واشنطن والرياض تطلبان من السنيورة طي استقالته ولبنان مازال يشتعل
فتح مناخ الترقب والانتظار والهدنة، الباب واسعا، أمام طلعات ونزلات قياسية في بورصة الترقب السياسي، حيث كان اللبنانيون على حيرة من أمرهم، فهل يصدقون من ينطقون بالتصريحات النارية أم من يقدمون لهم آمالا بدنو ساعة الحل اللبناني؟
لنبدأ من السرايا الكبيرة: من اطلع على المناخات الموجودة هناك ظنّ للوهلة الأولى، أننا نعيش في نموذج ديموقراطي، لم تبلغه أعرق الديموقراطيات في العالم، حيث كان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة يردد طيلة الساعات الأخيرة أن الاستقالة أهون عليه من التراجع عن «القرارين» اللذين لم يكن متحمسا لهما في الأساس. وفي المقابل، فإن من كانوا الأكثر حماسة لهذا القرار، انقسموا بين متوغل في الحماسة لهما مثل وزير «الشبكة» مروان حمادة ووزير الشباب أحمد فتفت والوزير «القواتي» جو سركيس، أو متراجع بالكامل عنهما مثل وزير الاعلام غازي العريضي، أو متردد مثل الوزير شارل رزق والوزيرة نايلة معوض، فيما بدا القسم الأكبر من الوزراء ينتظر القرار الذي سيتخذه النائبان وليد جنبلاط وسعد الحريري، من أجل أن يقررا موقفهما في الجلسة التي سيعقدها مجلس الوزراء فور توافر النصاب القانوني في الساعات المقبلة... من دون اغفال ما دب من خلافات بين الوزراء في معرض نقد الذات!
واستنادا الى ما جرى من اتصالات، وأبرزها الاتصال الذي تلقاه رئيس الحكومة من مسؤول سعودي رفيع المستوى، فضلا عن نصائح أميركية نقلتها اليه القائمة بالأعمال ميشال سيسون، فإن الاستقالة طُويت مبدئيا، الا اذا قرر رئيس الحكومة أن يرمي قنبلة سياسية في أحضان الجميع.
وإذا انتفت فرضية الاستقالة، فإن الأوساط السياسية اللبنانية المتابعة للاتصالات، ترجح انعقاد جلسة مجلس الوزراء اليوم، بعد أن تم توفير النصاب القانوني بعودة الوزيرين طارق متري ونعمة طعمة، وبعد ذلك يفترض بها أن تصدر قرارا بتبني قرار قيادة الجيش بإلغاء «القرارين الأسودين».
ووفق خارطة الطريق الايجابية، فإن قرار التراجع سيفسح المجال أمام عدم غرق اللجنة الوزارية العربية، في موضوع اقناع الحكومة بالتراجع عن «القرارين» (ثمة رأي عند عدد لا بأس به من الوزراء بـ«بيع» موضوع التراجع للجنة العربية)، وبالتالي يفتح الباب أمام الخوض مباشرة في موضوع المبادرة العربية المتكاملة للحل، لكن بعد الجلوس حول طاولة الحوار.
-من السرايا الى القاهرة، حيث كان الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، يتابع مع فريقه، مجريات الوضع اللبناني سياسيا وميدانيا، حيث ظل على تواصل دائم مع قيادات الموالاة والمعارضة، وقد بدا مصرا على ضرورة فتح مطار بيروت، لكنه تلقى أجوبة من المعارضة بأنه مرحب به، لكن لن يخضع أحد للشروط من أجل افقاد المعارضة أي أوراق قبل تراجع الحكومة عن قراريها والتئام طاولة الحوار.
ولوحظ أن موسى استشعر وجود مناخ معارض (مدعوم سورياً) يقضي باطلاق النار على مهمة الوفد العربي، وذلك في أعقاب قول الوزير السابق وئام وهاب إنه غير مرحب به، وتوجيه نقد قاس له (وصفه بأنه «لارسن العرب»)، لكن سرعان ما جاءه الجواب الذي يطمئنه بأن ما قاله وهاب لا يتجاوز موقفه الشخصي وليس موقف المعارضة أو دمشق.
