نشأة الأوقاف وتطورها في الإسلام انطلاقاً من كونها صدقات جارية
يرجع نظام الوقف الإسلامي في أساس نشأته إلى الوازع الديني، إذ أرجعه بعض الفقهاء وعلماء الحديث إلى حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) «إذا مات ابن أدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». ومن هنا عُرف الوقف بأنه صدقة جارية، أو ما عرف عن النبي (صلى الله عليه وسلم) من قوله لعمر بن الخطاب عندما أراد التقرب إلى الله بأرض كان يمتلكها، فقال له الصادق الأمين: «إن شئت حبست أصلها وتصدقت بثمرها».
وهكذا كان الوقف: حبس العين والتصدق بالمنفعة، أي أن الوقف لا يباع، ولكن يتم التصدق بريع العين الموقوفة تقرباً إلى الله عز وجل، سواء كانت أراضي زراعية، أم عقارات سكنية، أم حوانيت ومحال وغيرها، ويُشترط في العين الموقوفة أن تكون ملكاً من أملاك الواقف؛ وبالتالي يحق له وقفها بعد ذلك على جهات الخير المختلفة؛ كالوقف على المدارس، والجامعات، والمشافي، والمساجد، وينعقد الوقف بنية الواقف وحده، فيخصص الوقف إلى الجهة التي عينها الواقف بمحض إرادته، وفي هذه الحال يصبح الوقف تمليك المنفعة للموقوف عليه، ولا يجوز التصرف في الموقوف إلا لاستبدال غيره به.
ونظام الوقف من النظم الاجتماعية الأصيلة ذات الأبعاد المتشعبة التي عرفتها المجتمعات العربية والإسلامية، ومارستها بانتظام منذ فجر الإسلام إلى العصر الحديث. وفي القرون الأولى للإسلام انتشرت الأوقاف في شتى بقاع دار الإسلام؛ حتى أضحى الوقف ظاهرة اجتماعية اقتصادية لعبت دورًا بارزًا في حركة المجتمعات الإسلامية، وتعددت الأوقاف منذ الفتح الإسلامي، وتنوعت الموقوفات بين بيوت وحوانيت ووكالات وأفران وحدائق وبساتين وأطيان زراعية.
وساهم هذا النظام بدور فعال في بناء صروح الحضارة الإسلامية، والحفاظ عليها على مر العصور، فالوقف إذاً مصدر من مصادر قوة المجتمع وقوة الدولة معًا، فقد ارتبطت بنظام الوقف، على طول تاريخه منذ فجر الإسلام وحتى العصر الحالي، مجموعة كبيرة من النشاطات والمؤسسات الاجتماعية التي كان لها دورها الفعال في صميم البناء الاجتماعي، كما لعبت دوراً في تغذية نسيج شبكة العلاقات الإنسانية التراحمية في دوائرها الأولية حول الأسرة، ودوائرها المتوسطة حول الجماعة أو الطائفة من أهل الحرفة من الحرف أو الحي من الأحياء، وفي دائرتها العليا حول المجتمع أو الأمة ككل، ومثل هذه الشبكة بدوائرها المتداخلة غير المنفصلة لا غنى عنها لأي مجتمع حتى يتماسك ويقوى على البقاء والتقدم.
فبالوقف أنشئت المساجد ومعاهد التعليم؛ بدءًا بالكتاتيب ووصولاً إلى المدارس والجامعات، وبه تأسست المستشفيات للعلاج بالمجان، وشُيدت المدن والقلاع والحصون من حولها لتوفير الأمن، وتكايا وملاجئ لمن لا مأوى لهم، وإطعامهم وكسوتهم وعلاجهم، وتعليم من منهم في سن التعليم، كما شيدت المضايف لاستقبال الغرباء، والمنازل لإقامة عابري السبيل والمسافرين، وبنيت سبله لمياه الشرب، ومقابر الصدقة، ووزعت على الفقراء والمساكين والأيتام وذوي الخصاصة لإعاشتهم والترويح عنهم، وزود المجاهدون في سبيل نشر الإسلام بالمؤن والسلاح، والصائمون بالفطور والسحور، وحجاج بيت الله الحرام بما يبلغهم مقاصدهم.
