يوم نطق الحجر الفلسطيني
قبل عشرين عاماً قال الحجر كلمته. بعد أربعين عاماً من الصمت كان للكلمة ثقلها ووقعها المستمر على مساحة الأرض الفلسطينية، متجاوزة الخطوط الخضر والزرق والصفر، ومتخطية حدود الممكن لتطرق باب المستحيل.
عشرون عاماً على الحجر الأول وقنبلة المولوتوف الأولى والمواجهة الأولى بين الطفل الأعزل والجندي المدجّج بالسلاح، والمعركة الأولى بين المقلاع وفوّهة الدبابة. وكانت البداية الأولى لانتفاضة تأكيد الشعب الفلسطيني في الداخل أنه موجود رغم محاولات الاحتلال طمس هويته وإخفاء معاناته ووجوده.
لم يكن للانتفاضة الأولى نصرها المؤزّر ميدانياً، لكنها أثمرت مكاسب سياسية عديدة، وأسّست لمرحلة جديدة من تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته. كانت البداية الحقيقية لالتفات العالم إلى وجود نحو مليونين ونصف مليون نسمة، في ذلك الحين، تحت نير الاحتلال في القرن العشرين. وكانت إشارة إلى أن هذا الشعب لم يعتد الذل ولم يندمج مع المحتل.
كانت الانتفاضة دليلاً على أن الشعلة لا تزال تحت الرماد، وسنوات الاحتلال الأربعين، وما رافقها من قمع ومجازر وإدارات مدنية، لم تنجح في إطفائها، وأن لفلسطينيي الخارج امتدادات داخلية تؤثّر وتتأثّر بها وليس من السهل احتواؤها، حتى لو جرى تغييب منظمة التحرير وإبعادها عن الحدود الفلسطينية من لبنان إلى تونس، ولا سيما أن أحد اهداف اجتياح لبنان في عام 1982 كان تدمير منظمة التحرير لتسهيل الضمّ النهائي للضفة الغربية وقطاع غزة، للتغطية على الغضب الإسرائيلي الداخلي من تفكيك المستوطنات في سيناء والانسحاب منها.
كان الوقع السياسي للحجر مدوّياً، فأسّس لاعتراف رسمي إسرائيلي ودولي بمنظمة التحرير كـ«ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني»، تمهيداً لمشاركات ممثلين عنها في الداخل في مؤتمر مدريد وصولاً إلى توقيع اتفاقات أوسلو، التي وإن لم تلبِّ متطلبات قيام الثورة، إلا أنها أرست خطوة أولى في طريق طويل جداً، لم ينته بعد.
ويمكن اعتبار اتفاق أوسلو الأول، أو ما عرف بـ«غزة وأريحا أولاً» عام 1993، نهاية ست سنوات من الحركة الشعبية التي لم تكلّ، ولم تفلح معها سياسة «تكسير العظام»، التي اتّبعها، في حينها، وزير الدفاع الإسرائيلي إسحاق رابين، ولم توقف مواكب الشهداء، الذين تخطّوا ثلاثة آلاف شهيد، هبّة الحجر لتأكيد الوجود.
عشرون عاماً مضت، لكن يبقى لطهارة الثورة الأولى طعم مختلف في ظل الوضع القائم على الساحة الفلسطينية والنهاية التي وصلت إليها الانتفاضة الثانية؛ فحينها توحّد الشارع الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، لا تحركه حسابات فصائلية أو غايات تفاوضية مرحلية، وهبّ متسلِّحاً بحجر طامحاً فقط إلى الحرية.
حسام كنفاني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد