العنف الجنسي ضد الأطفال في سورية جرائم بلا شهود
أصل الحكاية تلك السكاكر الملونة المفضلة لدى سلمى بنت الأربع سنوات. أحمر وأصفر وأخضر، وألوان براقة أخرى تجعل عيني الطفلة ترقصان فرحاً. تركض بخطوات متعثرة صغيرة صغر قدميها إلى حضن عمها الذي اعتاد أن يدللها ويشتري لها حلواها المحببة. يمازحها ويخفي السكاكر في إحدى يديه. يخبئها في جيبه. ثم يعطيها واحدة. وما إن تتلذذ الطفلة بذلك الطعم الحلو على قلبها، حتى تتدلع لتحصل على البقية... وتبدأ هنا لعبة العم الثلاثيني. لعبة مختلفة كل الاختلاف عن لعبة سلمى. لعبة متعة. متعة جشعة وحشية... يوفرها جسد الطفلة النحيل البريء. ترضخ سلمى الصغيرة وتلعب مع عمها لعبة لذته التي لا تفهم منها شيئاً، تلعب على طريقته وتحت إلحاح لذة المكافأة التي تنتظرها!
حال سلمى كحال كثيرات وكثيرين من الأطفال الذين يعيشون تجارب تحرش جنسي وعنف جسدي يومياً، على يد أقرب المقربين. عنف مكتوم لا يسفر دائماً عن كدمات ظاهرة، بل يصيب تلك الأرواح البريئة، تاركاً ندوباً عميقة عصياً علاجها. ولأنها دفينة فهي نادراً ما تعامل بالحزم والعناية المطلوبين، إذ يضيع العنف الجنسي الممارس على أطفال كثر، بين العنف الجسدي الوحشي ذي الآثار الواضحة، وبين حالات الاغتصاب، من دون إعطاء الأهمية الواجبة لكثير من الحالات الواقعة بينهما، مثل التحرش والاعتداءات العاطفية والجنسية الأخرى والتي لها نتائج مأسوية مماثلة.
يعرّف العنف الجنسي، بحسب خبراء نفسيين، بأنه اعتداء جنسي مباشر، بما في ذلك الاعتداءات اللفظية والعاطفية التي تأخذ أشكالاً مختلفة، ككشف أعضاء الطفل التناسلية أو ملامستها، أو ملاطفة من نوع خاص، أو تعريض الطفل لصور وأفلام فاضحة، أو التلصص على الطفل ومراقبته وقت الاستحمام أو تبديل الملابس، أو إجباره على أعمال شائنة غير أخلاقية، مثل التلفظ بكلمات نابية، وانتهاء باغتصاب الطفل جنسياًً. ويشمل العنف الجنسي أيضاً محاولة الاغتصاب والإساءة الجنسية والاستغلال الجنسي.
ويظهر التقرير الوطني لعام 2008 حول سوء معاملة الأطفال في سورية أن نحو 19.4 في المئة من الأطفال هم ضحايا عنف جنسي، يبدأ بالإساءة اللفظية وينتهي بسلوك جنسي صريح مع الطفل. إلا أنه لم يتم التوصل إلى نسب محددة في هذا الشأن، اذ يلفت التقرير إلى أن دراسة العنف الجنسي عند الأطفال، تُعتبر إشكالية كبيرة بسبب العادات والتقاليد الاجتماعية وصعوبة الحصول على المعلومات من الأطفال وغيرهم.
نعم، تمتاز معظم حالات العنف الجنسي بأنها تبقى طي الكتمان، إذ، وبحسب اختصاصيين في علم النفس، غالباً ما يتمزق الطفل - الضحية بين تهديد الجاني وشعوره بالذنب والخجل والعار، فيكبت ألمه وضياعه ويعيش المعاناة صامتاً بينما تتآكل معنوياته وينخفض مستوى نشاطه رويداً رويداً!
الجاني حر إذا وافقت الضحية
وتشير سجلات العيادات الطبية إلى أن معظم حالات العنف الجنسي تمارس من قبل أحد أفراد العائلة كالأب أو العم أو غيرهما من أولئك الذين يعينهم القانون حُماةً على الطفل القاصر. ولكن، ولدرء الفضيحة، غالباً ما تلجأ الأسرة أو بالأحرى الأوصياء وهم الأصول من الذكور، الذين يملكون حق الادعاء نيابة عن القاصر أمام القضاء «للـفلـفة الـمـوضـوع»، وسحب الادعاء على الجاني، بخاصة إذا كان من لحمهم ودمهم، وذلك لتجنب تعريض سمعة الطفل والعائلة للخطر!