معنى الوقف
والوقف في اللغة معناه الحبس والمنع مطلقًا سواء كان ماديًا أم معنويًا، أما في الفقه الإسلامي فهو عبارة عن مال يُخرجه صاحب من ملكه، ويجعله على حكم ملك الله تعالى، ويُخصص ريعه للإنفاق في وجوه البر الخاصة والمنافع العامة، كالتي أشرنا إليها، أو هو طبقًا لتعريفة الاصطلاحي، كما عرفه بعض الفقهاء بأنه «حبس العين عن أن تكون مملوكة لأحد من الناس، وجعلها على حكم ملك الله تعالى، والتصدق بريعها إلى جهة من جهات الخير في الحال أو في المآل» ، وعرفه البعض الأخر بأنه «حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه على مصرف مباح» أو هو «تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة».
وتحتوي كتب الأوقاف على العديد من المناقشات حول تعريف الوقف لجهة تكييفه من الوجهة الشرعية، وضبط مصطلحة، وتحديد مدلوله، وحل مسائله ومشكلاته، وغير ذلك من الموضوعات التي لا مجال لعرضها كاملة، ولكن أهم ما نلحظه في كل التعريفات الفقهية للوقف هو عدم وجود فروق جوهرية بين تلك المعاني الاصطلاحية، فهي متقاربة في صيغتها متحدة في معناها الذي يؤكد أن قوام الوقف هو منع التصرف في رقبة العين التي يدوم الانتفاع بها فلا يجوز بعد وقفها وجعلها على حكم ملك الله تعالى أن تباع، أو ترهن، أو توهب، أو تورث، أما منفعتها فتصرف على وجه أو أكثر من وجوه الخيرات والمنافع العامة طبقًا للشروط التي يحددها الواقف نفسه.
وبمرور الوقت أصبح للوقف نظام متكامل الأركان نظريًا وعمليًا، ومن أهم خصائصه أنه موصول بسبب إلى «يوم الناس» الذي يعيشونه في الحياة الدنيا، وبسبب إلى «يوم الدين» الذي ينتظرهم في الحياة الآخرة، وذلك بدوران الوقف في إطار غايات الشرع الإسلامي ومقاصده العامة، وبهذه الخاصية اكتسب الوقف شخصية متميزة عن كل صور العمل التطوعي التي عرفتها الحضارات القديمة السابقة على الإسلام، وعن تلك التي عرفتها المجتمعات المعاصرة لاسيما في البلدان الرأسمالية المتقدمة في أوروبا وأميركا التي تغلب عليها النزعة المادية حتى في الأعمال التطوعية.
واستند الفقهاء في تأصيلهم لشرعية الوقف إلى أدلة كثيرة من القرآن والسنة النبوية والإجماع والقياس، فمن القرآن الكريم قوله تعالى «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون» ، فقال العلماء أن هذه الآية تشمل «الوقف»؛ لأنه صدقة كسائر الصدقات التي يتقرب العبد بها إلى الله تعالى، واستدلوا على ذلك بأنه لما نزلت تلك الآية وسمعها أبو طلحة - أحد أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - قال: «يا رسول الله إن أحب أموالي إليّ ببرحاء وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله فضعها حيث أراك الله»، فقال النبي: «بخ بخ ذاك مال رابح، ذاك مال رابح، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين» فقال أبو طلحة:» أفعل يا رسول الله»، فقسمها في أقاربه وبني عمه.
ومن القرآن الكريم استدلوا أيضًا بآيات أخرى كثيرة منها قوله تعالى «وفي أموالهم حق للسائل والمحروم»، وكذلك سورة الماعون كلها تحض على الصدقة وإعانة المحتاجين وتجعل المانعين لها كالمكذبين بالدين «أرأيت الذي يكذب بالدين* فذلك الذي يدع اليتيم* ولا يحض على طعام المسكين* فويل للمصلين* الذين هم عن صلاتهم ساهون* الذين هم يراءون* ويمنعون الماعون».