هل يحمل عمرو موسى جديدا؟ لا شيء أكثر من المبادرة العربية. لكن هناك من وضع برسمه قرار السفير السعودي عبد العزيز خوجة مغادرة بيروت فجأة وعبر زورق بحري سريع باتجاه قبرص، وهل يمكن أن يكون ذلك عبارة عن رسالة سياسية للمبادرة العربية؟
ومن المقرر أن يتوجه موسى اليوم الى قطر للاجتماع بأعضاء اللجنة الوزارية التي ستتوجه بعد ذلك الى بيروت، علما بأن مصادر دبلوماسية عربية رجحت أن يتوجه فقط الى بيروت وفد يضم موسى ورئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم وذلك في مهمة استطلاعية لمواقف الأطراف اللبنانية.
-أما في عين التينة، وخلافا لبعض الأجواء المتشنجة، كان الرئيس بري متفائلا نسبيا، وهو تبلغ من القائمة بالأعمال الأميركية أن الأولوية هي للأمن والاستقرار في لبنان، «فنحن ننصح بالهدوء من أجل عدم تدهور الموقف»، مع اشادة كبيرة بدوره ومساعيه في هذا الاتجاه.
غير أن بري سأل سيسون عن «الاشاعة» المتداولة في بعض وسائل الاعلام، ومفادها أنها تحرض الموالاة على عدم العودة عن «القرارين»، فكان جوابها النفي بشدة، ومن ثم القول مرتين «هذا غير صحيح».
وعندما سئل الرئيس بري عما اذا كانت هناك من شروط اضافية للمعارضة، أجاب «نحن نطالب بالغاء القرارين ونذهب فورا الى طاولة الحوار وتلغى كل مظاهر العصيان المدني، ويعود الوضع الى ما كان عليه قبل تلك الليلة المشؤومة. نحن نطالب بالشراكة وليس بالاستئثار أو الانتصار لا سمح الله على أحد من شركائنا في الوطن».
وقال بري إن لبنان ليس للأميركي ولا السعودي ولا الايراني ولا السوري، بل لكل اللبنانيين. وأشاد بدور الجيش وتضحياته والمهام الملقاة على عاتقه، وقال ان حملة بعض (قادة) الموالاة عليه انما تدل على «أنهم كانوا قد وافقوا على ترشيحه بمهمة وحيدة هي ضرب المقاومة وأن ينتحر وينتحر معه البلد بينما نحن دعمنا ترشيحه في سبيل انقاذ البلد».
وقرر بري إرجاء الجلسة النيابية، التي كانت مقررة اليوم، لانتخاب رئيس الجمهورية وذلك حتى ظهر يوم الثلاثاء، في العاشر من حزيران المقبل، وقال «من البديهي أنه في حال التوصل الى نتيجة ايجابية من خلال الحوار سيصار الى تقديم موعد الجلسة فورا».
- من جهة «حزب الله»، فقد ظلّ التقنين قائما في الكلام السياسي، باستثناء ما يرد على لسان الوسائل الاعلامية للحزب... وما أعلنه المعاون السياسي للأمين العام الحاج حسين الخليل في مؤتمر صحافي هادئ، قال فيه ان المعارضة بأطيافها كافة مستمرة في تحركاتها المدنية السلمية لتحقيق الاهداف التي كانت قد اعلنتها لهذا التحرك عند البداية، حتى تراجع الحكومة عن قراراتها الاخيرة والذهاب فورا الى طاولة الحوار.
وخاطب الخليل أهل بيروت والجبل وبقية المناطق بأن مشكلتنا ليست معكم بل مع فريق سياسي متسلط يرهن البلد للإرادة الأميركية وأراد أن يدفع البلد إلى أتون حرب أهلية شاملة من خلال قراراته الأخيرة. وقال ان ما حصل من جانب المعارضة ليس دخولاً في الفتنة «وإنما عمل محدود قطع الطريق على الفتنة الشاملة التي خططوا لها».
ورحب الخليل «بكل جهد عربي لمساعدة لبنان على تخطي الأزمة القائمة»، لكنه طالب كل الجهات العربية التي تريد أن تساهم في انقاذ لبنان «بأن لا تقف لمصلحة طرف في مواجهة أي طرف آخر، إنما عليها أن تتصرف بحيادية ونزاهة وإخلاص لإنقاذ لبنان».
وعلق الخليل على اعلان واشنطن ارسال المدمرة «كول» مجددا بالقول «على نفسها جنت براقش»... وأكد ان المعارضة ليست بوارد الانتصار أو عدم الانتصار بل في موقع الدفاع عن قضية شريفة. وشدد على انه لا نية لـ«حزب الله» لاستثمار ما حصل على الارض وهو لن يلجأ الى نزع سلاح أي كان، وقال انها مسؤولية الجيش اللبناني.