من حين إلى آخر، يتسرب إلى الإعلام بعض من فضائح هذه الأسرار، فهناك من وقعت ضحية عنف جنسي على والدها، وهناك من أجبره عمه على ممارسة الفحشاء، وثالث أغراه زميل له بممارسة أفعال منافية للحشمة.
ويعالج قانون العقوبات السوري هذه الحالات ضمن باب الجرائم المخلّة بالآداب العامة فيفرض عقوبة الأشغال الشاقة الموقتة على كل من جامع قاصراً دون سن الخامسة عشرة، ولا تنقص العقوبة عن 15 سنةً إذا كان الولد دون 12 سنة، وتشدد العقوبة إذا كان الفاعل أحد الأقارب من الأصول أو أحد أولئك الذين لهم له سلطة شرعية أو فعلية على القاصر. ويفرض القانون السوري ذاته العقوبة على كل من ارتكب بحق القاصر فعلاً منافياً للحشمة. ويتجه الاجتهاد القضائي اتجاهات مختلفة في تعريف الفعل المنافي للحشمة والتمييز بينه وبين التحرش، بينما يعاقب القانون بصرامة حالات الاغتصاب والفحشاء أو العنف الجنسي الواضح الملموس، ويتساهل في حالات العنف الجنسي الأخرى الأخف وفي شكل خاص التحرش الجنسي. فالمادة 505 تنص على «معاقبة من لمس أو داعب بصورة منافية للحياء قاصراً دون الخامسة عشرة، ذكراً كان أم أنثى أو فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمسة عشرة سنةً من دون رضاهما، بالحبس مدة لا تتجاوز سنة ونصف السنة. وتنص المادة 506 على معاقبة من عرض على قاصر دون الخامسة عشرة أو على فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة، عملاً منافياً للحياء، أو وجه إلى أحدهم كلاماً مخلاً بالحشمة، بالحبس التكديري ثلاثة أيام أو بغرامة لا تزيد على خمسة وسبعين ليرة، أو بالعقوبتين معاً».
الحبس مدة لا تتجاوز سنة ونصف السنة، والحبس التكديري ثلاثة أيام، وغرامة خمسة وسبعون ليرة، عقوبات خجولة لا تمت بصلة لجدية آثار مثل هذا العنف الخبيث على أجيال المستقبل، فضلاً عن غياب تعريف واضح للعنف الجنسي أو للتحرش الجنسي في القانون السوري.
وتعتد مواد قانون العقوبات برضا القاصر كدرء للعقوبة، كما هو واضح في المادة 505، فهل يعقل أن يعفى الجاني من الجرم إذا ما مارس التحرش الجنسي برضا القاصر؟ وهل من المنطق أن يرضى القاصر بأهليته غير المكتملة شرعاً وقانوناً بأن يرضخ للتحرش، بينما تمنعه أهليته الناقصة نفسها من الادعاء على الجاني؟ وكم ستصبح عملية إثبات جريمة التحرش 1271168670014451800.jpg الجنسي أصعب إذا ما واجهها ادعاء مضاد فحواه أنها تمت برضا القاصر - الضحية؟ أسئلة عديدة يطرحها هذا التناقض الذي تحمله المظلة القانونية في سورية والتي وعلى رغم أنها حرصت في كثير من الحالات على تشديد العقوبات المرتكبة بحق قاصر، تراخت في حالات حرجة أخرى، واعتدت برضا قاصر للإعفاء من عقوبة جرم كالتحرش الجنسي!
يشار إلى أن سورية، ومنذ عام 1993، صادقت على اتفاق حقوق الطفل يؤكد في المادة 34 منه أن «تتعهد الدول الأطراف بحماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والانتهاك الجنسي». وتشدد المادة (19) من الاتفاق على ضرورة حماية الطفل من كل أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على الإهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الاساءة الجنسية.
بيسان البني
المصدر: الحياة
التعليقات
فسحة للعيش
إضافة تعليق جديد