أما أدلة الوقف من السنة النبوية فمنها قوله (صلى الله عليه وسلم) «إذا مات ابن أدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، وقد فسر العلماء «الصدقة الجارية» بأنها «الوقف»؛ لأن غيره من الصدقات لا يكون جاريًا، أي مستمرًا على الدوام. ومن أدلة السنة أيضًا ما رواه البخاري ومسلم من أن عمر بن الخطاب، قال:» يا رسول الله أصبت مالاً بخيبر لم أصب قط مالاً أنفس منه فما تأمرني فيه؟» فقال (صلى الله عليه وسلم): «إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها، غير أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث» فتصدق بها عمر «في الفقراء ولذوي القربى، والرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيافة، وليس على من وليها جناح أن يأكل منها بالمعروف، أو يؤكل صديقاً غير متمول منه».
وبالإضافة إلى أدلة الكتاب والسنة على مشروعية الوقف هناك أيضًا دليل الإجماع ودليل القياس، فقد ذهب بعض العلماء إلى أن الإجماع منعقد على جواز الوقف، واستدلوا على ذلك بأن الصحابة صدر منهم الوقف في عهد الرسول، ومن بعده، من دون أن ينكره أحد، أما القياس فكل المذاهب استدلت على صحة الوقف، ومن أهم النماذج التي استدلوا بها على شرعية الوقف ولزومه: نموذج المسجد، ونموذج العتق أي تحرير العبد من الرق.
ولقد ارتبطت نشأة الوقف الإسلامي في مصر بنظام الولاية الإسلامية فيها، وذلك بعد زوال سلطة الحكم البيزنطي، وتمام الفتح على يد عمرو بن العاص. وتذكر المصادر أن جامع عمرو بن العاص كان أول وقف في مصر الإسلامية، وأن قيسبة بن كلثوم التحبيبي تصدق به ليكون مسجدًا للمسلمين، وذلك سنة 21هـ/ 641م.
ويذكرنا ذلك بالنموذج الأول لنشأة الوقف مع قيام «دولة المدينة» عقب هجرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إليها وإنشاء مسجد قباء، وقرر العلماء أن المسجد إذ أنشئ وأقيمت فيه الصلاة صار وقفًا لله تعالى مؤبدًا. واستهلال نشأة الوقف بتأسيس المساجد يفسر لنا لماذا حظيت المساجد بالأولوية الأولى على مر التاريخ - وحتى الآن - في سلم أولويات الواقفين ومصارف أوقافهم الخيرية، ولعل السبب في ذلك هو أن المسجد عبارة عن نموذج مثالي لترجمة فكرة الوقف من حيث كونها صدقة جارية في صورة عملية، محررة من ملكية البشر، ومتاحة أمام الجميع من دون تمييز لتقديم خدمات متنوعة، وتذكر المصادر التاريخية أن الصحابة الذين دخلوا مصر بنوا فيها 233 مسجدًا، وأن ظهور الأوقاف تتابع منذ ذلك الحين.
