مقدمات لعملية تسوية كبرى في دوما
هدأت العمليات العسكرية على محور مدينة دوما في ريف منذ أشهر، واقتصرت على قصف مدفعي يقوم به الجيش بين وقت وآخر، بالتزامن مع عمليات تجري في محيط هذه المدينة، ولا سيما في جوبر وحرستا، فيما يستمر التقدم بطيئاً منذ 40 يوماً لاسترجاع مدينة المليحة.
وتحوّلت مدينة دوما، التي يديرها مجلس محلي، إلى تسيير شؤونها، وسط محيط مضطرب تمثله الغوطة الشرقية، ولكن من دون حياد، إذ تشارك الفصائل المقاتلة هناك في معارك دير العصافير والمليحة والضمير، كما في اشتباكات حرستا وجوبر ومحيط عدرا العمالية.
ويبدو غياب أخبار الحرب في دوما عن الواجهة الإعلامية مثيراً للريبة، باعتبار أن المدينة تعد من أكبر المدن الحاضنة لمسلحي المعارضة، ولكونها تشكل عمقاً عسكرياً حساساً لهم، كما أن تكرر حوادث الاغتيالات في المدينة يشير إلى اختلالها الأمني وتنافس الفصائل المسيطرة على قطاعاتها، وأبرزها «لواء شهداء دوما» و«الجبهة الإسلامية».
وينقل عدد من الناشطين تعثر عمليات التحقيق في عمليات اغتيال جرت في أيار الحالي لكل من المعارض السياسي محمد فليطاني، وبعده القائد العسكري في «لواء شهداء دوما» عدنان خبية، بسبب انقسام مناطق النفوذ بين الأحياء، وعدم تعاون الفصائل بعضها مع بعض. وتشير حالة اختفاء ناشطة الحراك السياسي رزان زيتونة وثلاثة من زملائها إلى الخلفية ذاتها، حيث تغلي المدينة المطلة على مدخل دمشق الشرقي بمشاكل أمنية مرشحة للتفاقم.
وفي ظلال هذا الاضطراب، تسير عمليات أخرى ذات طابع مختلف، مستفيدة على ما يبدو من حالة الانقسام، لتدخل في سياق تطور عام يصيب المشهد السوري، ويتمثل في التسويات والمصالحات، وصولا إلى تبادل المخطوفين، باتفاقات يتوسط فيها وجهاء و«فاعلو خير».
وتبدّت أمس الاول معالم اتفاق كبير يمكن أن يؤدي إلى مبادلة آلاف المخطوفين في عدرا العمالية بمئات المعتقلين، وفقا لما ينقله رئيس «لجنة المصالحة الشعبية» في سوريا جابر عيسى، الذي قال إن أول أسرة يتم تحريرها يُفترض أن تلاقي حريتها اليوم، وهي مؤلفة من ثمانية أشخاص، وتدخل ضمن أطر «بناء الثقة وحسن النية» بين الطرفين.
ويمثل الأول فريق «المصالحة الشعبية» بالتوازي مع الجهات الأمنية والعسكرية، بينما يتمثل الثاني بالفصائل المقاتلة في دوما، والتي لا يعلن عيسى عن هويتها صراحة، فيما يرجح مراقبون أن تكون من «الجبهة الإسلامية» التي سبق وأنجزت اتفاقاً مشابهاً مع السلطات السورية في ريف اللاذقية وحلب على خلفية تسوية حمص.
ورغم أن التسوية تحمل اسم «تسوية عدرا»، فإن «العرس» حقيقة في دوما، وذلك لكون المخطوفين محتجزين فيها، ولكون المدينة «حصن» الجهة الخاطفة، ومركز عملها.
وتسلم الوفد المفاوض، أمس، امرأة هي الرابعة من أربع نساء اشترطت الجهات الخاطفة تسليمهن للمسلحين، قبل الإفراج عن عائلة واحدة، وذلك بتزامن مع إدخال مساعدات غذائية إلى المنطقة.
كما توقع عيسى، وفقا لخطوات التسوية القائمة، أن تفرج الفصائل المسلحة عن ثلاثة ضباط خُطفوا إثر اقتحام عدرا منذ سبعة أشهر، على أن يتبع ذلك العمل على خطوات الاتفاق اللاحقة، وتتضمن إطلاق سراح 1500 أسرة في مقابل إطلاق سراح 1500 معتقل.
وتحفظ عيسى، الذي يقول إنه يدير شبكة من لجان المصالحة على مستوى سوريا، على الوقت المطلوب لتنفيذ العملية برمّتها، مشيراً إلى أن أحد جوانب التعقيد يتمثل في لائحة أسماء المعتقلين التي يجب أن تخضع لدراسة الجهات المعنية، فيما ليس لدى الطرف الآخر في هذا الاتفاق سوى عائلات مدنية اختُطفت سابقا لهذا الغرض.
ولفت عيسى إلى أنه بعد الانتهاء من تنفيذ اتفاق مبادلة العائلات المخطوفة من عدرا العمالية سيُعمل على إنجاز اتفاق لمبادلة جميع عناصر الجيش المخطوفين في دوما في الغوطة الشرقية. وقدر عددهم بستة آلاف جندي اختطفوا في مراحل الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات.
وكان عيسى قد أوضح، في تصريحات صحافية أمس الأول، أن تسوية عدرا تسير بتواز مع عمليات أخرى، مشيرا إلى أنه تم إطلاق سبعة مخطوفين في محافظة القنيطرة في مقابل الإفراج عن 12 موقوفاً، لافتاً إلى أن ضابطين أيضا أطلق سراحهما من أصل سبعة ضباط تم إنجاز اتفاق مبادلة بشأنهم في ريف اللاذقية الشمالي.
وذكرت صحيفة «الوطن» في هذا السياق عملية مصالحة في منطقة التل شمال دمشق تشهد تقدماً، فيما أعلنت لجان تنسيق محلية في منطقة القدم حصول وقف لإطلاق النار بين المسلحين والجيش السوري، في منطقتي القدم والعسالي قرب مخيم اليرموك كمقدمة على ما يبدو لاتفاق تسوية.
من جهة ثانية، ذكرت وكالة الأنباء السورية («سانا») أن «شخصاً توفي وأصيب ثلاثة في سقوط ست قذائف هاون على حرستا، كما أصيب خمسة بسقوط قذيفة على حي الدويلعة في دمشق. وسقطت قذائف على منطقتي الشعلان والعباسيين في دمشق، من دون وقوع إصابات».
زياد حيدر: السفير
إضافة تعليق جديد