ممدوح عدوان في ذكراه الخامسة علامة فارقة في الأدب العربي المعاصر

21-12-2009

ممدوح عدوان في ذكراه الخامسة علامة فارقة في الأدب العربي المعاصر

لم يكن يدور في ذهن ممدوح عدوان عندما أتى من بلدته مصياف بريف حماة إلى دمشق بكل ما كانت تحفل به من مبدعين حاملا معه أحلام ابن الريف ومواجعه أنه سيصبح صاحب تجربة أدبية مثيرة للنقاش والاهتمام حتى قيل انه شكل علامة فارقة في الأدب العربي المعاصر.

وبعد خمس سنوات كاملة على رحيل عدوان 1941-2004 الذي يصادف هذا الشهر فإن كتاباته ما زالت تشكل مواد دسمة وغنية للنقاد والمشتغلين بالشأن الثقافي عموماً ولاسيما أنه خاض في شتى حقول الإبداع الأدبي من شعر ومسرح ودراما ومقالة وترجمة فتمتعت كتاباته بتنوع وغزارة وصلت إلى ثمانين مؤلفاً فضلاً عن الأعمال الدرامية اللافتة كالزير سالم والدوامة ودائرة النار وغيرها.

كان التمثيل أول نشاط أحبه عدوان في حياته إذ قام منذ عام 1958 بدراسة التمثيل بالمراسلة واستطاع بعد عامين تقديم مسرحياته بنفسه لكن الشعر كان هاجسه الأول ولاسيما عندما بدأ دراسة الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق مطلع ستينيات القرن الماضي.

في تلك الفترة اطلع عدوان على الجدالات المتعلقة بالحداثة والكلاسيكية في الشعر من خلال مجلتي الآداب وشعر بعد أن كانت معرفته بالشعر المعاصر مقتصرة على شعراء المهجر وعدد من الشعراء السوريين كـ بدوي الجبل ونزار قباني فنشر الشعر وهو طالب منذ عام 1964 بمجلة الآداب وفي الصحافة السورية وبمجرد تخرجه عام 1966 صدر له أول ديوان "الظل الأخضر" وفي العام نفسه كتب أول مسرحية شعرية "المخاض".

لم يكتب عدوان أشعاره الأولى في الغزل كما يفعل سائر الشعراء بل في هجاء بعض المظاهر الاجتماعية وقد عمقت الأحداث التي رافقت شبابه شعوره بالمسؤولية عن كل ما يحيط به وهذا ما دفعه للتطوع في العمل الفدائي أواخر عام 1967 ثم العمل كمراسل حربي حتى نهاية حرب تشرين التحريرية.

ولأنه آمن بأن حقيقة الشاعر تكمن في مقدرته على الاستفادة وامتصاص كل النسغ الخارجي لصناعة قصيدة يقبلها القارئ العادي ارتأى أن يبحث عن إيقاعات جديدة في الشعر تكون مفتاحا للحداثة العربية ومرتبطة بإيقاع الحياة الجديد الذي فرض نفسه على القصيدة.

وهذا لم يؤثر على تشبث عدوان بالتراث العربي ومواءمته بين الفكرة الأصيلة التي ينشدها والتجربة الشعرية الحاضرة لديه حتى إننا نلمس في قصائده إشارات كثيرة لشعراء من التراث مستعيناً بقراءته الدقيقة لهذا التراث وكان الحطيئة أول شاعر اهتم بشعره فجعله بطلا لمسرحيته "ليل العبيد" وقصيدته "يوميات الحطيئة".

ومع النجاح الذي حققته دواوينه الأولى فإن ألق الدواوين اللاحقة ازداد مع التكثيف الذي طرأ عليها كما في "أبدا إلى المنافي" كما برزت تحولات أسلوبية في شعره وأخذت تتماشى مع تطوره الشعري.

وشاعت في دواوين عدوان بالإجمال ظواهر عدة ميزت شعره لكنها كانت قليلة الانتشار والوقع ثم أخذت تتسع شيئا فشيئا حتى وصلت إلى مرحلة جاء فيها النص معتمدا على المفارقة وهذا ما يظهر من خلال المقارنة بين دواوينه الأولى كـ تلويحة الأيدي المتعبة والمتوسطة كـ الليل الذي يسكنني ودواوينه الأخيرة.

أما المسرح فكان كالشعر قريباً من عدوان وظهر في بواكير مسرحياته تأثره الشديد بالشعر وسيطرته على مفرداته وشيئاً فشيئاً بدأ ينتهي من هذا التأثر مركزاً على خدمة البنية الدرامية للنص حتى غداً يكتب الشعر عندما يريد سماع صوته ويكتب المسرح عندما يريد سماع أصوات الآخرين.

عندما شعر عدوان بأن ثمة أزمة في المسرح فكر بتقليص عدد الشخصيات فكتب "حال الدنيا" أول عمل من وحي وفاة أمه ما جعله من أوائل من كتب المونودراما في المسرح السوري وبعد أن اكتشف أحقية التصدي لهذا الفن كتب مجموعة مسرحيات بينها الزبال، القيامة، أكلة لحوم البشر.

كان عدوان صحفياً لامعاً ومشاكساً تمتعت كتاباته الصحفية والدرامية بسمة السهل الممتنع ويشعر المتلقي بإمكانية مقارنتها بالحديث اليومي كحديث أحدنا مع البقال أو حديث الجارة مع جارتها على عكس شعره الذي كان حوارا مع الذات ومرآة لنفسه فجاءت لغته حذرة وأقل سلاسة.

في حقل الترجمة كان عدوان ينتقي الكتاب الذي يجد فيه متعة ومعلومة مع حرصه على معرفة خلفية المؤلف وتعامله مع واقعه ومجتمعه ومن هنا جاءت ترجمته لـ كازنتزاكي الذي وجده واحدا من أغنى الكتاب في العالم.

عاش ممدوح عدوان حياة غنية صاخبة لكنه كان دائما يشعر بضيق الوقت الذي لا يمكن تعويضه وهذا الإحساس بالضغط كان يجعله متوتراً دائم الانفعال في مواجهة الأشياء الكثيرة التي يريد أن يكتب عنها حيث لا زمن كافيا لذلك وكم تمنى أن ينزل للشارع ويشحذ الوقت من الناس الذين يهدرونه.

خلف عدوان وراءه أكثر من 85 كتاباً في شتى فنون الإبداع عدا المسلسلات التلفزيونية والمقالات الصحفية وأكثر من ذلك فقد ترك وعياً وحساسية فريدة في تعاطيه مع الواقع والمجتمع والتراث.

باهل قدار

المصدر: سانا

إقرأ أيضاً:

توفي ولم يمت بعد: ممدوح عدوان في ذكراه الخامسة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...