ونلحظ أن الحكام والأمراء والولاة والسلاطين شاركوا منذ البدايات الأولى في إنشاء الأوقاف من أملاك بيت المال، وأطلق المؤرخون والفقهاء القدامى على ما وقفوه من أملاك بيت المال اسم «الإرصاد» ومعناه «حبس أرض من بيت المال لجهة من جهات النفع العام»، وقد توسع بعض الولاة - في ما بعد - في تخصيص ريع الإرصاد، فأضافوا إلى غرض النفع العام أغراضًا أخرى، كان بعضها من قبيل البر الخاص، وبعضها الأخر كان على سبيل المساعدة، أو المكافأة لأفراد بعينهم ولأولادهم وذريتهم من بعدهم، وعرف هذا النمط في عهد الأيوبيين والمماليك باسم «الرزق الأحباسية»، وجرت عليه أحكام الوقف مع استثناء خاص بشرط الواقف، إذ لم ير الفقهاء وجوب العمل به وأجازوا تغييره، غير أن إقرار العلماء بحرمة شرط الواقف وفر للأوقاف ومؤسساتها حماية قوية ساهمت في ضمان بقائها واستمرار عطائها. وبتمسك العلماء والفقهاء بمبدأ الحفاظ على شروط الواقفين، فشلت كل المحاولات التي بذلها السلاطين والأمراء الذين حاولوا السيطرة على الأوقاف وتسخيرها لخدمة سياساتهم وإخضاعها لسلطة حكوماتهم ، ومن الخطأ أن نتصور أن جميع الأمراء والسلاطين سعوا إلى السيطرة على الأوقاف وغصب أموالها، إذ الحقيقة أن بعضهم فعل ذلك، وبعضهم الأخر قام بعكس ذلك ورد الأوقاف التي تعرضت للاغتصاب، وأعادها إلى مساره الذي رسمته شروط الواقفين واعتبروا أن عملهم هذا يرفع من شأنهم، ويثبت من دعائم حكمهم وشرعيته؛ كونهم احترموا شرعية الأوقاف.
تدخّل الحكّام
وقسم الفقهاء الوقف إلى قسمين: الأول الوقف الخيري وهو ما يصرف فيه الريع من أولي الأمر إلى جهة خيرية كالفقراء والمساجد والملاجئ ونحو ذلك، والثاني الوقف الأهلي وهو ما جعل استحقاق الريع فيه للواقف نفسه أو لغيره من الأشخاص المعينين بصفة ذاتية أو بالوصف سواء كانوا من أقاربه أم من غيرهم، ثم من بعد ذلك يكون لجهة خيرية، وهذه التسمية حديثة نسبياً.
وقد ظلت الأوقاف في مصر منذ دخول الإسلام إليها، وانتشاره في ربوعها، في أيدي المستحقين أو نظار الوقف، بحسب شروط الواقف من دون تدخل من الدولة في شؤونها، أو خضوعها لإشرافها المباشر أو غير المباشر، حتى ولي قضاء مصر القاضي الأموي «توبة بن ثمر» في زمن هشام بن عبد الملك، فرأى أن هذه الصدقات للفقراء والمساكين، ومن ثم وجد أن الأولى له أن يضع يده عليها حفظاًَ من البوار والتوريث، ومنذ ذلك الوقت خضعت الأوقاف لإشراف القضاة، وأصبح من سلطات القاضي النظر في أمر الأوقاف بحفظ أصولها واستثمارها وقبض ريعها وصرفه في أوجه صرفة، فإن كان عليها مستحق للنظر فيها بحسب شروط الواقف رعاها القاضي، وإن لم يوجد من ينظر فيها تولى القاضي النظر فيها.
وعندما تولى الظاهر بيبرس البندقداري المملوكي سدة الحكم في مصر عمل على تنظيم الأوقاف، فتنوعت الأوقاف وانقسمت إلى ثلاثة أقسام رئيسية على الأقل بحسب رئاستها أو تبعيتها، وهذه الأقسام هي الرزق التابعة لديوان الأحباس، والأوقاف الخيرية على الحرمين وجهات البر، وكانت تخضع لإشراف قاضي القضاة الشافعي الذي كان يتقاضى جزءاً من ريعها نظير إشرافه عليها، وهناك من القضاة من تنازل عن الجزء المقرر له من ريعها، وعرفت بالأوقاف الحكمية، والأوقاف الأهلية التي كانت بيد نظار من أولاد الواقف.
