مصر على مسـافة يومـين من اختيار رئيسها: التصويـت للوظائـف والسـياحـة والاسـتثمار
«انتخاب اول رئيس لمصر بعد الثورة خطوة اساسية في المرحلة الانتقالية الا انها ليست الوحيدة، خصوصا انها تجري في مناخ من القلق الذي يعود اولاً الى عدم وضوح سلطات هذا الرئيس حتى الان في ظل الضبابية المحيطة بقراءة الدستور والفريق الذي سيتولى هذه القراءة، وثانياً الى النفوذ المتواصل للمؤسسة العسكرية التي تولت السلطة التنفيذية منذ شباط 2011 والتي لا تزال قوة ناشطة سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
«التحول باتجاه الديموقراطية في مصر لم يُنجز بعد»... هذا ما حدّدت به مديرة معهد «سابان» الاميركي لدراسات الشرق الاوسط تامارا كوفمان وايتس، مشهد مصر المندفعة إلى خوض انتخابات رئاسية صاخبة بضجيجها وتنوع مرشحيها بعد غد الأربعاء، فالامن والدستور، عنوانان يتربعان على عرش الحملات الانتخابية لـ13 مرشحا رئاسيا... الا ان عناوين اخرى وعلى رأسها الاقتصاد، تبقى الاكثر جاذبية بعدما خسرت البلاد خلال الفترة الماضية الكثير من اسهمها في السياحة والاستثمار.
وتقول الباحثة في معهد «شاتهام هاوس» البريطاني جان كينينمونت انه «منذ اندلاع الثورة يأخذ الوضع الاقتصادي في مصر منحى الانزلاق خصوصا ان عائدات الاستثمار والسياحة قد تراجعت في موازاة تباطؤ النمو وارتفاع نسبة البطالة. لكن اساسات الاقتصاد المصري لم تتغير». وتابعت كينينمونت «لا تزال مصر صاحبة العدد السكاني الاكبر في الشرق الاوسط وتتمتع بأكثر اقتصادات المنطقة تنوعاً: لديها الغاز والنفط، المراكز الجاذبة للسياحة، ونقاط تجارة استراتيجية مع كل من اوروبا والشرق الاوسط وافريقيا». هذا ما يفسّر بحسب المعهد عدم خروج كبار المستثمرين من مصر منذ كانون الثاني الماضي، اذ ان الاعتقاد السائد هو ان امام اقتصاد مصر فرصة الانتعاش من جديد «في حال ثبت ان النظام الجديد اقل فسادا واكثر جدارة».
عند هذه النقطة بالذات، يجتمع المرشحون الرئاسيون على رفع شعارات واعدة اقتصاديا: عبد المنعم أبو الفتوح، الإسلامي المستقل، يهدف إلى زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية الى 15 في المئة من الموازنة العامة، والإنفاق على التعليم إلى 25 في المئة منها بحلول 2016. عمرو موسى حدد الأهداف ذاتها في جدول زمني اكثر غموضا، في حين أن أحمد شفيق، الضابط السابق في سلاح الجو، وحمدين صباحي، اليساري الناصري، وضعا مخططا لصالح التأمين الصحي.
اما السكن فمسألة رئيسية أخرى: أبو الفتوح وموسى وشفيق وعدوا ببرامج لإعادة تطوير المناطق العشوائية المترامية الاطراف، في حين ان صباحي ومحمد مرسي، مرشح «الاخوان»، تعهدا بدعم الدولة لمساكن جديدة للفقراء.
اذاً، يدرك المرشحون تماما ان الورقة المعيشية والاقتصادية مهمة جدا في تسيير المعركة الانتخابية التي «يستبسل» كلّ منهم للفوز بها، وان ما يبحث عنه الناخب المصري «ليس التصويت للاسلام بل لأمور اكثر دنيوية، على رأسها الوظائف»، على حدّ قول الكاتب في «لوس انجلس تايمز» جيفري فليشمان.
وينقل فليشمان عن احد المصريين قوله: «لا ابالي بمدى انخراط الاسلام في الحكم.. ما اريده هو ان يأتي رئيس قادر على اعادة بناء بلدي.. نريد العودة الى القمة مجددا».
ويتفق معظم المصريين على انه ينبغي ان يوجّه الاسلام السياسة العامة، لكن شريحة كبيرة من المصريين - من نسبة الـ40 في المئة من المواطنين الذين يعيشون بأقل من دولارين في اليوم - تتخوف من ان يؤدي انشغال النخبة بالدين والحديث عن إحياء قرون الخلافة الى مشكلات جمة.
ينتظر المصريون العودة بمصر الى ثباتها الاقتصادي بعدما تراجعت عائدات السياحة بنسبة الثلث في جوّ من التوتر السياسي الذي لم تشهده البلاد قط منذ اغتيال الرئيس انور السادات في العام 1981. وتشير صحيفة «وول ستريت جورنال» الاميركية إلى ان ما تحتاجه مصر بعد انتخاب رئيسها هو «تنشيط حركة السفن السياحية التي تتوجه عبر النيل الى الملاذات السياحية التقليدية في الاحواض»، في اشارة الى تجاوز السياح منطقة النيل باتجاه المنتجعات الأكثر حداثة على البحر الاحمر، في الطرف الجنوبي من شبه جزيرة سيناء المصرية. وتنقل «وول ستريت» عن احد العاملين المصريين في القطاع السياحي في وسط القاهرة قوله «قبل الثورة، كنّا نرى سياحا من اليابان واوكرانيا واميركا وبريطانيا والسويد.. وفي كل مكان. اما الان فلا شيء».
يبدو ان الشكاوى الاقتصادية على لسان كل مصري غير ان الحلّ قد لا يكون فقط بتنفيذ الوعود الانتخابية التي لا تبدو كفيلة بحل المعضلة المعيشية بعمق، بل ربما بتعزيز الاقتصاد الاقليمي والدولي بحسب «شاتهام هاوس»، في اشارة الى المساعدات الخليجية والدولية الضامنة لعودة المستثمرين.
(«السفير»)
إضافة تعليق جديد