«هديتك بإيدك»: امتهان الناس كمادة لبرنامج منوعات
لم يفكر فيليب كثيراً عندما رفض هديته أمام كاميرا برنامج «هديتك بإيدك». فرغم حماسة الناس في سوريا لبرنامج منوعات يحترم عقل المشاهد وذائقته، إلا أن ذلك لا يعني قبولهم ببرامج منوعات تمتهن المشاركين فيها مباشرة على الهواء. فكيف إذا كان مصدر الامتهان «الفضائية السورية»، أي التلفزيون الوطني؟
عرف فيليب أن هديته، بكل بساطة، ليست سوى صفيحة من صفائح السمن الحيواني. من المؤكد أن الرجل شعر بحراجة الموقف. ثم على الأغلب تخيل نفسه وهو يهم بحمل صفيحة السمن التي تزن قرابة العشرة كيلوغرامات أمام الكاميرا، وكيف سينظر إليه معارفه وأقرباؤه بعد هذا الموقف؟
مشاهد تقترب من السينما التسجيلية: جمهرة كبيرة من الرجال والنساء والأطفال داخل مراكز تجارية ضخمة في المحافظات السورية، كان آخرها مركز تجاري ضخم في مدينة حلب مساء الخميس الماضي. هناك وكالعادة تم توضيب «بلاتو ميداني» لحلقة خاصة من برنامج «هديتك بإيدك» الذي يعده ويقدمه الزميل محمد ذو الغنى.
ويأتي ذو الغنى الى المحطة بعدما قدم البرنامج ذاته على القناة الأرضية السورية في شهر رمضان الماضي، وانتقاله بعدها من برنامج «الهدف» الرياضي الذي كان يقدمه على «الفضائية السورية» إلى برنامج مسابقات يعتمد على تمويل رؤوس الأموال الناشئة. وهي بمعظمها تسعى إلى الترويج لمنتجاتها في أي مكان، حتى على جدران المراحيض العامة، وتشمل محلات الألبسة الجاهزة والبن والعطورات والسمن ومساحيق التنظيف والعلكة والمحارم.
الغريب في الأمر هو تبني «الفضائية السورية» هذا النوع من المعلنين على أثيرها، والصورة الكرتونية التي ينقلها برنامج «هديتك بإيدك» عن المواطن السوري. إذ يطرح البرنامج أسئلة سخيفة على جمهور «الصدفة»، وغالبيته من البسطاء. ويعمد معد ومقدم البرنامج بممارسة دور «الوشيش» لماركات رخيصة من السمن والزيت والقهوة والألبسة الرياضية، مع الإستخفاف المستمر في التعاطي مع الجمهور، الذي يتسابق لنيل فرصة المشاركة في المسابقة.
وكان ذلك واضحاً في الحلقة الأخيرة التي قام فيها ذو الغنى بترداد اسم الجهة المنتجة للسمن والمواد الغذائية، والتي وزعها على شكل جوائز على ربات البيوت والرجال والأطفال، طالباً منهم تكرار اسم ماركة السمنة التي فازوا بها بصوت عال! وحتى الفواصل الإعلانية التي تعرض بين فقرات البرنامج، ما هي إلا أفلام لترويج المنتجات التي يقوم «هديتك بإيدك» بتوزيعها على المتجمهرين، فيما يصوب المخرج معاذ علي الحمصي كاميراته وبلقطات «زوم» قريبة، نحو اسم ماركة السمنة والسلل الغذائية.
يشكل عدد كبير من المشاهد في البرنامج إهانة حقيقية ومباشرة للسوريين. سيما عندما ركزت الكاميرا عدستها على أحد الأطفال الفائزين بالسمنة، وهو يحاول حمل العلبة الثقيلة على ظهره في إحدى الحلقات. أو عندما نقلت وجه السيدة الكبيرة في السن وهي تحاول عبثاً رفع علبة السمنة الفائزة بها أمام عيون الناس، كأن هذه المشاهد مقاطع من المسلسل الكوميدي «بقعة ضوء»، وكأن المسافة بين الكوميديا والتراجيديا مختزلة تماماً في برامج من هذا القبيل. ولعل ذلك يعكس بشدة «الفقر» الهائل في برامج المنوعات التي ينتجها التلفزيون السوري، ومدى استسهاله بالإعتماد على تمويل أي جهة تجارية كانت لملء الفراغ في البث. حتى ولو كانت عبارة عن دكاكين في أسواق شعبية. والسؤال من يحمي المشاهد السوري من هذه البرامج الرخيصة التي تناقض ما تقدمه عموماً «الفضائية السورية» ذات الطابع التنويري والثقافي. يحدث ذلك في ظل غياب دور رقابي من قبل «المؤسسة العربية للإعلان»، فتتحول الصورة الجماعية للناس إلى مشهد كاريكاتوري خصوصاً وهم يحملون جوائزهم من السمن الحيواني الخالص، وكأنهم قبيلة من الجوعى!
سامر محمد اسماعيل
المصدر: السفير
التعليقات
بالعكس
العنب، وليس السلة
الكذب والتلفيق الافتراء
إضافة تعليق جديد