وعند الفتح العثماني لمصر كانت مساحة الأوقاف كبيرة بلغت عشرة قراريط (على اعتبار إن مصر كلها 24 قيراطًا) كانت غالبية مباني القاهرة والفسطاط منها، ولما كانت سياسة السلطان سليم الأول العثماني في أعقاب فتحه مصر قائمة على إبقاء القدر الأكبر من الأمور على ما هي عليه وعدم إحداث أي تغيير جوهري في النظم والقوانين المستقرة في مصر منذ الأزمان السالفة مما تعارف عليه الناس ما دامت لا تتعارض مع بقاء سلطته العليا وتبعية الولاية له، فقد أصدر مرسوماً في 24 ربيع الأخر 932هـ/ 1517م إلى «الكشاف، والمباشرين، والمتحدثين، وولاة الأمور... بعدم التعرض لجهات أوقاف الجوامع والمدارس والمساجد والزوايا والربط والمعابد وأنواع البر والقربات، وجهات الخير والصدقات» ، حتى الأوقاف الأهلية والرزق ليس هناك ما يدل على أن السلطان سليم تعرض لها بل الأغلب أنه ترك أمرها بيد ذويها.
غير أن الأوضاع تغيرت كثيرًا في عهد محمد علي باشا الذي حاول التدخل في نظام الأوقاف لمحاولة استغلال نتاجها لمصلحته، فعندما قام بمسح الأراضي الزراعية في الوجهين البحري والقبلي في عام 1224هـ/ 1809 ضم إليها بعض أطيان الأوقاف من أراضي الرزق الأحباسية فعمت البلاد ثورة شاملة احتجاجاً على تصرفه هذا استنجد فيها الأهالي بالمشايخ والعلماء لكنهم لم يفلحوا في منع محمد علي من فرض سيطرته عليها ووضع يده على كثير من أراضي الأوقاف، وتغلب على احتجاجات الأهالي بنفي نقيب الأشراف عمر مكرم الذي ألبسه خلعة الولاية عام 1805، بعد عزله من نقابة الأشراف وذلك عام 1809، وإلى ذلك أشار أمين سامي باشا في كتابه تقويم النيل إذ كتب: «وحرروا دفترًا لإقليم البحيرة بمساحة الطين الري والشراقي، وأضافوا إليه طين الأوسية والرزق فضج الناس والتجؤوا إلى مشايخ الأزهر والسيد عمر مكرم ووعدوهم بالتكلم في شأن ذلك بعد التثبت».
وذلك على رغم استمرار تعيين نظار الأوقاف الخيرية من قبل السلطان العثماني في الآستانة، نظراً إلى أهمية الأوقاف لدى الباب العالي، والدليل على ذلك الفرمان الشاهاني الصادر في 17 محرم 1225هـ/ 1810 إلى محمد علي باشا «بتوجيه نظارة أوقاف جنتمكان خاصكي سلطان، وأوقاف المرحوم حافظ أحمد باشا المخصص مستقاتهما ومستغلاتهما للحرمين الشريفين لعهدة ولي الدين خليفة آغا» .
ونتيجة لاستمرار تدخل الدولة الحديثة بدءًا من عصر محمد علي باشا (1805 - 1848) في شؤون الأوقاف ومؤسساتها بهدف إحكام السيطرة عليها، نجحت منذ نهايات القرن التاسع عشر في نقل نظام الأوقاف من حيزه الاجتماعي الواسع إلى الحيز السياسي الضيق الذي تحتكره سلطة الدولة، وترتب على فقدان مصطلح الوقف العناصر التي كانت تميزه عن غيره من أنواع التصرف في الملكية وبصفة خاصة الوصية، وذلك نتيجة لتدخل الدولة بإصدار القانون رقم 48 لسنة 1946 الخاص بأحكام الوقف، وقضت أحكام هذا القانون بجعل الوقف أقرب إلى الوصية بالمنافع منه إلى الوقف بمعناه الاصطلاحي الفقهي الذي يلخصه مفهوم الصدقة الجارية، والذي ظل سائداً منذ فجر الإسلام إلى ما قبل صدور هذا القانون في مصر سنة 1946.
علي عفيفي علي غازي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد