شكر الى السيد الرئيس بشار الأسد عبّروا فيها عن تقدير العلماء والاختصاصيين المشاركين في ندوة ( دمشق في التاريخ) إلى السيد الرئيس والشعب السوري على اهتمامهم بالعلم والعلماء.
زيد قطريب
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد