وثيقة شعبية أردنية لمواجهة الغلاء والعنوسة وحوادث السير
طوّرت عشائر أردنية في مدينة السلط وثيقة شعبية لإحياء مراسيم الزواج التقليدية بعيدا عن البذخ، مع تحميل عائلة العروس جزءا من تكاليف الاقتران لمكافحة العنوسة وذلك بعد عقدين من صياغة تلك الوثيقة في بلد تترسخ فيه العادات العشائرية.
وتنصح الوثيقة كذلك بعدم التنازل عن "الديّة أو التعويض"، وهي عادة شائعة في الأردن لا سيما في حوادث السير- إكراما لما يعرف "بالجاهة" العشائرية.
طوّرت الشخصيات السلطية مدونة السلوك وسط موجة غلاء متصاعدة طالت غالبية السلع والخدمات فضلا عن ارتفاع ضحايا حوادث السير إلى زهاء 900 قتيل و20 ألف إصابة سنويا.
وتقترح الوثيقة أيضا إقامة مناسبات العزاء بعد الساعة الثالثة عصرا لتفادي تقديم وجبة غذاء للضيوف، وفي مثل هذه الحال، يحدّد عدد "المناسف" بعشرة على أن تؤكل بالملاعق بعيدا عن الطريقة التقليدية المتمثلة باستخدام الأيدي.
ويجادل رئيس جمعية السلط الخيرية العين رجائي المعشر، أحد مهندسي الوثيقة، بأن "طبق المنسف باللحم البلدي يكفي 35 إلى 40 شخصا إذا ضيّف بالصحون، مقابل ثمانية فقط" في حال ازدراده بالأيدي.
وينتقد المعشر، وهو أحد كبار رجالات الأعمال في الأردن، وصول تكلفة بعض ولائم الأعراس أو الجنازات إلى مائة وخمسين ألف دولار. وهو يرى إمكانية انفاق مثل هذا المبلغ الضخم في أعمال خيرية تخلد اسم صاحبها.
مع أن وثيقة السلط المعدّلة "غير ملزمة قانونيا" إلا أن المعشر ورفاقه في هذا المشروع يسعون لنشره "وثيقة وطنية" على محافظات المملكة الاثنتي عشرة. ويقول: "قرّرنا مقاطعة أي شخص لا يلتزم ببنود الوثيقة".
ويؤكد أن الهدف من الوثيقة "التوفير على الناس دون المس بالعادات بل من خلال تحسين وسائل تكريم الضيف"، بعيدا عن البدع.
من جانبه، يرفض باسم الزعبي (38 عاما) من السلط، الواقعة على مسافة 33 كيلو مترا غربي عمّان، العديد من بنود الوثيقة بما فيها حصر توقيت العزاء بالفترة الصباحية، حصر الاطمئنان عن المرضى عبر الهاتف، وإلغاء عادة "تنقيط العريس"، أو منحه هدايا نقدية يوم عرسه.
ويرفض الزعبي ايضا فكرة الزواج الجماعي، معتبرا أن "الاقتران يشكل مناسبة خاصة للزوجين، وليس لثلاثين أو خمسين زوجا".
وكانت جمعية العفاف الخيرية، التي يرأسها العين السابق والناشط الإسلامي عبد اللطيف عربيات (السلط)، قد جمعت أكثر من 1000 أردنية وأردنية في 15 عرسا جماعيا تقشفيا منذ منتصف العقد الماضي.
وتأتي إعادة قراءة "وثيقة السلط" الشعبية وسط موجات غلاء طالت غالبية السلع والخدمات وارتفاع معدلات العنوسة والعزوبية.
وتشير دراسة لجمعية العفاف الخيرية الإسلامية إلى وجود 90 ألف فتاة فوق سن الثلاثين لم يسبق لهن الزواج.
يذكر ان متوسط سن زواج الرجل ارتفع من 20 سنة عام 1961 إلى 30 عاما قبل سنتين فيما قفز معدل عمر اقتران الفتاة من ستة عشر عاما سنة 1961 إلى سبعة وعشرين الآن.
ولا ترى رهام السلطية، التي تتجاوز الثلاثين عاما، ضيرا في مبدأ المشاركة في بناء الأسرة. وتطالب رهام عائلتي العروسين بالمشاركة في تحمل أعباء الزواج لاسيما أن الكثير من فتيات الأردن أصبحن مستقلات ماديا مع دخولهن سوق العمل.
وتدعو الوثيقة، بعيدا عن الرقص بأنواعه والألعاب النارية التي تكلف عشرات الألوف في الفنادق الفخمة، إلى إحياء الدبكة والزفّة وأغاني الحجّاج وحمّام العريس التقليدي.
ويرى محمود الدباس، أحد أعضاء لجنة الصياغة أن مطالبات المرأة بالمساواة يجب أن تشمل توزيع أعباء بناء عش الزوجية، أسوة بالأعراف المصرية مثلا.
على أن الدباس لا يؤيد تحديد أكل المناسف بعشرة أطباق كبيرة، معتبرا أن أفخاذ العشائر الأردنية لا تقل عن 100 شخص لكل منها.
وينتقد رجال قانون ومسؤولون عادة تسوية قضايا حوادث السير من خلال الصلحات العشائرية أو ما يعرف بالعطوات، في بلد يفقد زهاء ألف قتيل على الطرقات سنويا.
وتقترح الوثيقة أن يأخذ القانون مجراه بدل فنجان قهوة الصلح.
وللمناسف حظوة خاصة لدرجة أنها تدخل ضمن فلكلور البلد الذي يقدر عدد سكانه بستة ملايين نسمة.
وكانت مدينة السلط العتيقة التي شهدت بناء أول مدرسة ثانوية في الأردن قبل تسعة عقود تقريبا قد اختيرت عاصمة لإمارة شرق الأردن في بدايات التأسيس قبل أن تنتقل الراية إلى عمان، ويقدر عدد سكانها الآن بنحو 100 ألف نسمة.
سعد حتر
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد