وزارة العمل تتبرع بـ 25 ألف ليرة لجمعية رعاية الجانحات بحمص
الحاج إبراهيم عبد المولى يدير «دار الضيافة» منذ تأسيسها بحمص قبل خمسين عاماً، وذلك عندما تأسست جمعية رعاية الأحداث، وتأوي هذه الدار الفتيات اللاتي حرمن من الرعاية الأسرية «المشردات» والأخريات ممن غررّ بهن.
السيد عبد المولى حدثنا بأن جمعية رعاية الفتيات الجانحات تكفل للنزيلات الغذاء والكساء والتداوي وتقوم بإعدادهن ليكنّ ربّات بيوت فاضلات، ولا تخرج الفتاة من هذه الدار إلا بالزواج من الذي غرر بها أو من آخر يتقدم لها عن طريق ذويها، وعادة لا يتقدم إلا الفقراء.
وعلى سبيل المثال زوجت كافة نزيلات العام الماضي ولم يتبق منهن إلا واحدة لم تنجح بعد المساعي لتزويجها.
ويجدر ذكره أن في حمص بعض الجمعيات غير الموجودة في محافظات أخرى مثل دار الضيافة هذه وجمعية البر والخدمات الاجتماعية والجمعية التاريخية.
السيد عبد المولى ورغم سني عمره بدا لنا متنبهاً لكل شاردة وواردة في هذه الدار فقد اكتسب خبرة وأسلوباً محدداً للتعامل مع الفتيات وذويهن، وطوال هذه العقود الماضية أتت للدار وذهبت منها حكايات لفتيات «أخطأن» ، وعادة نحن لا نسامح على أخطاء مماثلة بل بعضنا يهدد بالقتل وعظائم الأمور..
أما فكرة تأسيس دار الضيافة فتعود لمجموعة من أهل الخير بحمص أرادوا إيواء الفتيات الخاطئات اللاتي كنّ يوضعن آنذاك بعهدة ما يسمى بشيوخ الأحياء وما أدراك ما كان يحدث آنذاك لدى شيوخ الحي هؤلاء، والكلام هنا للسيد إبراهيم عبد المولى الذي أضاف : إن الأولوية في عمله وعمل أعضاء الجمعية... إحلال الصلح مع الأهل وتزويج الفتيات، ويعانون الأمرين في الإصلاح بين ذوي الفتاة والجاني... وإذا لم يتم ذلك تتقدم الجمعية بكتاب تثبيت زواج وفي هذه الحالة يكون القاضي الشرعي هو ولي الفتاة.
من حديث الحاج عن أوضاع الفتيات وأوساطهن لاحظنا أن الفتاة المدانة هي غالباً أو دائماَ من وسط فقير... وربما غسل العار الذي يقتنع به ويندفع إليه ذووها يريدون به غسل فقرهم لا عارهم فقط.....
وبعيداً عن مشكلات الفتيات ومآسيهن.. بدا للدار مشاكلها المادية فهي تعاني من عسر شديد في السيولة النقدية ولأسباب ومفاهيم مجتمعية متجذرة في نفوسنا تجعلنا ننظر نظرة احتقار لهؤلاء النزيلات كانت حصتها شحيحة جداً من التبرعات، لهذا تعتمد الجمعية على أعضائها لسد النفقات الضرورية يضاف إليها مئة ألف ل.س مبلغ إعانة من وزارة الشؤون والعمل لكنه لا يسد جوعاً ولا يغني عن حاجة، والشيء اللافت أن الجمعية طالبت الوزارة بزيادة المعونة نظراً لعجزها الكبير لكنها فوجئت بتناقصها إلى 25 ألف ل.س في العام الماضي، وهو مبلغ لا يكفي لسد أي باب من أبواب النفقات فماذا ستفعل إعانة زهيدة لهذه الفتيات يأتين للدار بمعدل ثمانية منهن يومياً، ولا تقل فترة مكوث إحداهن عن أربعة شهور.
وما زلنا نتابع مع السيد عبد المولى وسرده لنا عن مشكلات الدار التي لا تقتصر فقط على العجز المالي الكبير بل على السيدات اللاتي يرسلهن لتدريب النزيلات على الأشغال والخياطة لكنهن عادة يتأففن ويعتذرن عن المجيء خجلاً من الدار وساكناتها..
لكن ورغم كل هذه القتامة اللونية في مشهد الدار ومقرها المتواضع جداً وحكايات فتياتها إلا أن بعض خيوط من الضوء واللون تعمل على تبديد عتمة ما شاهدناه.
فالسيد المحافظ وجه بانتداب مرشدين في علوم النفس والتربية، وأيضاً تمكنت الجمعية من الحصول على قطعة أرض منحها لها مجلس مدينة حمص وذلك لإقامة مقر جديد للدار بدلاً عن المكان الحالي الذي لا يفي الاحتياجات الضرورية لدرجة أنه لا يتسع حتى لآلات خياطة وتريكو قدمت للجمعية كمنح عينية في السابق.
بينما كانت زيارتنا للجمعية موشكة على الانتهاء وبينما كنا سنتحدث مع مدير الدار الذي وعدنا بأن نلتقي بعضاً من النزيلات لاحقاً... قدمت إحداهن.... وكان يلوح على وجهها فرح حدث للتو...
وباندفاع أعلمته بأن مخدومها أتى لأخذها كي تعاود العمل عنده ذاك الفرح والرغبة بالخروج كادا أن يتلاشيا من ملامحها عندما أخبرها السيد عبد المولى بوجوب أخذ إذن النيابة العامة للسماح لها بالخروج.
لم يقل لنا الحاج شيئاًَ من تفاصيل حكاية هذه النزيلة ولكن الأكيد أن خطأها لم يكن مع مخدومها..والأكيد أيضاً أن خشية ما لاحت في أفكار وعقل السيد عبد المولى.. ليس فقط من أن تتعرض هذه الفتاة للقتل من قبل ذويها بل من انقيادها في انحراف حقيقي، لأن نماذج مثلها يصبحن تربة مهيئة وصالحة جداً لاستغلال الكثيرين.
أخيراً... لاشك أن للفتيات حكاياتهن وقد نقف مرة أخرى مع من أتين للدار كمذنبات وربما مع من خرجن منها كمتزوجات.... لنسلط الضوء على ما نعتبره أخطاء لا تغتفر علماً أن ما فعلته كان بدافع من الضعف الإنساني وقعن به وهو لا يشبه بأي شيء أفعال وآفات أخرى كالسرقة والقتل والكذب.
لكننا نعاقب وندين دائماً الفتاة الضحية والفريسة لشاب مارس عليها شتى صنوف الكذب، ودائماً هذا الأخير ينأى عن عقاب المجتمع الذي لا يعتبره شريكاً في الخطأ الحاصل بل يتابع حياته وأحلامه صغرت أم كبرت في حين تصبح قمة أحلام الضحية «كما في نموذج نزيلات دار الضيافة» الزواج من أي كان تحت وطأة مشاعر الذنب والخوف والمهانة...
ولكن ماذا سيحدث لو لم توفق بهذا الحلم..؟ وماذا عن الشاب الذي قبل الزواج منها..؟ هل سيهيئ لها جواً من الأمان والاستقرار؟ أم هي مرحلة أخرى من الجحيم والذل والانفصال و مرة أخرى من الضياع والانحراف الحقيقي...
هالة حلو
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد