ندوة عن «العلاج بالموسيقا»
وصفها أرسطو يوماً بأنها «قوة تطهر المشاعر وتؤثر في الروح»، وقال عنها أفلاطون إنها «يمكن أن تؤثر في العواطف أي يمكن أن تؤثر في طبيعة الفرد»، بينما قال الكندي إن «كل وتر وتنغيمه وإيقاعه يؤثر في منطقة ما من جسم الإنسان»..
إنها الموسيقا التي استخدمت كعلاج منذ قرون طويلة، حتى عدّ «أبولو» أحد آلهة الإغريق، إلهاً للموسيقا والطب معاً، وقد انتشر هذا العلاج داخل الوطن العربي وخارجه، وأصبحت له مراكز عدة.. من هنا دعت مدارس الأحد الأرثوذكسية لحضور محاضرة «العلاج بالموسيقا» التي ألقاها الموسيقي جوان قره جولي في قاعة القديس أغناطيوس الأنطاكي في كنيسة الصليب المقدس في القصاع، وذلك بدعوة من أسرة البشارة.
في بداية محاضرته عرّف قره جولي الموسيقا بأنها كل صوت موجود ضمن المحيط الذي نعيش فيه ومهمة الموسيقيين تحويل الأصوات غير الجميلة إلى أصوات جميلة، وهذه مهمة الفنون جميعها، وكل الأصوات الجميلة فيها إيقاع ولحن مستمد من الطبيعة، من الأرض، من نبضات قلب الأم.. من هنا تكلّم عن «العلاج بالموسيقا» بأنه لا يغني عن الطبيب وهو خط ثانٍ بعد الطب وهو علاج صحي مبني على التفاعل مع الموسيقا من أجل تحقيق أهداف معينة في صحة الشخص المقابل، ولكن يجب أن يكون الشخص الآخر مؤهلاً لذلك وموافقاً على برنامج العلاج بالموسيقا، وهو عملية يقوم من خلالها المختص بالعلاج الموسيقي باستخدام الموسيقا وكل من جوانبها البدنية والعاطفية والعقلية والاجتماعية والجمالية والروحية لتحسين الحالة العقلية والبدنية للمريض، وهو أحد الخيارات السائدة للعلاجات الطبية الأخرى بصورة أساسية، فالمعالجون بالموسيقا يساعدون المرضى لتحسين الصحة في عدة مجالات، مثل العمل المعرفي، العاطفة، المهارات الحركية والاجتماعية ونوعية الحياة عبر استخدام المجالات الموسيقية مثل حرية الارتجال أو الغناء أو الاستماع وذلك لتحقيق أهداف العلاج.
وعن آلية عمل الموسيقا تحدث قائلاً: تعدّ الموسيقا من وسائل التنفيس عن المشكلات التي يعانيها الفرد، حيث نسمح بإطلاق الخيال، وتالياً في تصريف ما ينبعث في النفس من خواطر وإلهامات تقلل من التوتر النفسي لدى الشخص السامع للموسيقا أو المؤدي لها على السواء، حيث يؤكد «فيبر Veber» فاعلية أثر الموسيقا في تخفيض حدة التوتر وتغيير مزاج الفرد ولاسيما بالنسبة للروتين اليومي الذي يتعرض له المرء، كما يؤكد أن الموسيقا تساعد في توجيه السلوك واتخاذ القرار عند الإنسان بشكل أفضل، وذلك من خلال التأثير المباشر في الدماغ الذي يستجيب بدوره للذبذبات الصوتية كمثير خارجي، ويتأثر بها تبعاً لنوع الموسيقا المسموعة، لذلك فإنه من المهم جداً أن يتم انتقاء موسيقا محددة تناسب حالة المريض النفسي.
أما عن الوسائل والأساليب التي تساعد في عملية العلاج النفسي بالموسيقا فقال: هناك عدد من الأساليب نذكر منها ما أكدة «فيبر» حين تم في عيادة طب الأسنان إجراء تجربة، حيث يسمح للمريض باختيار الموسيقا التي يرغب بسماعها، وقد تم تسجيل نتائج لافتة للنظر في التخفيف من حدة الألم عند المريض، وقد اختار بعضهم موسيقا «الروك» ليتم سماعها أثناء عملية المعالجة وقد أفضت إلى نتائج أفضل.. كما يوضح الطبيب النفسي البريطاني «فيليب هيغوس» الذي يستخدم الموسيقا أداة للاتصال غير اللفظي أنه بالبحث عن إطار عمل نظري للعلاج النفسي التقليدي ينشأ هناك على الأقل وضعان متناسبان، الأول تبرز فيه أهمية الاتصال اللفظي أينما كان مناسباً أو ممكناً، حيث يكون هذا النموذج أحياناً فعالاً، أما الوضع الثاني فيؤكد أهمية الموسيقا كوسيلة علاجية، ولذلك يكون من غير المفضل وغير الممكن أحياناً أن نترجم ما حدث أثناء استخدام الموسيقا، مع التأكيد على محدودية إطار العمل بالموسيقا كعلاج، وهذا يدل على أن الموسيقا تخاطب الحواس وتتفاعل بطريقة خاصة مع خبرات الشخص الذي يخضع للعلاج فتحرك لديه اللاشعور لينطلق الأخير بشكل أكثر حرية، ما يساعد في عملية العلاج النفسي الذي هو جزء من أنواع العلاج.
وعن أنواع العلاج قال: هناك ثلاثة أنواع للعلاج بالموسيقا، وقد أثبتت فعاليتها عملياً الأول نفسي ويشمل التوتر والقلق والأرق والاكتئاب بما فيه اكتئاب الولادة، والثاني عصبي ويشمل القصور في عمل الدماغ، والثالث وقائي يخصُّ الأم الحامل وذلك للحفاظ على هدوء الجنين (من بداية الحمل وحتى الأسبوع الثالث والعشرين من الحمل) يلي ذلك موسيقا للجنين والأم معاً ويتفرع منه قسم تعليمي خاص بالجنين.
ثم أنهى الأستاذ جوان قره جولي المدير العام للهيئة العامة لدار الأسد للثقافة والفنون محاضرته بجلسة استرخاء مدتها ثماني عشرة دقيقة للتعرف عملياً على هذا النوع من العلاج.
يُذكر أن قره جولي درس الموسيقا الروحية وتدرب عليها وعلى كيفية توظيفها في المعالجة على يد الفنان الهندي «ديبوجي تشاودري» وعازف العود العالمي «منير بشير» ويعمل في هذا المجال منذ عشرين عاماً، ويقوم حالياً بالتحضير لإصدار كتاب عن المعالجة بالموسيقا تمهيداً لحصوله على الدكتوراه في المعالجة عن طريق الموسيقا.
تشرين
إضافة تعليق جديد