- وفي قريطم، واصل النائب سعد الحريري استقبالاته اليومية، وكان أبرزها أمس لقاءه القائمة بالأعمال الأميركية، فيما أصدر نفيا للمعلومات حول مغادرته بيروت عن طريق البحر، وقال انه صامد في قريطم. وقالت أوساطه ان الحكومة ستتراجع اليوم عن القرارين اللذين رفضتهما قيادة الجيش، و«بعد ذلك سنذهب للحوار أو نسمي من يحاور باسمنا»، مشددة على وجوب ملء الفراغ الرئاسي والذهاب نحو تسوية شاملة للوضع. وأجرى الحريري اتصالات مع عدد كبير من المسؤولين العرب، أبرزهم وزير خارجية قطر وعمرو موسى.
أما في كليمنصو، فقد أسهم تراجع العمليات الميدانية في الجبل، في تراجع توتر النائب وليد جنبلاط واطلالاته الاعلامية، حيث كانت قد تحولت الفضائيات اللبنانية وسيلة اتصال بينه وبين كوادر وعناصر الحزب التقدمي في الجبل من أجل ضبط الموقف، وبدا مصرا على وجوب الانعقاد السريع لمجلس الوزراء، داعيا الى ابرام تسوية شاملة تقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية على اساس 13+7+10 الا اذا كان الرئيس بري قد تراجع عنها، وعندها لا بأس أن ندرس قضية حكومة الثلاث عشرات.
ورفض جنبلاط استقالة السنيورة ونقل عنه زواره تهكمه على اعلان الأميركيين عن توجه المدمرة «كول» الى السواحل قبالة لبنان، وتمنى على القائمة بالأعمال الأميركية أن تطلب من وزيرة خارجيتها أن تقل من اتصالاتها التضامنية مع رئيس الحكومة وكل فريق 14 آذار.
وحذر جنبلاط من أي محاولة لاقتحام منازل أهل الجبل بحجة البحث عن السلاح، وقال ان هذه مسألة شرف وكرامة وهذا الأمر لم يقم به لا الاسرائيليون ولا «القوات» في عز خلافنا معها. واتهم المعارضة بالوقوع في فخ الانقلاب العسكري وتمنى العودة الى طاولة الحوار سريعا، وقال ان الحكومة ستتراجع اليوم عن قراريها «وقد اتفقنا أنا والشيخ سعد على ذلك بالتنسيق مع الرئيس بري». وقال في مقابلات متلفزة عربية وانكليزية ان أهل بيروت والجبل صامدون وعندما تأتي الساعة ينتفضون وهذا ما أظهره التاريخ.
- في مقر وزارة الدفاع في اليرزة، كان قائد الجيش العماد ميشال سليمان، يتابع لحظة بلحظة الوقائع الميدانية والسياسية، وخاصة ما شهدته طرابلس، حيث أعطى الأوامر بنشر الجيش وحصر نيران المواجهات، فيما قام الجيش بتحريك عدد من الأفواج القتالية الاحتياطية باتجاه الجبل الجنوبي وعزز حضوره في العاصمة بالتنسيق مع قوى الأمن الداخلي. ونقل زوار قائد الجيش رفضه الرد على بعض الحملات التي يتعرض لها علنا أو سرا، وقال إن الجميع أصحاب مصلحة في أن يحموا مركب المؤسسة العسكرية لأنه خشبة الخلاص للجميع في ظل واقع الانقسام الوطني الكبير في لبنان.
وبناء على طلب قائد الجيش تم اتخاذ قرار «بمنع أي ظهور مسلح أو نشاط أمني من قبل أيّ من الأفرقاء». وقال بيان القيادة إن وحداتها «ستعمد إلى ضبط المخالفات على أنواعها، فردية كانت أو جماعية، بالوسائل المعتمدة، ووفقاً للأصول القانونية، حتى ولو أدى ذلك إلى استعمال القوة».
ودعت قيادة الجيش جميع الأفرقاء للتعاون، انسجاماً مع دور المؤسسة العسكرية الضامن لأمن الجميع، وأشــارت إلى أن العمل بهذه الإجـــراءات يـبدأ اعتباراً من السادسة من صباح اليوم الثلاثاء.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد