هل تؤثر زراعة قلب ثان في عواطفنا؟

17-12-2014

هل تؤثر زراعة قلب ثان في عواطفنا؟

عندما زُوّد رجل بقلب جديد، تغيّر عقله على نحو غير عادي، فكيف ذلك؟
 الإجابة تكشف عن حقيقة مفاجئة تتعلق بأجسادنا.
في كل ثانية، أو نحو ذلك، يشعر المريض كارلوس بأنّ هناك «مضخة» صغيرة تتحرك في جوفه. كانت تلك هي نبضات «قلبه الثاني». وكان الهدف من المضخة الآلية الصغيرة تخفيف العبء عن عضلات قلبه المتهالكة.
لكنّ كارلوس لم يشعر بارتياح، فقد حل وقْع الآلة محل نبضات قلبه، وهو إحساس غريب سيطر على جسده، لأن الآلة تنبض فوق سرّته، وتولد لديه شعوراً غريباً وخفياً بأن صدره قد سقط إلى معدته.
كان شعوراً غريباً وغير مريح، لكن عندما التقى كارلوس بعالم المخ والأعصاب أوجستين إيبانز، تكهّن الأخير بوقوع آثار أكثر غرابة من ذلك، إذ يعتقد إيبانز أنه بتغيير قلب الإنسان ربما يغيّر العلماء عقل مريضهم أيضاً.
كارلوس الآن سيفكر ويشعر ويتصرف على نحو مختلف نتيجة لذلك العضو الذي زرع بداخله.
لكن كيف ذلك؟
 غالباً ما نتحدث عن مفهوم «اتباع القلب» (أو التعبير الذي يفيد بأن قلب المرء هو دليله). وقد تبيّن للعلماء أن هناك جوانب صدق في هذا التعبير، فتلك العضلة الجياشة تسهم في تكوين مشاعرنا والمشاعر الغريبة «للبديهة» أو الحدس على نحو واقعي للغاية.
ولعل الرجل الذي يشعر بأن له قلبين في جوفه يوفر لنا فرصة فريدة لاختبار تلك الأفكار، كما يقول إيبانز الذي يعمل في جامعة «ففالورو» في بوينس ايرس في الأرجنتين.
ويتسق ما يرمي إليه إيبانز مع آلاف التكهنات في ما يتعلق بدور القلب في الإدراك، والذي كان يُعتقد في بعض الأحيان أنه يفوق دور العقل.
وساعد ويليام جيمس، مؤسس علم النفس الحديث، في تشكيل هذه الأفكار في القرن التاسع عشر، حين اشار الى ان العواطف هي دورة مستمرة بين الجسم والعقل. وطبقاً لنظريته هذه، قد يكون العقل قادراً على تسجيل تهديد ما عقلياً، لكن وعينا بدقات القلب المتسارعة والأكف التي تتصبب عرقاً هو الذي يحول مفهوماً مجرّداً إلى عاطفة غريزية.
وأثارت أفكار جيمس سؤالاً مهما أيضا: إذا كان لكل واحد منا وعي جسدي مختلف، فهل يشكل ذلك العواطف التي يمر بها؟
 كان من الصعب اختبار التجربة. لكن بعد مئة سنة، عاد العلماء إلى دراسة تلك المسألة مرة أخرى.
وتطلبت الدراسات أولاً من المشاركين فيها عد ضربات قلوبهم استناداً إلى الأحاسيس التي يشعرون بها داخل صدورهم. ولم يسمح لهم بوضع ايديهم على قلوبهم أو قياس نبضهم بأي وسيلة أخرى.
هناك شخص من بين كل أربعة أشخاص أضاع ما يعرف بالعلامة الفارقة، بنحو 50 في المئة، ما يدل على أنه لم يكن لديهم أي إدراك يذكر لحركة القلب داخلهم. ولم يحصل سوى ربع العدد المشارك في التجربة على 80 في المئة من حيث دقة الشعور بحركة القلب.
وبعد اختبار وعيهم القلبي أعطي المتطوعون اختبارات متنوعة لقياس الإدراك.
وتبين أن جيمس كان مصيباً تماماً، فالناس الذين لديهم مزيد من الوعي بالجسد يميلون إلى أن تكون لديهم ردود فعل أكثر حدة للصور العاطفية، ويقال إنها تُحركهم بشكل كبير للغاية. وهم أفضل كذلك في وصف مشاعرهم.
والمهم أن هذه الحساسية تمتد إلى مشاعر الآخرين، فهم أفضل أيضاً في التعرف إلى العواطف في وجوه المحيطين بهم، والأسرع في تعلم تجنب تهديد محتمل من قبيل صدمة كهربائية بسيطة في المختبر.
وبعبارة أخرى، يعيش الأشخاص المتناغمون مع أجسامهم حياة عاطفية أكثر ثراء، وأكثر حيوية بأفراحها وأتراحها.
لكن الأشخاص أصحاب الوعي بالجسد لم يكونوا دوماً على صواب، بل إنهم أسوأ الخاسرين في حال الخسارة، وهم أيضا أفضل الفائزين في حال الفوز. أي انهم أكثر ميلاً إلى اتباع هواجسهم الخاصة أو ما يمليه عليهم حدسهم.
ويبحث إيبانز في ما إذا كان وجود خطأ في الاتصال بين الجسد والدماغ سيؤدي إلى ما يعرف بـ«اضطرابات تبدد الشخصية»، وهي الحالة التي يكون لدى المرضى فيها شعور غريب بأنهم لا يسكنون أجسادهم.
وقال أحد المرضى للباحثين: «أشعر كأنني لست على قيد الحياة، وكأن جسدي خاو، مثل القوقعة التي لا حياة فيها... أبدو كأنني أمشي في عالم أدركه لكنني لا أشعر به».
لكن بارني دان، أستاذ علم النفس السريري بجامعة اكستير البريطانية، يرى أن هؤلاء الأشخاص يمكن تدريبهم وأن مسألة الوعي بالذات يمكن أن تتحقق بالممارسة.


 (عن «بي بي سي»)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...