مـؤتـمــر طـــهـران والصراع التركي الإيراني حول الملف السوري

11-08-2012

مـؤتـمــر طـــهـران والصراع التركي الإيراني حول الملف السوري

شكّل مؤتمر طهران التشاوري حول سوريا فرصة أخرى لتظهير الخلاف العميق بين تركيا وايران حول الوضع في سوريا.

ومع ان حكومة حزب العدالة والتنمية والحكومة الايرانية كانتا دائماً حريصتين على عدم قطع شعرة معاوية في الاتصالات بينهما، غير أن عوامل عدة ساهمت في اتخاذ موقف تركي سلبي، وبالتالي عدم المشاركة في الاجتماع.
يأتي في رأس هذه العوامل التركية الصرف أن حكومة رجب طيب أردوغان لا تريد أن تمنح إيران فرصة حصد نقاط إضافية في هذه المرحلة تأكيداً لدورها (ايران) المحوري في سوريا وفي قضايا المنطقة. ومع أن دولاً ليست مع النظام السوري مثل تونس والاردن شاركت في المؤتمر فإن السياسة التركية وصلت هذه الأيام الى مرحلة من التخبط لم تعد تعرف كيفية الخروج من الطوق الذي أحاطت نفسها به مفوّتة بذلك فرصة الالتفاف على أخطار باتت في «متناول اليد» وأهمها الخطر الكردي.والعامل الثاني أن أنقرة أرادت أن تظهر انزعاجها الشديد من الموقف الذي أطلقه رئيس الأركان الايراني فيروز ابادي، مهدداً فيه بأن الدور التالي سيكون على تركيا لجهة انتقال شرارة الأحداث السورية اليها. والثالث هو اتهامات تركية غير مباشرة بأن إيران تقف وراء تصاعد هجمات حزب العمال الكردستاني على الجيش التركي في جنوبي شرقي تركيا.

لكن مع ذلك فإن العامل الأبرز هو أن تركيا لو شاركت لكان مثّل حضورها اختراقاً لمصلحة محور الدول المؤيدة للنظام السوري على اعتبار أن تركيا ليست فقط دولة اساسية من الدول المعارضة للنظام في سوريا بل هي في رأس الدول التي تخوض حرباً بالوكالة ضد دمشق عبر استضافة وتسليح مجموعات «الجيش السوري الحر». وهي التي كانت وراء فكرة مؤتمرات «أصدقاء سوريا»، التي انعقدت ثلاث مرات في تونس واسطنبول وباريس والتي يبدو أنها باتت في خبر كان بعد فشل الحشد ضد النظام السوري. وبالتالي فإن مشاركة تركيا كانت ستشكل رصاصة الرحمة على فكرة «أصدقاء سوريا» التركية.والعامل الرابع أن الحسابات الأميركية تتقاطع مع الحسابات التركية في عدم منح ايران اي دور في هذه المرحلة العديمة الوزن سياسياً، وبالتالي كان عدم مشاركة تركيا نتيجة موقف مشترك تركي - اميركي حتى لا نقول نتيجة ضغوط اميركية.ومع ذلك فإن مشاركة دول أخرى محسوبة على المعسكر الأميركي مثل تونس والاردن ربما يكون رسالة أميركية ولو ضعيفة بأن باب التواصل والتوصل الى تفاهمات ليس مستحيلاً، ولكن دونه مسيرة طويلة.

نجحت طهران في ان تجابه المعسكر الآخر بالطريقة التي هو ايضاً يتحرك بها. فلم تعد العراضات الإعلامية التي يُحسنها معسكر القوى المعادية للنظام في سوريا حكراً عليه ولم تعد المبادرات في اتجاه واحد وتحت عنوان وحيد وهو إسقاط النظام.

ولعل من أهم العوامل التي ساهمت في أن يكون مؤتمر طهران علامة في حراك الدول المؤيدة للنظام، إنه جاء في توقيت مناسب لجهة الركود في المبادرات السياسية وحراك القوى المضادة.ولا تخفى أهمية المبادرة السياسية هذه، في لحظة ارتفاع وتيرة الاشتباك العسكري حول حلب، التي تحوّلت الى رمز للصراع ليس فقط بين الأطراف الداخلية في سوريا بل بين تركيا من جهة وايران من جهة ثانية، حيث إن القوى المؤيدة لحزب العدالة والتنمية صوّرت حلب كما لو أنها مدينة تركية وأن النظام يريد أن يؤدبها على ذلك. وفي الواقع إن الأتراك علقوا آمالاً على معركة دمشق واليوم يعلقون آمالاً على معركة حلب على اساس انها ستكون نقطة تحوّل؛ بعدها ليس كما قبلها.إن انعقاد مؤتمر طهران كمبادرة سياسية ومد يد الحوار الى الجميع للوصول الى حلّ في ذروة الصراع العسكري على حلب، وقول المسؤول الايراني سعيد جليلي إن طهران لن تسمح بكسر محور المقاومة، هو علامة على ان هذا المحور، وبالرغم من كل الضغوط الاقليمية والغربية استعاد زمام المبادرة عسكرياً وسياسياً في سوريا، وهو في وضع أفضل بكثير من قبل.وهنا لا تبدو تركيا مرتاحة لكل التطورات الأخيرة في المنطقة، ولا سيما بعد التصعيد العسكري الكبير بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا، حيث المعارك مستمرة منذ 23 تموز الماضي من دون انقطاع مع تعتيم تركي كامل على الوضع منعاً لانهيار المعنويات ولتدارك حدوث خضات سياسية في الداخل، خصوصاً بعدما وسّع حزب العمال الكردستاني جبهة المواجهات ونقلها الى أقصى الغرب التركي بعد تفجير باص عسـكري أفضى الى قتيل وعـدد من الجرحى.

محمد نور الدين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...